رئيس الوزراء الليبي: حرب العراق لم تكن السبب في صفقة لوكربي

TT

كان من السهل تجاهل التغييرات في البداية، فالحواجز العسكرية في الطريق السريع الخارج من المدينة اختفت، وسمح للمتدينين باطلاق اللحى، كما سمح ايضا لليبيين بحمل جواز سفر ثان بعد سنوات من تنقلهم بصعوبة عبر الحدود. هذه التغييرات، التي يرى البعض انها بسيطة، حدثت واحدة اثر الاخرى. الامر الاكثر اهمية هو ان الزعيم الليبي معمر القذافي توقف عن الهجوم على الولايات المتحدة والغرب، بل ظهر في التلفزيون المحلي يتحدث عن بداية «عهد جديد». كما ان مسؤولين ليبيين بدأوا في تذكير كل من يرغب في الاستماع بأن ليبيا كانت أول دولة تصدر مذكرة لاعتقال اسامة بن لادن. تجدر الاشارة الى ان القذافي عين في الربيع الماضي خبيرا نفطيا تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، للاضطلاع بمهمة اصلاح النظام. فقد اوكلت لرئيس الوزراء شكري محمد غانم مهمة تطبيق حملة تخصيص هائلة للاقتصاد الاشتراكي الليبي. ويعتقد دبلوماسي غربي في طرابلس ان ليبيا تحاول ان تصبح اكثر ديمقراطية. وقد رفعت العقوبات التي فرضتها منظمة الامم المتحدة على مدى سنوات على ليبيا، ويبدو ان ليبيا، التي ينتاب سكانها شعور مختلط بالامل والخوف، قد بدأت تفوق من سبات جماعي. ومن الناحية النظرية فان لليبيين الحق في الحصول على وظيفة وتعليم وعلاج مجانيين ومنزل. الا ان الأمر لم يكن كذلك، كما هو واضح. ويقول غانم معلقا ان ليبيا حاولت الاهتمام بكل فرد في المجتمع الا ان الامر انتهى بالناس الى الاصطفاف في طوابير طويلة في السوق السوداء. وانتظرت الحكومة الليبية حتى نهاية احد ايام سبتمبر (ايلول) الماضي لتدعو الصحافيين وبعض الشخصيات الى قاعة احد الفنادق الساحلية لتعلن لهم باقتضاب ما حدث بشأن قضية الطائرة الفرنسية التي انفجرت عام 1989. فقد دخل مسؤول الى القاعة المذكورة واعتلى المنصة متحدثا حول ما جرى في جمل مقتضبة قائلا: «الجمعية الخيرية التي يرأسها نجل القذافي (سيف الاسلام) توصلت الى اتفاق مع اسر ضحايا الطائرة الفرنسية التي انفجرت عام 1989 مما ادى الى مقتل 170 شخصا. شروط الاتفاق ستعلن في وقت لاحق. غير مسموح بالاسئلة لو سمحتم».

وبعد ساعات فقط صوت مجلس الامن لصالح رفع العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، الا ان فرنسا، التي كان لديها شعور حذر بالتفاؤل ازاء وعد ليبيا بدفع التعويضات، عدلت عن رأيها بالاعتراض على القرار وآثرت الامتناع عن التصويت. ولكن بمرور الايام والاسابيع بدأت التسوية تتعثر. فقد حذر الرئيس الفرنسي جاك شيراك ليبيا الاسبوع قبل الماضي من انها ستظل تعاني من العزلة «اذا لم تف بالالتزامات التي قطعتها على نفسها من جانب اعلى مستويات القيادة الليبية».

وكانت ليبيا قبلت خلال خريف هذا العام ولأول مرة، المسؤولية عن تفجير طائرة «بان اميركان» (الرحلة 103) فوق بلدة لوكربي الاسكوتلندية في ديسمبر (كانون الاول) عام 1988، وبناء على ذلك وعدت بدفع تعويضات قيمتها 2.7 مليار دولار اميركي لأسر الضحايا. ويقول دبلوماسي غربي في طرابلس ان «الدرس العراقي كان غاية في المرارة والوضوح ايضا». ويعتقد الدبلوماسي المذكور انه اذا كانت هناك لحظة محددة شهدت حرصا من جانب طرابلس على المضي قدما باتجاه التغيير، فهي اللحظة التي غزت فيها الولايات المتحدة العراق. ويقول المحلل الحكومي يوسف صواوي: انهم ادركوا المخاطر التي من الممكن ان تتعرض لها ليبيا، لذا كان لا بد من التفكير من جديد في كل شيء، على حد تعبيره. ويقول رئيس الوزراء غانم ان الولايات المتحدة تملك الوسائل والقوة ولا تتردد في استخدامها، ويعتقد ايضا ان بوسع الولايات المتحدة تغيير كل قواعد اللعبة في منطقة الشرق الاوسط، وأضاف متسائلا: «ماذا بوسعنا ان نفعل اذاً؟».

وينفي غانم ان تكون حرب العراق دافعا وراء قبول ليبيا التفاوض مع اسر ضحايا لوكربي. ويشير الى ان الهجوم الاميركي على العراق عزز فقط من التصميم الرسمي للعيش في سلام، على حد تعبيره.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»