جيمس بيكر يبدأ غدا مهمة خفض الديون العراقية

بوش تحدث هاتفيا مع شيراك وبوتين وشرودر وواشنطن تأمل في إقناع الدول الدائنة بخفض ديونها إلى النصف

TT

في خضم المجادلات بشأن عقود الاعمار التي أثارها قرار الادارة الاميركية بحرمان الدول غير الحليفة في الحرب ضد العراق والتي يخشى ان تلقي بظلال كثيفة حول المسعى الرامي الى خفض الديون العراقية، يستعد وزير الخارجية الاميركي الاسبق جيمس بيكر للقيام بجولة حساسة يطلب خلالها من الدول الاوروبية الرئيسية تخفيف هذه الديون في اجواء مسمومة بسبب الجدل حول منح العقود لاعادة اعمار هذا البلد. ولم ينج بيكر نفسه من ان يكون اختياره لاداء هذه المهمة من مجادلات تتعلق بما اذا كان هناك «تضارب مصالح» بين الدور الذي يؤديه وبين اعماله الخاصة. ومن المقرر ان يغادر هذا الدبلوماسي المحنك ورجل الثقة لدى عائلة الرئيسين بوش، الاب والابن، واشنطن يوم غد في جولة تشمل كلا من فرنسا والمانيا وايطاليا وروسيا وبريطانيا. ويمثل اختيار شخصية بهذا المستوى لهذه المهمة يغذي تكهنات مفادها ان محادثاته قد تتجاوز اطار ملف الديون، الهدف الرئيسي للمهمة، لتتطرق بشكل اوسع الى الجهود الدولية المبذولة من اجل استقرار الوضع في العراق. وفور عودته الى واشنطن سيطلع بيكر الرئيس جورج بوش مباشرة على المساعي التي قام بها من اجل تخفيف الديون المتراكمة على نظام صدام حسين والمقدرة قيمتها بـ 120 مليار دولار، والتي تخشى واشنطن من ان تسيء الى الجهود لاعادة اعمار البلاد. الى ذلك لا بد وان يواجه بيكر الجدل الذي يثيره قرار استبعاد دول عارضت الحرب من عقود اعادة الاعمار الممولة من الولايات المتحدة ومنها فرنسا والمانيا وروسيا وهي محطات مدرجة في برنامج جولته. وفي الواقع فان المحللين الاميركيين منقسمون حول مفعول قرار استبعاد هذه الدول من عقود اعادة الاعمار على مهمة جيمس بيكر. ويعتبر بعضهم انه من الممكن ان يكون تأثيره ايجابيا في الحصول على تخفيف الديون من قبل دول مناهضة عبر اغرائها بامكانية استعادة حظوتها لدى واشنطن. لكن بعضهم الاخر يخشون في المقابل ان يقضي هذا الجدل على اي بارقة امل في ان تبدي باريس وبرلين او موسكو اي مرونة تجاه المطالب الاميركية. وفي هذا الصدد قال توماس كاروثيرس الاخصائي في السياسة الخارجية في مؤسسة كارنيغي ان «ذلك سيدفع فرنسا وروسيا وغيرهما الى ان تكون اقل التزاما واقل ليونة». وعلى الرغم من تأكيد وزارة الخارجية الاميركية والبيت الابيض ان هذه المهمة تقتصر على مسألة الديون فان شخصية بيكر تبعث على الاعتقاد بانها قد تذهب ابعد من الحدود المرسومة لها رسميا.

فبيكر الذي تسلم الخارجية الاميركية في عهد بوش الاب كان مهندس التحالف الدولي الواسع الذي نجح في طرد صدام حسين من الكويت، وهو نجاح دبلوماسي اكسبه مكانة دولة وهالة ما زالت مرتبطة باسمه حتى الان. ويبدو بيكر ايضا وسيطا مناسبا لاعادة حوار هادئ مع باريس وبرلين وموسكو. فهو فضلا عن كونه مقربا من الرئيس بوش الابن، يعد من اولئك الذين حذروه من اهمال التحالفات الدولية. حتى ان بوش قال الجمعة «ان جيم بيكر رجل يتمتع باعلى قدر من الاستقامة والنزاهة. انه رجل صاحب خبرة هائلة». الى ذلك، فان بوش اتصل بنفسه هاتفيا بالرئيسين الفرنسي جاك شيراك والروسي فلاديمير بوتين وكذلك بالمستشار الالماني غيرهارد شرودر للبحث معهم في زيارة موفده. ورأى كاتب افتتاحية معروف باطلاعه على مسائل السياسة الخارجية جيم هوغلند في صحيفة «واشنطن بوست» انه «نظرا لمؤهلات بيكر وسيرته فان القادة الاجانب لن يكتفوا بالتحدث اليه بشأن اعادة جدولة الديون ايا تكن اهمية هذا الموضوع». وسيستقبل بيكر خصوصا، جاك شيراك وغيرهارد شرودر مما يشكل خير دليل على الاهمية التي تثيرها جولته.

وفي مواجهة المخاوف من احتمال وجود تضارب في المصالح، اكد الرئيس الاميركي جورج بوش اول من امس ان مهمة بيكر موفده الخاص لمعالجة مشكلة الدين العراقي، لا تؤدي الى تضارب مصالح مع مهماته كمحام ومستشار مالي دولي. وقال بوش في تصريح صحافي ان «بيكر رجل يتمتع باستقامة رفيعة المستوى. وهو رجل يختزن تجربة كبيرة. وان لمن الطبيعي في نظره ان يخدم بلادنا في مهمة كبيرة تقضي بتشجيع الدول على التخلي عن مستحقاتها حتى يتمكن العراقيون بسهولة من بناء بلد مزدهر ومسالم». واضاف «من الضروري ان نشعر بالسرور لان جيم بيكر قرر خدمة بلادنا. ويجب ان نكون سعداء بموافقته على التضحية بوقته المخصص لعمله.. وانا اشكره على ذلك».

وقد سئل الرئيس الاميركي حول افتتاحية نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» واعتبر كاتبها ان المهمات الخاصة لبيكر وخصوصا في اطار مكتبه للمحاماة «بيكربوتس» وشركة كارلايل غروب للاستثمار تتضارب مع مهمته التي اختير للقيام بها الاسبوع الماضي. واجاب بوش «لا اقرأ الافتتاحيات» ثم اضاف «لم يتح لي كثير من الوقت لقراءتها في الفترة الاخيرة». وكان جون تيلور وكيل وزارة الخزانة الاميركية للشؤون الدولية قد ذكر ان العراق بحاجة لشطب اكثر من نصف ديونه البالغة 120 مليار دولار. واعرب عن امله في ان تكون بعض الدول مستعدة لشطب جميع الديون المستحقة لها. واعرب تيلور عن اعتقاده بان الخلاف بشأن خطط واشنطن حرمان معارضي حرب العراق من المنافسة على عقود اعادة البناء التي تمولها الولايات المتحدة لن يعوق المحادثات بشأن ديون العراق. وقال تيلور «هناك حاجة لخفض كبير للدين. اكثر من نصف الديون. نريد ان يتفق الجميع على بذل قصارى الجهد. نأمل بالقطع ان يشطب البعض كامل الدين». وقال تيلور ان زيارة بيكر الى المانيا وفرنسا وروسيا وبريطانيا لمناقشة اعادة هيكلة الدين تهدف لشطب «اكبر قدر ممكن». واتفقت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى على ان تتوصل بنهاية 2004 لاتفاق بشأن كيفية اعادة هيكلة ديون العراق. ويستحق لدول المجموعة وروسيا معظم الديون المستحقة لدول نادي باريس. وقال تيلور ان الدول غير الاعضاء في نادي باريس التي قال صندوق النقد الدولي في اكتوبر (تشرين الاول) انها تدين العراق بنحو 62 مليار دولار يجب ان تلتزم بشروط اي اتفاق يتوصل اليه النادي. وسئل عما اذا كان عزم الولايات المتحدة خص الدول التي شاركت في حرب العراق بعقود اعادة بناء رئيسية خصصت الولايات المتحدة لها تمويلا حجمه 18.6 مليار دولار سيعرقل محادثات الدين فاجاب «لا اعتقد ذلك». ودافع تيلور عن القرار الخاص بالعقود وقال ان قائمة الدول المؤهلة للمنافسة على العقود اكبر من القوائم المعتادة للوكالة الاميركية للتنمية الدولية، مضيفا ان العراق يشتري سلعا من عدد كبير من الدول. وقال ان العراق على سبيل المثال منح في الاونة الاخيرة شركة المانية عقدا قيمته 300 مليون دولار لتوريد معدات طبية.

وقال تيلور ان الولايات المتحدة ستساهم في صندوق يؤسسه البنك الدولي لجمع اموال الدول المانحة للعراق لكنه لم يفصح عن حجم المساهمة. وقال «ربما نساهم الان او لاحقا. لا يمكن ان احدد حجم المساهمة لكننا سنساهم بكل تأكيد ببعض الاموال».