مفتي عام السعودية: الإسلام يحذر من التطرف والغلو حتى ولو كان بلباس الدين

TT

أكد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس مجلس المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي، أن الغلو أو ما قد يصطلح عليه بالتطرف خطير جداً في أي مجال من المجالات حتى ولو كان لباسه دينيا، مشيرا الى أن ديننا الاسلام قد حذر منه حتى ولو كان بلباس الدين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إياكم والغلو» ويقول صلى الله عليه وسلم «هلك المتنطعون». جاء ذلك في بحث قدمه الشيخ عبد العزيز آل الشيخ في الجلسة الثانية من جلسات الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي الاسلامي أمس (الاحد) في مكة المكرمة.

وقال إن الغلو أو التطرف، تارة يكون في الدين وهذا منهي عنه، وتارة يكون في محاربة الدين وهذا تطرف مقابل، ومعلوم أن هذين طرفا نقيض، والعلاقة بينهما أن كلاً منهما يغذي صاحبه، فالغلو في محاربة الدين ينتج غلواً في الدين وتنطعا فيه وكذا العكس. ودين الله وسط بين المغالي فيه والجافي عنه. وأمة الاسلام وسط بين الأمم، والغلاة ليسوا متمسكين بالدين على الحقيقة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمثال هؤلاء «فمن رغب عن سنتي فليس مني».

وأشار مفتي عام السعودية إلى أن من يقوم بالتفجيرات والتهديدات الارهابية لا يقوم بها الا بعد اعداد ذهني وفكري، وقد يكون الخلل من هذا الاعداد، فإما أن يكون هو في نفسه جاهلاً فيتصور الأمور على خلاف الواقع، أو يكون صاحب هوى غلب عليه هواه حتى نسي الحق أو تناساه وصار يبحث عما يبرر له أعماله الإجرامية.

وقد يأتي التصور الخاطئ عن طريق التضليل فتصل الى يديه معلومات مضللة يعمل بناء عليها فيقع فيما لا تحمد عقباه.

كما قدم الدكتور وهبة الزحيلي الاستاذ في كلية الشريعة بجامعة دمشق بحثاً عن «التفجيرات والتهديدات التي تواجه الآمنين» حيث قال فيه: إن الاسلام حرم كل انواع الفساد والأذى والضرر الواقع على المواطنين بأشخاصهم وعائلاتهم وممتلكاتهم، وعلى مرافق الدولة من جسور ومبان ومصانع ومعامل ووزارات ومؤسسات ومرافق حيوية من مرافئ وموانئ ومكتبات وحدائق واختطاف طائرات وقصف منشآت، ونشر الرعب أو الذعر في الاحياء الآمنة والمحلات التجارية والشوارع وغيرها. وأضاف الدكتور الزحيلي ان الذين يجنحون إلى ما يسمى بالارهاب أو الأعمال التخريبية والقاء المتفجرات قوم ذوو فكر محدود، وبعيد عن سماحة الاسلام بمعطياته الشاملة، فهم فئة متشددة في الدين وتصوره لاعتقادهم بأن لاسلام يجب فرضه في الواقع وهذا خطأ كبير، فإن الله لم يكلفنا بذلك، وانما نهى عن الاكراه «لا إكراه في الدين» ونهانا عن فرض العقيدة الاسلامية بالقوة «ولوشاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين».

وفي ذات السياق، قدم كل من الدكتور حسين حامد حسان والدكتور مطيع الله دخيل الله اللهيبي بحثين تطرق كل منهما في بحثه الى تعريف الارهاب وأسبابه وآثاره وحكمها الشرعي ووسائل الوقاية منه.

ومن ثم ناقش العلماء والفقهاء أعضاء المجمع والخبراء والباحثون الموضوع مناقشة مستفيضة، حيث أجمعوا على ضرورة التفريق بين الارهاب والمقاومة المشروعة.

و تحدث في الجلسة الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي، مؤكدا ضرورة الاهتمام والعناية بموضوع الارهاب، والبحث عن سبل معالجته. وقال ان الابحاث فيها الكثير من الاسباب، ولكن من الضروري أيضا البحث في ما ينبغي أن نعمله في هذا المجمع تجاه هذا الموضوع الخطير. وأضاف انه في تصوري أن الموضوع يحتاج إلى برنامج وخطة محددة لمعالجة هذه القضية، إذ أنه لا يكفي أن نصدر بياناً باسم المجمع لإدانة الارهاب بل ينبغي أن تكون لدينا خطة معينة وبرنامج لينفذ حسب الامكانات على مستوى الامة الاسلامية.

وأشار الدكتور التركي الى انه حينما بدأت حوادث الارهاب تأخذ الوجهة الاسلامية، من هنا منشأ الخطورة لان هذا يحدث الخلاف والفتنة.

ودعا العلماء والفقهاء اعضاء المجمع الى صياغة مشروع قرار حول هذا الموضوع يلبي احتياجات الامة للحكم الشرعي تجاه هذا الامر، بالاضافة الى تحديد آلية للرابطة لتنفيذ هذا القرار. فنحن في الرابطة نريد الخروج بمشروع قرار محدد مع آلية محددة لمعالجة قضية الارهاب.

وتحدث في هذه الجلسة الدكتور يوسف القرضاوي قائلا: ان الارهاب يعني ان يستحل الانسان دما معصوما من غير حجة، فلا يجوز مثلا خطف الطائرات وترويع الآمنين، لان ركاب الطائرة ليس بينهم وبين المختطفين اي عداوة، فلذلك مهما كانت القضية عادلة فلا ينبغي ان تختطف طائرة من اجل اي قضية مهما كانت عدالتها، ويجب ألا يتخذ المختطفون ذريعة لاختطاف ابرياء من اجل مكاسب سياسية او مالية. وكذلك لا يجوز قتل السياح كما حدث في الاقصر بمصر قبل بضع سنوات.

واضاف الدكتور القرضاوي: اننا كمسلمين لا نقر احداث 11 سبتمبر، قد أدناها في وقتها، ولكن في الوقت نفسه لا نرى حرجا في العمليات «الاستشهادية» التي تستهدف الاسرائيليين، لانها تمثل المقاومة المشروعة للاحتلال. ودعا الى ضرورة ايجاد تعريف محدد للارهاب حتى لا يترك الامر للاميركيين حتى لا يتسع مفهومهم للارهاب لادخال من يريدون وصفهم بالارهابيين.

وأكد اهمية الحوار الفكري مع أتباع الفكر المنحرف من اجل تصحيح افكارهم الشاذة، مشيرا الى ان الحوارات التي جرت مع التكفيريين ادت الى مراجعات وأوبة بعضهم الى الحق. وينبغي ان يكون هذا الحوار حوارا جادا، فهم في الاول سيرفضون ذلك، ولكن بعد فترة من الزمن سيقبلون الحوار، ومن خلال الحوار يمكن تصحيح هذا الفكر المنحرف، وعسى ان يرجع هؤلاء عن غلوهم.