مسؤولون أميركيون ومن الأمم المتحدة يشكون من استمرار تدفق الأموال على تنظيم «القاعدة»

TT

لا تفرض الحكومات في مختلف أنحاء العالم عقوبات شاملة تستهدف ايقاف تدفق الأموال الى «القاعدة» واعتراض سبيل النشاط التجاري لممولي المنظمة، لتوفر للشبكة الارهابية الاحتفاظ بمواردها المالية الهائلة، وفقا لمحققين من الولايات المتحدة وأوروبا والأمم المتحدة.

وقد حددت الأمم المتحدة عددا من رجال الأعمال باعتبارهم ممولين للارهابيين الذين يفترض أن تكون أصولهم قد جمدت قبل ما يزيد على عامين، وهم يواصلون ادارة امبراطوريات تجارية كبرى والسفر بحرية لأن معظم الدول غير عارفة بالعقوبات بينما لا تطبقها دول أخرى حسب ما قاله المحققون. وأضافوا «ان عددا من المؤسسات الخيرية التي تتخذ من السعودية وباكستان مقرا لها تواصل العمل بحرية أيضا».

وقال محققون وخبراء في الارهاب انه نتيجة لذلك فان «القاعدة» تستمر في تلقي أموال وفيرة ليس فقط لتنفيذ خططها الخاصة وانما أيضا لتمويل الجماعات الارهابية التابعة والحصول على أسلحة جديدة.

وحذر تقرير نشرته هيئة خبراء تابعة للأمم المتحدة الشهر الحالي من ان التدفق مستمر للأموال الى المنظمات الارهابية وأن القاعدة «قد اتخذت قرار استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في هجماتها اللاحقة. والصعوبة الوحيدة التي يواجهونها تتمثل في التعقيد التقني الذي يحول دون تشغيلها على نحو ملائم وفعال»، وليس الافتقار الى وسائل الحصول عليها.

وقال أحد كبار المسؤولين الأميركيين ممن يراقبون تمويل الارهابيين «نحن بحاجة ماسة الى تنشيط جهودنا لايقاف تمويل الارهابيين ذلك أنه ما لم نوقف التمويل فاننا لن نشل قابلية القاعدة على مهاجمتنا. لقد بدأنا على نحو جيد وجنينا بعض الثمار ولكن ما أن بدأنا عصر الفاكهة انتقلوا ببساطة الى طرق مختلفة». وأشار تقرير آخر نشره مكتب المحاسبة العامة، وهو جهاز تحقيق في الكونغرس، الأسبوع الماضي الى أن هيئات تنفيذ القوانين في الولايات المتحدة لا تملك فكرة واضحة حتى الآن حول الكيفية التي نقل بها الارهابيون أموالهم وأن مكتب المباحث الفيدرالي، الذي يعتبر الوكالة الرئيسية في ملاحقة الأصول الارهابية «لا يجمع أو يحلل، على نحو منتظم» مثل تلك المعلومات حتى الآن. وأضاف التقرير أن وزارتي العدل والخزانة قد أخفقتا قبل ما يزيد على عام في اعداد خطط لمهاجمة آليات تمويل الارهابيين مثل استخدام الماس والذهب لاخفاء الأصول.

وبموجب سياسة العقوبات التي تبنتها الأمم المتحدة مباشرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 فان الأفراد الذين حددوا من جانب الهيئة الدولية كارهابيين أو داعمين للارهاب تجمد أصولهم المالية ويحظر عليهم السفر الدولي.

وكانت المنظمة الدولية قد أعلنت عن 272 شخصا باعتبارهم رعاة للارهاب.

ولكن مسؤولين في الأمم المتحدة والولايات المتحدة قالوا انهم لا يعرفون مكان وجود كثيرين من هؤلاء، وان 83 دولة فقط من أصل 191 امتثلت للمطالب التي تضمنتها تقارير الأمم المتحدة حول مكافحة تمويل الارهابيين وتنفيذ حظر السفر. ولم يعط سوى الثلث من تلك الدول قائمة الأمم المتحدة الى حرس حدودهم.

وقال المحققون ان بعض الدول النامية تفتقر الى الموارد التي تجعلها تطبق العقوبات بينما لا تعرف دول أخرى غنية عن العقوبات أو انها تواجه عوائق الاجراءات البيروقراطية القاصرة.

واشار مسؤولون أميركيون الى ان حوالي 138 مليون دولار من أصول الارهابيين قد جمدت منذ الهجمات وان بعض الخطوات قد اتخذت لمنع المؤسسات الخيرية وآليات تمويل الارهابيين المعروفة الأخرى. وأشار المسؤولون الى اغلاق ثلاث مؤسسات خيرية اسلامية كبيرة في الولايات المتحدة واستمرار التحقيق في مجموعة من المؤسسات والمنظمات الخيرية في نورث فرجينيا. وجرى الاعلان عن أسماء الكثير من رعاة الارهاب المزعومين في الولايات المتحدة وخارجها.

ولكن المسؤولين اعترفوا بأن القاعدة، التي لجأت الى اللامركزية في الوقت الحالي، تحتاج الى أموال اقل من أجل العمل مما كانت تحتاجه عندما كان بن لادن يدعم معسكرات التدريب وحكومة طالبان في أفغانستان.

وقال تقرير الأمم المتحدة ان 75 مليون دولار من مبلغ الـ 138 مليون دولار كأصول مجمدة وفقا لاعلان الأمم المتحدة تعود الى القاعدة أو طالبان. وقد أعيدت أموال طالبان، التي تشكل جزءا غير قليل من المبلغ، الى الحكومة الأفغانية.

وقال مسؤولون اميركيون ومن الأمم المتحدة، وهم يشيرون الى عدم فاعلية نظام العقوبات، ان هناك الامبراطوريات المشتركة ليوسف ندا وادريس نصر الدين تمتد عبر أوروبا وأفريقيا وتبلغ قيمتها ملايين الدولارات وقد اعلن اسم ندا، المصري الذي يعيش في سويسرا، كممول للارهاب من جانب الأمم المتحدة يوم التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 واتهم علنا من جانب مسؤولين في الولايات المتحدة والأمم المتحدة بتقديم مساعدة مباشرة الى «القاعدة». كما اعلن اسم نصر الدين، المواطن الإريتري الذي يعيش في ايطاليا، كداعم للارهاب يوم الرابع والعشرين من ابريل (نيسان) 2002. وفي ذلك الوقت يفترض ان أصول ما يزيد على 12 من مشاريعهما المشتركة قد جمدت وفرض حظر سفر عليهما.

وقد أنكر كلا الرجلين بشدة أي صلة لهما بنشاطات ارهابية.

ولكن مسؤولين أميركيين وتقرير الأمم المتحدة يقولون ان الكثير من مشاريع الرجلين، وبينها فندق فاخر في ميلانو، مستمرة في العمل وان الرجلين ينتهكان حظر السفر من دون توجيه عقوبة لهما.

ووجدت الهيئة التابعة للأمم المتحدة أنه في الثامن والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي سافر ندا من بيته في كامبيون دي تاليا في سويسرا الى فادوز في ليشتنشتاين لتغيير أسماء اثنتين من الشركات التي كانت هدفا لتجميد أصولها.

وعلى الرغم من حالته سافر باسمه بل وقدم طلبا للحصول على جواز سفر جديد وحصل على ذلك بعد فترة قصيرة من مغادرته.

وفي ليشتنشتاين سعى ندا الى تصفية كلتا الشركتين المعاد تسميتهما وتسمية نفسه باعتباره القائم بعمل التصفية، وهي خطوة كان لها أن توفر له أن يضع العائدات في جيبه. وعندما اكتشف مسؤولو الأمم المتحدة الخطوة واحتجوا على ذلك أوقفت عملية التصفية.

ولم يجب محامو الرجلين على المكالمات الهاتفية التي كانت تسعى الى تعليق حول الموضوع.

وقال فكتور كومراس المسؤول السابق في وزارة الخارجية الاميركية الذي ساعد في صياغة تقرير الأمم المتحدة، انه في أعقاب الهجمات الارهابية مباشرة جمدت الولايات المتحدة ودول أخرى بعض أصول الارهابيين ولكن النجاح كان مقتصرا الى حد كبير على ايقاف الأموال في النظام المصرفي.

وقال كومراس انه ما أن أدركت القاعدة نقاط ضعف نظام العقوبات «سرعان ما نقلت الأموال وابعدتها عن احتمال حدوث أضرار» باخراجها من البنوك ووضعها في صيغة سلع مثل الماس والذهب أو في شركات واجهية.

وقال كومراس «ان لدى القاعدة أصولا وما تزال موجودة. ولديهم عدد من الطرق المختلفة لمعالجة المشكلة، وهم يستخدمون كل هذه الطرق».

وقال مسؤولون من الولايات المتحدة والأمم المتحدة ان الافتقار الى تنفيذ القوانين واضح وعبروا عن الفزع من أنه بعد 27 شهرا من وقوع الهجمات الارهابية لم تفعل الكثير من الدول الشيء الكثير من أجل اقامة اطار قانوني يجعل العقوبات فعالة. وما تفتقر اليه أوروبا أكثر من غيره هو القوانين التي تسمح باغلاق الشركات والمشاريع التجارية والملكيات، وليس فقط الحسابات المصرفية، اذا ما توفر دليل يربطها بالارهاب.

وقال مسؤولون ان القضايا القانونية، وبينها كيفية مصادرة الملكيات عندما يكون أحد المالكين مصنفا كراع للارهاب بينما الآخرون لا صلة لهم بذلك، تطرح عقبة أخرى.

وقال خوان زاراتي مساعد وكيل وزارة الخزانة الاميركية لشؤون تمويل الارهاب «ان المسألة هي كيفية ملاحقة العقارات وليس الحسابات المصرفية فقط. ان هؤلاء رجال لديهم موارد، رجال أموالهم طائلة ويعرفون كيفية اعادة صياغة مشاريعهم التجارية ونقل الأموال». وقال المسؤولون في الولايات المتحدة والأمم المتحدة ان بعض الاخفاقات في تنفيذ العقوبات بصورة فعالة ناجمة جزئيا عن الجهل بنظام العقوبات بينما تعتبر اخفاقات أخرى نتيجة لعراقيل بيروقراطية.

وقال مسؤول في الأمم المتحدة «ان لدى الاتحاد الأوروبي ضوابط قوية تغطي قضايا المال والسفر بالتوافق مع الأمم المتحدة. وعلى المرء أن يدرك الكيفية التي يمكن بها لهذه الحكومات أن تبرر عدم التزامها بضوابط الاتحاد الأوروبي».

وفضلا عن ذلك فان الهيئة التي شكلها الاتحاد الأوروبي لمراقبة الالتزام بضوابط الأمم المتحدة لديها شخصان فقط يعملان في مكتب تنفيذ القوانين وليست لديها صلاحيات فعلية.

وقال مسؤولون من الولايات المتحدة والأمم المتحدة أيضا ان هناك مشكلة أخرى تتمثل في النشاط المستمر للمؤسسات الخيرية التي يفترض أنها تكون مغلقة.

واشاروا الى ان عددا من فروع مؤسسة الحرمين الخيرية، تبقى نشطة حسب قول هؤلاء المسؤولين.

وقال تقرير الأمم المتحدة «ان الحرمين ما تزال نشطة في عدد من الدول وقد افتتحت، أخيرا، مدرسة اسلامية جديدة في العاصمة الإندونيسية جاكارتا». ونفى مسؤولو مؤسسة الحرمين أي صلات لنشاطاتهم بالارهاب.

وعلى نحو مماثل كما أشار تقرير الأمم المتحدة فان مؤسسة الراشد ترست، وهي مؤسسة خيرية باكستانية «تواصل عملها في باكستان تحت أسماء وشركات مختلفة. وتستمر على فعاليتها في تمويل النشاطات المرتبطة بالقاعدة وكذلك مشاريع اجتماعية وانسانية أخرى».

وعبر المحققون أيضا عن قلقهم من النشاطات المزعومة لوائل جليدان، رجل الأعمال الذي حددته الأمم المتحدة يوم السادس من سبتمبر (أيلول) 2002 كأحد الممولين للارهاب.

وكان وائل جليدان اعرب عن انزعاجه في سبتمبر (ايلول) الماضي من قرار الخزانة الاميركية لضمه الى قائمة ممولي الارهاب ونفى هذه الاتهامات.

وكان جليدان حتى العام الماضي الرئيس السعودي لمؤسسة الرابطة ترست، وهي مؤسسة خيرية باكستانية كشفت الأمم المتحدة أيضا أنها مولت نشاطات القاعدة. وقال مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة ان جليدان يواصل عمله في المؤسسات الخيرية والتعامل بكميات كبيرة من الأموال.

ودحض مسؤول سعودي كبير تقارير الولايات المتحدة والأمم المتحدة حول النشاطات المستمرة لمؤسسة الحرمين وجليدان.

وقال المسؤول «ان جليدان لا يعمل. وان أصوله مجمدة. ولا يمكن لمؤسسة الحرمين ان تنفق أي فلس خارج المملكة العربية السعودية. نحن نفعل ما نستطيع».

وأضاف «اذا كانوا يعتقدون أن مؤسسة الحرمين تقوم بعمل في إندونيسيا فانه يعود الى حكومة إندونيسيا أن تتخذ اجراء وليس السعودية».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»