«سي آي ايه» تحشد أضخم فريق استخباراتي لها في العراق

وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أرسلت المئات من خبرائها سعيا للحصول على معلومات أفضل عن مرتكبي الهجمات المسلحة ضد قوات التحالف

TT

باشرت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه)، نتيجة للضغوط المفروضة عليها للحصول على معلومات أفضل حول منفذي الهجمات في العراق، بتحشيد أكبر قوة بشرية في المنطقة منذ بدء الحرب في العراق، حسبما قالت بعض المصادر المقربة من هذه العملية.

ففي الأسابيع الأخيرة بدأت «سي آي ايه» بحشد ما يقرب من مائة شخص يضافون إلى عدة مئات من الأفراد العاملين معها حاليا في العراق. ومن بين الأفراد الذين أرسِلوا محققون ومحللون متخصصون في محاربة الإرهاب وفريق صغير من المسؤولين الكبار يعملون ضمن أجهزة الوكالة السرية. وجاءت هذه المبادرة مع انتشار مشاعر الاحباط في الأوساط العاملة داخل وكالات الاستخبارات الأميركية لعدم قدرة أفرادها على التغلغل إلى داخل المجاميع المتمردة التي تواصل كل يوم تقريبا مهاجمة الجنود الأميركيين والمدنيين العراقيين.

ويعطي نشر هؤلاء الأفراد داخل العراق ذخيرة لوكالة الاستخبارات المركزية يمكنها من مواجهة النقد الموجه ضدها من أنها لم تقم بما هو ضروري. ووصف أحد المسؤولين في «سي آي ايه» هذا التحشيد بأنه جزء من دفع أوسع يساعد على «احتواء المعضلة». ويأتي نشر هذه العناصر الاستخبارية متزامنا مع مساعي وكالة الاستخبارات المركزية لتكوين جهاز استخبارات عراقي من خلال غربلة العناصر التي كانت تعمل مع أجهزة الاستخبارات السابقة. وتم وصف تفاصيل هذه الخطط على لسان مسؤولين من الـ«سي آي ايه» إضافة إلى مسؤولين عسكريين وبرلمانيين. وقال مسؤولون استخباراتيون إن الهدف الاولي من هذا التعزيز الذي قامت به «سي آي ايه» هو لمساعدة الفرق الموجودة حاليا في العراق كي تتمكن من تشخيص عناصر «المقاومة» القيادية وتحديد مواقعها للجيش. وشكّل البنتاغون قوة عمليات خاصة يطلق عليها اسمها «قوة المهام رقم 121» وهي مكلفة بمطاردة أهداف «ذات قيمة كبيرة» داخل العراق وأفغانستان. ولـ«سي آي ايه» حضور حاليا في هذه الوحدة وداخل وحدات عسكرية أخرى وسيمكن الانتشار الجديد من تعزيز هذه الجهود.

ومع اعتقال أو قتل معظم الذين تضمنتهم قائمة أوراق اللعب التي تتضمن 55 شخصا يأتي التهديد حاليا حسبما يقول المسؤولون العسكريون من بعثيين أقل رتبة من سابقيهم، ومن أفراد ينتمون إلى أجهزة استخبارات النظام السابق ومن ميليشيات «فدائيي صدام». ويضاف إلى كل هؤلاء مئات أو ربما آلاف من المقاتلين الأجانب الذين تسللوا إلى العراق ويعتقد بعض المسؤولين الأميركيين أن قسما من هؤلاء لهم علاقة بشبكة «القاعدة» الارهابية.

وخلال الأشهر السابقة القليلة الماضية ظل المسؤولون العسكريون الأميركيون في واشنطن وقادة الوحدات العسكرية في العراق يشكون من أن القوات الأميركية في العراق لا تعاني من نقص في عددها بل من نقص في المعلومات الاستخبارية. وفي الأسبوع الماضي قال الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان المشتركة إن المفتاح الأساسي الذي يمكّن من تغيير المسار في العراق هو «الحصول على معلومات استخبارية أكثر والتمكن من الاستفادة منها بشكل مشترك».

ويصب الكثير من الانتقادات ضد الأجهزة الاستخبارية وهذا يتضمن الوحدات المخصصة لمكافحة الإرهاب المسؤولة عن كسب عناصر تعمل معها من بين الجمهور المحلي. لكن الانتقادات الموجهة لـ«سي آي ايه» جاءت بسبب غياب المعلومات «الاستخبارية البشرية» التي يتم جمعها بواسطة جواسيس على الأرض، إذ يعتبر هذا النوع من المعلومات حاسما لانهاء التمرد المسلح.

لكن مسؤولا أميركيا عارض تلك الفرضيات القائلة بأن سبب الإرسال الجديد من رجال الاستخبارات هو رد فعل على الانتقادات أو أنه يمثل اعترافا متأخرا عن جدية المعضلة في العراق. وقال هذا المسؤول إن «التصور الذي يرى ذلك دليلا على قصورنا أمر مضحك. نحن كان لدينا أناس متخصصون بشكل عال هناك قبل أن تبدأ الحرب. ونحن نرسل أشخصا إضافيين حينما تكون احتياجات إضافية لذلك. هناك عمل يتطلب الإنجاز أكثر فأكثر، وهناك خيوط أكثر تتطلب المتابعة». لكن هذا المسؤول رفض أن يكشف عدد الأفراد المرسلين إلى العراق في وقت قالت مصادر أخرى أن هناك نائب رئيس قسم ومجموعة من الرؤساء ذوي رتب عالية من ضمن المرسلين وبعضهم يشرف على عمليات تجري في بقاع عديدة من العالم. وموظفون من هذا النوع سيأخذون لا محالة أدوارا قيادية على أرض الواقع في بغداد، وسيقومون بإدارة العمليات وتقييم مدى صحة المعلومات الاستخبارية التي يتم جمعها.

مع ذلك اعتبر الكثير من الأفراد العاملين في المؤسسات الاستخبارية أن هذه المبادرة ايجابية لكنهم في الوقت نفسه متشككون من أن زيادة عدد العاملين ستعطي نتائج مهمة. وقال ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية: «إنهم سيملأون فقط المنطقة الخضراء مع أشباح»، وهذه إشارة إلى ذلك الجزء المحصن في بغداد والمخصص مقرا عاما لسلطة الائتلاف المؤقتة وللقيادة العسكرية الأميركية.

وهناك بعض المناطق شديدة الخطورة بالنسبة للغربيين ومحققي «سي آي ايه» وهذا ما يمنعهم من التمكن من كسب عناصر لها أواصر برجال «المقاومة». وقال محقق سابق كان يعمل مع الـ«سي آي ايه» في العراق: «أنت لا تستطيع أن تخرج لوحدك من مقر سلطة التحالف المؤقتة كي تذهب إلى مدينة الصدر وتلتقي بشخص هناك عند منتصف الليل. عليك أن تذهب مع قوة عسكرية وهذا ما يجعل عقد لقاءات سرية مستحيلا في ظروف كهذه».

وبلغ عدد المحللين الاستخباريين حتى الآن في العراق 50 ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بعد تنفيذ إرسال الوجبات الجديدة من موظفي «سي آي ايه» حسب مصدر استخباراتي. وعلى الرغم من أن بعض المرسلين إلى العراق هم خبراء في المنطقة وفي مكافحة الإرهاب فإن هناك من ضُمَّ إلى الفرق المرسلة بدون أن يمتلك خبرة في هذه الميادين حسبما قالت بعض المصادر. فبعضهم قد تطوع للعمل لكن في حالات أخرى هناك «تعيينات موجَّهة» كان بإمكان العاملين أن يعتذروا عن عدم المشاركة فيها لكنهم سيهددون مواقعهم الوظيفية إن هم فعلوا ذلك.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»