صدام في قبضة الأميركيين بعد 8 أشهر من الملاحقات

الجنود أخرجوه بالمعاول من «حفرة العنكبوت» قرب تكريت.. وطارق عزيز ساعد في التعرف عليه.. وقوات كردية شاركت في اعتقاله

TT

بعد ملاحقة دامت اكثر من ثمانية اشهر منذ اطاحة نظامه في التاسع من ابريل (نيسان) الماضي سقط صدام حسين بأيدي القوات الاميركية في قبو منزل في مزرعة ببلدة الدور جنوب تكريت، معقله السابق. وعثر على الرئيس المخلوع مساء اول من امس متنكرا في لحية مستعارة في حفرة بالقبو استخدم الجنود الاميركيون معاول لاخراجه منها.

وقال الحاكم الاميركي في العراق بول بريمر في مؤتمر صحافي في بغداد امس «ايها السادة لقد اوقعنا به»، في اشارة الى صدام. واضاف «الطاغية رهن الاعتقال» مما اثار موجة من البهجة والتصفيق بين المشاركين. وعرض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق امس خلال مؤتمر صحافي في بغداد شريط فيديو يظهر الرئيس العراقي صدام حسين بعد اعتقاله. وبدا الرئيس السابق هادئا وقال قائد القوات البرية الاميركية الليفتنانت جنرال ريكاردو سانشيز انه «يتكلم ويتعاون». وفتح الرئيس المخلوع فمه لشخص كان يجري عليه فحصا طبيا. وبدا شعره اسود ولحيته المستعارة التي ازيلت بعد ان التقط الجنود الاميركيون صورة له بها واخرى بعد ازالتها.

وعلق سانشيز قائد القوات الاميركية في العراق على شريط الفيديو مقدما تفاصيل عن اعتقال صدام. ثم عرضت صورة لصدام حسين حليقا على الصحافيين الذين صفقوا وهللوا لاعتقال الرئيس العراقي المطاح به. واوضح سانشيز انه اعتقل من دون مقاومة عند الساعة الثامنة مساء بمشاركة قوة من 600 عنصر من رجل في فرقة المشاة الرابعة. واقتيد الرئيس المخلوع الى مكان غير محدد وهو تحت حماية مشددة جدا. وقال سانشيز ان المخبأ كان بعمق سبعة أقدام وعرضه «كاف لكي يتمدد شخص واحد فيه». واضاف ان اعتقاله تم من «دون ان تطلق رصاصة واحدة»، مضيفا «لم يصب احد بجروح». وتابع يقول ان «المعتقل صدام حسين كان يتحدث بسهولة ومتعاونا»، مضيفا «ان الفحص الطبي اظهر انه غير مصاب وانه في صحة جيدة». وقال مسؤولون في الادارة الاميركية ان معلومات وصلت الى القوات حوالي الساعة الحادية عشرة من صباح اول من امس عن مكان وجود صدام. وبعد فحص وتدقيق وتحليل سريع للمعلومات الاستخبارية انطلقت القوات الاميركية نحو الساعة السادسة مساء لاعتقال صدام لتنتهي العملية الساعة الثامنة مساء باعتقاله. وقال المسؤولون الاميركيون ان عملية البحث اوشكت على النهاية دون نتيجة في العثور عليه الى ان اكتشف الجنود ما أطلقوا عليه اسم «حفرة العنكبوت» وهي بعمق 7 أقدام على بعد أمتار من المنزل المستهدف. واستخدم الجنود المعاول للكشف عن الحفرة ليجدوا صدام فيها ومعه شخصان لم يكشف عن هويتهما. واعلن عدنان الباجه جي العضو في مجلس الحكم الانتقالي ان صدام كان ما زال «غير نادم ومتمردا» حين التقاه مع اعضاء آخرين من مجلس الحكم الانتقالي العراقي في تكريت امس. وقال الباجه جي في مؤتمر صحافي في بغداد «وجدناه متعبا ومرهقا غير انه كان غير نادم بل متمردا». واضاف «قال لنا انه كان قائدا عادلا وحازما». وتابع «كان جوابنا انه قائد ظالم ومسؤول عن قتل الاف العراقيين»، مضيفا ان صدام «لم يبد اي ندم». كذلك قال موفق الربيعي العضو ايضا في المجلس خلال المؤتمر الصحافي نفسه «لم نلمس في اي وقت لديه ندما على الجرائم التي ارتكبها». واضاف «بل ابدى ازدراء حين تحدث عن المقابر الجماعية وعن مقتل محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر»، الشخصيتين الشيعيتين البارزتين. وقال المسؤول العراقي عادل عبد المهدي انه «حين سئل عن المجازر، قال انهم لصوص». وافاد الربيعي ان صدام حسين «لم يبد اي آسف لاجتياح الكويت او للحرب مع ايران، او حتى لمجزرة حلبجة (في حق الاكراد)، بل حاول تبريرها». وأفاد الباجه جي انهم اجتمعوا مع صدام لمدة 30 دقيقة. وقال مسؤول في الادارة التي تقودها الولايات المتحدة ان طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي السابق ساعد في تأكيد هوية صدام. وقال المسؤول الذي اشترط عدم ذكر اسمه «لقد تم التعرف عليه بمساعدة طارق عزيز». ولم يحدد المسؤول ما يعنيه. وكان عزيز، وهو احد مساعدى صدام المقربين، قد ساعد ايضا القوات الاميركية في التأكد من هوية نجلي صدام عدي وقصي بعد مقتلهما على ايدي جنود اميركيين في 22 يوليو (تموز). وحسب مسؤول رفيع المستوى في الاتحاد الوطني الكردستاني طلب عدم كشف هويته ان القوات التي اعتقلت صدام «هي مجموعة من القوات الخاصة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني وقوات خاصة اميركية». واضاف «انها القوة ذاتها التي اعتقلت طه ياسين رمضان في الموصل» على بعد 360 كلم شمال بغداد في اشارة الى نائب الرئيس العراقي السابق الذي اعتقل في منتصف اغسطس (آب) من قبل عناصر كردية سلمته الى القوات الاميركية. وحسب مسؤول اميركي تحدث لـ«الشرق الأوسط» في واشنطن فان المعلومات التي دلت على مخبأ صدام اتت بالدرجة الاولى من «الحلفاء الاكراد». الى ذلك ، صرح مسؤولون في وزارة الدفاع الاميركية بأن فريقا للعمليات السرية الخاصة شارك القوات الاميركية النظامية في القبض على صدام.

وصرح متحدث بارز في الوزارة طلب عدم الكشف عن اسمه بأن «هذه الوحدة العسكرية عكفت على العمل على هذا الهدف العسكري المحدد لفترة طويلة». ولم يدل المسؤول بأي تفاصيل اخرى عن هذه الوحدة. مؤكدا انه حتى اسم هذه الوحدة سري. وقال مسؤولون عسكريون في وقت سابق ان وحدة عمليات خاصة تسمى «قوة المهمات 20» كلفت بتعقب صدام حسين وغيره من القادة البارزين في النظام العراقي السابق في اعقاب الغزو الاميركي للعراق في مارس (اذار) الماضي.

الا ان مسؤول الدفاع قال ان قوة «المهمات 20» لم يعد لها وجود وان وحدة سرية اخرى هي التي شاركت في القبض على صدام. واضاف ان الكتيبة القتالية الاولى من فرقة المشاة الرابعة توجهت الى موقع القبض على صدام لاغلاق المنطقة خلال ساعة ونصف ساعة من تلقي القادة معلومات استخباراتية حول مكان وجود صدام. ولم تتضح بعد طبيعة المعلومات الاستخباراتية التي تلقتها القوات الاميركية. الا ان المعلومات التي تمخضت عن التحقيقات التي اجريت مع عراقيين القي القبض عليهم في عمليات مداهمة اخيرة في المنطقة قادت الى القبض على صدام، طبقا لما افاد به مسؤول بارز اخر في وزارة الدفاع.

الى ذلك روى المفتش العام في وزارة الداخلية العراقية اللواء نور البدران التفاصيل الكاملة لاعتقال صدام وقال لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي معه ان الاجهزة الامنية العراقية وبالتنسيق مع قوات التحالف حصلت على معلومات استخبارية خلال الاشهر الماضية تحصر تحركات صدام حسين بين تكريت والسامراء واحيانا بعقوبة. وبين ان معلومات وردت قوات التحالف والشرطة العراقية والقوات الكردية تفيد بأن صدام موجود في مخبأ في منطقة تكريت، مشيرا الى انها نسقت فيما بينها ووضعت الخطة الكاملة لليقاع به هذه المرة.

وبالفعل يقول البدران ان قوة كبيرة مؤلفة من 600 جندي مدعومين بكافة الآليات تسندها طائرات هليكوبتر ومدفعية وعجلات مدرعة توجهت الى قرية نائية في بلدة الدور قرب تكريت نحو مخبأين محتملين. وتابع قوله: ولما لم تجد القوة صدام بالمخبأ الاول توجهت الى القرية المذكورة في الدور ولاحظت ان في هذه المنطقة بيتاً من الطين والصفيح يتصدر باب قديم يؤدي الى قبو تحت الارض بعمق مترين لا يتسع الا لشخص واحد وجدوا فيه صدام. واوضح ان القوة المداهمة اعتقلت ايضا مرافقيه الذين كانوا يحيطون بالمخبأ السري. وبسؤاله عما اذا وجد بحوزة صدام اموال او اسلحة اجاب قائلا لا لا لقد وجدوا معه مبالغ مالية تقدر بملايين الدولارات وبعض الاسلحة الخفيفة وكلاشنيكوف وقاذفة صواريخ. وكشف المسؤول العراقي ان القوة المنفذة لعملية الاعتقال وجدت سيارة اجرة وطائرة هليكوبتر كان سيستخدمها للهرب في حال شعر بقرب اعتقاله. وزاد في هذا المقام ان صدام كان يستعمل سيارات الركوب الصغيرة وسيارات الاجرة والدواب في التنقل بين المخابئ التى كان يلجأ اليها. وفيما اذا حصلت مقاومة من قبل صدام ومرافقيه قبل الاعتقال قال اللواء البدران انه سلم نفسه بكل هدوء، مؤكدا انه لم تطلق رصاصة واحدة اثناء عملية الاعتقال، مشيراً الى ان صدام نقل الى جهة آمنة في تكريت. وبين ان صدام كان واضحاً عليه الارهاق اثناء اعتقاله، موضحا أن شعر رأسه ولحيته كان طويلا فهو لم يحلقه منذ فترة طويلة لغاية الاختفاء عن اعين المكلفين بتعقبه لالقاء القبض عليه.