ندوة «حوار الثقافات» المنعقدة بالمغرب: نجاح أي حوار مرهون بإقرار المصالح المشتركة واحترام الخصوصيات

TT

ركز المتدخلون في ندوة «حوار الثقافات» التي كان مقررا أن تختتم فعالياتها في الرباط أمس على ضرورة توفير الشروط الموضوعية لنجاعة الحوار بين الثقافات عبر تأسيسه على مصالح مشتركة وتدبير عقلاني للاختلافات بين الجماعات الانسانية.

وأقر رئيس الوزراء الفرنسي الاسبق ميشال روكار بأن الحوار الثقافي محفوف بالعديد من الصعوبات على اعتبار أنه يتطلب من الأطراف المشاركة فيه مساءلة نقدية لقناعاتها الذاتية في سبيل البحث عن أرضية للتوافقات والقواسم المشتركة، داعيا الى بناء «نظرية للحوار» تضبط مجاله وعناصره ومنهجيته. وشدد على ضرورة بناء التوافقات الكبرى وشبكة العلاقات بين الحضارات على أساس المصالح، مشيرا الى أن توفر هذا العنصر هو الذي أتاح امكانية تسريع مسلسل الاندماج الأوروبي.

وأثنى المسؤول الفرنسي السابق على روح التسامح التي تطبع الاسلام والتي جسدها المغرب من خلال الموقف التاريخي للملك محمد الخامس برفض الانصياع لضغوط حكومة فيشي الفرنسية التي كانت تطالب برفع الحماية عن أفراد الطائفة اليهودية المغربية.

وعالج المستشرق البريطاني برنار لويس المتخصص في شؤون الاسلام اشكالية العلاقة الصدامية بين العالمين المسيحي والاسلامي معتبرا أن التشابهات القائمة على مستوى أنظمة الاعتقاد والقواعد المرجعية المشتركة قد تكون نفسها وراء امكانيات الاصطدام حول امتلاك الحقيقة. وقارب لويس في عرضه «اللقاء بين الاسلام والعالم المسيحي» تاريخية الدراسات الاستشراقية التي نجم الاهتمام بها في أوروبا عن رغبة في معرفة هذا الجار (الاسلام)، حيث تطورت البحوث في هذا المجال في ظل الشعور بالتهديد الاسلامي المحتمل خصوصا من جانب الامبراطورية العثمانية ليخلص الى «موت الاستشراق» وادماج طروحاته في اطار عدد من فروع العلوم الاجتماعية مثل التاريخ وعلم الاجتماع.

من جانب آخر أكد الكاتب المصري رفعت سيد أحمد أن هذا الحوار مطلب ثقافي وشرعي مؤصل في الكتب السماوية وفي القرآن الكريم على وجه التحديد على الرغم من المثبطات والتحديات المطروحة على الأمة العربية الاسلامية التي «ابدلت فيها فكرة التعايش الحضاري بفكرة الغزو والاحتلال». وأشار الى أن الحوار يفرض ذاته ليس فقط بين الحضارات المختلفة بل أيضا على مستوى نفس المنظومة الحضارية التي يتعين فض الاشتباكات الحقيقية والمفتعلة داخلها كمقدمة للحوار مع الآخر.

وشدد على أن الحوار يقترن بشرط احترام الآخر بثقافته وخصوصياته ومصالحه ومقومات وجوده الأمر الذي يجعل اسرائيل والولايات المتحدة «خارج هذا المجال التحاوري من منطلق أنهما قوتان محتلتان» ليرى في مشروع الولايات المتحدة حول «دمقرطة الشرق الأوسط» فرضا لشكل مشوه للحوار.

ودعا الى ارساء الحوار المأمول على أساس أجندة سياسية واقتصادية وثقافية لاحداث التغييرات المطلوبة على أرض الواقع ومعالجة الاختلالات وانطلاقا من وجود مصالح مشتركة للأطراف تستبعد منطق الغلبة والقوة وكذا من دور فاعل لمنظمات المجتمع المدني.

من جانب آخر وجه الفيلسوف الفرنسي جورج لابيكا انتقادا شديدا لسياسة الهيمنة التي اتخذت بعدا أقوى بعد أحداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 والتي «حررت المصابين بالاسلاموفوبيا» ملاحظا أن (العدو) كان دائما «حاضرا في الذهنية الأميركية بدءا بالهنود الحمر ووصولا الى العرب والمسلمين». ورأى لابيكا في أطروحة «صدام الحضارات» التي صاغها صموئيل هنتنغتون خدمة لآيديولوجيا الهيمنة والتوسع نحو التحكم في الموارد الطاقية ومنع أي تنمية مستقلة خارج مدار الاقتصاد النيوليبرالي.

وتوقف في مداخلته حول «العولمة خطر على الثقافات» عند منهج الخلط بين الاسلام كدين ومنظومة حضارية وعدد من المفاهيم الملتبسة مثل «الاسلام السياسي» و«الارهاب» التي تسوقها وسائل الاعلام المغذية لسلوكيات التمييز العنصري والاقصاء.

ومن موقعه كعضو سابق في الكونغرس الأميركي لمدة 22 سنة ورئيس لجامعة نيويورك قارب جون براديماس سبل تقليص الهوة وتبديد سوء الفهم القائم بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي مركزا على دور التبادل التعليمي والثقافي. واعتبر براديماس في عرض حول «التربية والثقافة: قوى من أجل السلم في عالم مضطرب» أن النهوض بالتربية والتعليم وتجذير الممارسة الديمقراطية مدخلان حاسمان لتغيير الأوضاع بالمنطقة العربية، معربا عن أمله في توفير آليات أكثر فعالية أمام المواطنين الأميركيين من أجل معرفة أفضل بحقائق العالم الاسلامي.