هل تدفع شيرين عبادي حياتها ثمن «نوبل للسلام»؟

أصبحت المحامية الإيرانية الآن صوت السلطة الأخلاقية في بلاد تبحث عن وسيلة للخروج من أزمتها الثورية

TT

ذكرت انها لن تقع تحت تأثير المديح من الغرب او التهديدات القادمة من الشرق. كما انها تمكنت من مقاومة الضغوط من جماعات تريد منها «كبح جماح» شخصيتها الاسلامية. وربما كان الاهم من ذلك انها قررت الظهور في اهم لحظة في حياتها بدون «الحجاب» الذي فرضه الملالي على النساء الايرانيات منذ عام 1982. اليكم شيرين عبادي، محامية حقوق الانسان الايرانية وحائزة جائزة نوبل للسلام لهذا العام. انها تعلم ان اضواء الشهرة، التي تركزت عليها قبل ايام عندما تلقت اهم الجوائز الدولية على الاطلاق في العاصمة النرويجية، اوسلو لن تبقى طويلا. ولذلك استخدمت تلك اللحظة القصيرة لتتحدث في خطاب قبولها الجائزة عن ثلاثة اشياء.

اولا: ابلغت العالم ان الاسلام كدين لا يتعارض مع حقوق الانسان. اما الاسلام كآيديولوجية سياسية فيتعارض معها بالتأكيد.

ثانيا: انه بوسع كل دولة، في وقت او آخر، ان تنتهك حقوق الانسان. وليست جمهورية ايران الاسلامية هي الوحيدة التي تدوس بأقدامها على حقوق الانسان. فالولايات المتحدة تنتهك حقوق الانسان باحتجاز مئات من السجناء في خليج غوانتانامو بكوبا من دون محاكمة.

ثالثا: انها لا ترغب في ادخالها في صراع القوى الشرس والمتسخ الذي يشكل عصب الحياة السياسية الايرانية في الوقت الراهن وأنها ستخصص حياتها لحقوق الانسان في بلادها.

* بين معسكرين متضادين

* من المؤكد ان اداء عبادي في اوسلو سيدعم وضعها في ايران. لكنه في الوقت نفسه سيرفع التوقعات الشعبية المتعلقة بها. وباعتبارها واحدة من بين مجموعة قليلة من الايرانيين والايرانيات المعروفين عالميا، فقد اصبحت الآن صوت السلطة الاخلاقية في دولة تبحث عن وسيلة للخروج من ازمتها الثورية. وتعتبر عبادي، بصفة خاصة، ملهمة للشباب المتعلم خاصة الشابات. فأكثر من 60 في المائة من المقبولين في الجامعات العام الحالي من النساء اللائي يسعين الي مساواة حقوقهن مع الرجال. الا ان رد الفعل الهائل الذي اثاره نجاح حائزة نوبل تماثله ادانة مريرة من انصار المؤسسة الثورية. ومن بين الادلة على غضب هؤلاء اجبارهم المسؤولين الايرانيين على الغاء احتفال لتكريمها، كان من المقرر عقده في معهد فني بطهران. وفي اوائل الشهر الحالي هاجمت مجموعة من النساء اجتماعا في جامعة الزهراء في طهران، حيث كان من المقرر ان تتحدث، مما ادى الى اصابة عدد من الطالبات.

* تهديد بالقتل

* وهذه هي البداية فقط. فقد اصدرت صحيفة «رسالات» تهديدا مبطنا بوجوب قتلها. وقارن واحد من اعضاء المجلس الاسلامي عبادي بسلمان رشدي المؤلف البريطاني صاحب كتاب «آيات شيطانية»، الذي اصدر الامام الراحل الخميني فتوى بقتله عام 1988 . كما اصدر مجموعة من رجال الدين في قم بيانا قالوا فيه ان الهدف من جائزة عبادي هو «السخرية من الاسلام».

وفي صحيفة «جمهوري اسلامي» اليومية التي يمتلكها «المرشد الاعلى» علي خامنئي جاء ما يلي: «ظلت مؤسسة نوبل تسعى لتحقيق مكاسب سياسية. وقد قدمت الجائزة الى شخص ظل يصور تعاليم الاسلام المنيرة على عكس ذلك وظل يتحدى مبادئ الدين الاساسية». عبادي امرأة شجاعة. تقول في احدى المقابلات التي جرت معها: «الخوف هو غريزة بشرية معروفة لدينا جميعا. لكننا نتعلم جميعا في آخر المطاف كيف لا نستسلم له». وقبل ثورة 1979 كانت عبادي واحدة من اوليات القضاة النساء في ايران. لكن الجمهورية الاسلامية اعتبرت النساء عموما «جد عاطفيات» وبالتالي لا يصلحن لعمل من هذا النوع مما ادى الى انزال موقعها الوظيفي الى مساعدة قاض. ومنذ ذلك الحين بدأت حملتها من اجل حقوق الانسان.

* هل تجتذبها السياسة؟

* وخلال السنين الخمس والعشرين الاخيرة استمرت عبادي في عملها بحرفية عالية بينما ظلت ترفض الوقوع في شباك الانقسامات السياسية داخل ايران. وظلت مصرة على ان يكون عملها كمحامية تدافع عن حقوق الانسان ضمن اطار القوانين الموجودة حاليا في البلاد.

وهي تقول ان ايران «وقعت على معاهدات دولية كبرى تتعلق بحقوق الانسان ولذلك فهي ملزمة بتغيير القوانين المحلية التي تتعارض مع القوانين الدولية في ذلك المضمار. الحكومات هي التي تقوم دائما بخرق حقوق الانسان وانا سأستمر في النضال حتى تبدأ باحترامها. كل ما اطلبه هو ان تحترم حكوماتنا قوانينها والتزاماتها». والسؤال الذي يطرحه الكثيرون في ايران هو ما ان كانت عبادي ستظل خارج عالم السياسة لفترة طويلة. فإيران تسير باتجاه مواجهة حاسمة في الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في 20 فبراير (شباط) 2004 . والمعركة الانتخابية حكر على اولئك المنتمين الى «المؤسسة». ومع ذلك فإن النتائج المترتبة عنها ستكون ذات مغزى كبير. فالملالي، الذين يعارضون مزيدا من الانعطاف نحو ليبرالية المجتمع، يواجهون كل اولئك الذين يناضلون من اجل حقوق الانسان والديمقراطية في ايران. وعلى الرغم من ان الانتخابات الاخيرة اظهرت ان رجال الدين المتشددين يتمتعون بأقل من 15 في المائة من عدد اصوات الناخبين، فإنهم يسيطرون، في الوقت نفسه، على معظم مفاصل السلطة، وهذه تتمثل في القضاء والجيش وجهاز المراقبة المعروف باسم «هيئة مراقبة الدستور» الذي يتمتع بحق «الفيتو» ضد اي قانون يتعارض مع الشريعة او الدستور. لقد منعت هيئة مراقبة الدستور مجلس النواب من المصادقة على الكثير من التشريعات التي تسمح بحرية مدنية اكبر. وعليه فإن الكثير من المناصرين للاصلاح يقبعون في السجون الآن. وثمة ما يقرب من عشرين صحافيا والكثير من الطلاب ممن وضعوا ايضا خلف القضبان. أضف الى ذلك ان اكثر من 150 صحيفة اصلاحية اغلقت منذ عام 1998. وظلت القوات شبه النظامية تقمع المظاهرات المناصرة للديمقراطية، وكذلك تم اغتيال العديد من المثقفين المنشقين على يد مسؤولين مارقين عن وزارة الاستخبارات (تطوعت شيرين عبادي لتمثيل عائلتي اول ضحيتين وهما بارافانه وداريوش فوروهار). وتركت اجراءات التقييد والقمع آثارها على الجميع. لكن كامرأة فإن عبادي تشكل تحديا متميزا للعناصر المتشددة داخل المؤسسة الدينية في ايران. فهؤلاء يرون ان حقوق النساء مشمولة في تعاليم الدين. وهم يأملون في الحفاظ على سلطاتهم الهادفة الى تقليص هذه الحقوق.

* قانون يحتذى

* وتتمنى عبادي ان تستفيد ايران من تجاربها الخاصة وتعيد الحياة لبعض القوانين التي تشيع الانسجام بين هياكلها الاجتماعية والسياسية وبين التطلعات والاحتياجات المعاصرة. وقد كان قانون «حماية الاسرة » لعام 1962، الذي اصدره الشاه، من اكثر القوانين استنارة في ما يتعلق بحقوق النساء في العالم الاسلامي، إذ ضمن لهن حق التصويت وحقق لهن المساواة في الحقوق المدنية، واعطاهن حق العمل على كل مستويات المجتمع بما فيها ولاية القضاء والوزارات الحكومية وعضوية البرلمان ومقاعد الاستاذية في الجامعات والمعاهد العليا وحتى العمل في الجيش.

وتعتبر احدى مزايا ذلك القانون انه انهى ـ داخل الاسرة ـ قهر النساء الذي ظل ممارسة عادية طوال قرون عدة. ونص القانون على حق النساء في اختيار الزوج ورفع سن الزواج من عمر تسع سنوات، التي يسمح بها الاسلام، الى 16 سنة. كما حظر تعدد الزوجات. ومنع الرجال من تطليق زوجاتهم وفق مشيئتهم. وليس ذلك وحسب بل اعطى النساء الحق في تطليق ازواجهن. لقد دشن قانون حماية الاسرة، الذي وافق عليه رجال الدين في قم في ذلك الوقت، عصرا جديدا من التحرر والمشاركة النسائية في الحياة الاجتماعية. وقد تنامى نتيجة لذلك وبصورة متواترة عدد الفتيات في المدارس والجامعات، وتساوى عدد الفتيات في مقاعد الدراسة وفي المدن على وجه التحديد مع عدد الفتيان، كما ان عدد الفتيات في الجامعات لم يكن يقل كثيرا عن المعدلات الغربية. ووصل عدد كبير من النساء الى مواقع عالية في المجتمع، وظهرت وزيرات مقتدرات. وكانت عبادي نفسها من اوائل النساء اللائي عُينَّ في سلك القضاة.

* ضد «الثقافة الرجولية»

* ولكن مع مجيء الثورة وسيادة التفسير الضيق والرجالي اساسا للنصوص الدينية، علاوة على ردة الفعل الرافضة لكل ما فعله الشاه، الغي قانون حماية الاسرة. ورغم وعود الخميني المبكرة بأنه سيحافظ على حقوق النساء، فصلت عن العمل عشرات الآلاف من النساء، وحدث فصل على اساس الجنس في المدارس والجامعات. بل حاولوا كذلك فصل الرجال عن النساء في وسائل المواصلات. لكن تلك الخطوة ووجهت بمقاومة شرسة وهزمت شعبيا. وكان من الاوامر الالزامية المبكرة التي اصدرها الخميني، ارتداء المرأة للحجاب والأوشحة. طردت عبادي وزميلاتها من القاضيات من مناصبهن، لأن تفسير الخميني للدين يقضي بأن المراة منقوصة المقدرة على اصدار الاحكام. وسمح من جديد بتعدد الزوجات وخفض سن الزوج للبنات الى تسع سنوات مجددا، كما استعاد الرجال حق تطليق ازواجهن بدون ضمانات للنساء، وطبيعي بالتالي ان سُحب حق النساء في تطليق ازواجهن. كما اعطي الرجال حق حضانة ابنائهم في حالة الطلاق. ومنعت خريجات الجامعات من تولي عدد كبير من الوظائف في المجالات العلمية والفنية. وكبحت رغبات النساء في العمل خارج المنزل باعتبار ان ذلك يقود الى انتشار الرذيلة.

ترى شيرين عبادي ان كل ذلك حدث نتيجة لـ«الانحراف الثقافي»، قائلة ان الاسلام «دين سلام ومساواة» وان عدم المساواة «نابع من تعطش بعض الرجال للسلطة وليس للدين». وهي تفترض ايضا ان القانون الاسلامي يجب ان يفسر وفقا لاحتياجات الزمن المعاصر. وقالت شيرين عبادي في هذا السياق انها ضد «الثقافة الرجولية» وليست ضد الاسلام.

* جائزة للجناة

* وكانت شيرين عبادي قد تولت الدفاع في قضية الطفلة ليلى فتحي، 11 عاما، التي تعرضت للاغتصاب والقتل على ايدي ثلاثة رجال. وطبقا لقرار المحكمة، فإن حياة ليلى تساوي فقط نصف قيمة حياة كل من الرجال الذين قتلوها، وبالتالي توجب على اسرتها دفع دية لأسر الرجال الثلاثة كتعويض على حكم الاعدام الذي اصدرته المحكمة بحقهم.

ولم تطبق العقوبة على اي من الجناة الثلاثة حتى الآن لأن اسرة الطفلة فشلت في جمع المبلغ المطلوب للدية في حال اعدام الجناة.

وتقول شيرين عبادي معلقة ان اسرة القتيلة «فقدت ابنتها وفقدت مسكنها الذي باعته لجمع مال الدية. فقد باعت الاسرة كل ما لديها سعيا لتطبيق العدالة». وتتساءل قائلة: «الا يبدو هذا المال مثل جائزة لأسرة الجناة ؟». وسلسلة الاحداث الاخيرة تظهر كيف ان الكثيرين باتوا يشعرون بهذا الظلم في مستويات المجتمع كافة. ففي يوليو (تموز) الماضي توفيت المصورة الصحافية زهرة كاظمي وهي في الحبس. وفي اغسطس (آب) قضت محكمة بالاعدام على سيدة قتلت رجلا حاول اغتصابها، وحكم ايضا بالسجن على اربع نساء مع وقف التنفيذ بسبب ترجمتهن لمقالات علمانية حول حقوق المرأة. وتعرضت النساء الاصلاحيات في البرلمان الى نكسة كبيرة في اغسطس الماضي اثر رفض مجلس مراقبة الدستور مشروع قرار لتوقيع ايران على ميثاق الامم المتحدة الخاص بالقضاء على التمييز ضد النساء.

* ثمار في آخر المطاف

* ومع ذلك، لا تزال شيرين عبادي ترى ان التغيير السلمي والتدريجي الى وضع افضل للنساء في ايران لا يزال ممكنا. وبفضل حملات العناصر النسائية الاصلاحية ـ مثل تلك التي تقودها حائزة نوبل ـ بدأ مجلس مراقبة الدستور اجازة قوانين تبطل ممارسات تمييزية ضد النساء. فقد رُفعت سن الزواج الى 15 عاما، كما كان عليه الحال قبل الثورة الايرانية، فضلا عن اقامة محاكم خاصة للفصل في نزاعات وخلافات الاسر. وتحقق بفضل ذلك تغيير هائل في المحنة التي ظلت تعاني منها النساء الايرانيات. فقد بات حق حضانة الاطفال يمنح على نحو روتيني للأمهات، فضلا عن انه بات من حق الزوجات رفع قضايا طلاق ضد ازواجهن. وبالرغم من ان المحاكم توصي في البداية بالمصالحة، فقد اصبحت تسمح بالطلاق اذا كانت ثمة اسباب وجيهة تقتضيه. واعلن ايضا ان الزواج عقد اجتماعي وان بوسع البنات ان يحددن في هذا الاتفاق انهن لا يسمحن لأزواجهن بالزواج من امرأة اخرى. وتقول شيرين عبادي انها تأمل ان تصبح ايران نموذجا للمجتمع المسلم،! خصوصا في ما يتعلق بحقوق النساء. وتأمل ايضا في تحقيق هذا الهدف من خلال حملة سلمية ودؤوبة في هامش حياة سياسية تتسم بالعنف، ولم تهدأ بعد رغم مضي ربع قرن على ثورة الخميني.