مسؤولون أميركيون: حملة تعقب صدام سبقتها حملة البحث عن «الرجل البدين» الذي تولى إخفاء الرئيس السابق

عملية مداهمة في 8 يوليو كشفت أهمية «الرجل البدين» والبحث عنه تطلب 4 أشهر * خيط ترك مهملاً خارج المخبأ وراء اكتشاف حفرة صدام

TT

البحث عن صدام حسين لم يقل اهمية عن البحث عن الشخص الذي ساعد في توفير المخبأ والطعام والحماية للرئيس العراقي السابق. فقيادة القوات الاميركية في العراق لا تزال تتستر على هوية هذا الشخص، اذ كل ما افصح عنه من معلومات حتى الآن يفيد فقط بانه «صاحب كرش كبيرة» وفي متوسط العمر وان اسرته لها صلة وثيقة بصدام حسين. وبعد ظهر السبت الماضي قدم الشخص المذكور المعلومات التي ادت الى القاء القبض على صدام حسين في مساء اليوم نفسه. وشرح الكولونيل جيمس هيكي، خلال جولة مع صحافيين اول من امس في المزرعة التي اعتقل داخل مخبأ فيها صدام حسين، كيفية تلقي القوات الاميركية المعلومات التي ادت الى القبض على الرئيس العراقي السابق.

وقال هيكي، من الفرقة الرابعة للمشاة التي القت القبض على صدام، ان القوة التي يقودها ظلت تشن حملات مداهمة داخل وحول مدينة تكريت طوال الشهور الثمانية الماضية سعيا للعثور على اعضاء بارزين في النظام السابق وإنهاء الهجمات ضد قوات التحالف.

وقدم الكولونيل هيكي، 43 سنة، للصحافيين في الموقع الذي القي القبض فيه على صدام، بأول شرح مفصل لكيفية تعقب الرئيس المخلوع الى ان تم القبض عليه. واتضح من ذلك الشرح ان الدقائق الاخيرة التي قضاها صدام مختبئا كانت اكثر خطورة ودرامية مما ورد في التقارير التي تناولت عملية استسلامه. وقال ان الرئيس العراقي المخلوع انقذ نفسه من موت محقق باستسلامه السريع، ذلك ان القوة التي جاءت للبحث عنه كانت على وشك إلقاء قنبلة يدوية داخل الحفرة التي كان مختبئا داخلها. وأضاف هيكي ان صدام حسين سارع للتحدث بالانجليزية قائلاً: انا رئيس العراق واريد التفاوض.

وقال افراد القوات التي تحرس الموقع انهم تفاجأوا عندما وجدوا الرئيس العراقي السابق الذي شيد لنفسه قصورا فخمة ارضياتها من الرخام لينتهي في هذا الكوخ شبه المهجور وهو لا يملك سوى بضع مقتنيات ومن دون أي وسائل اتصال ولا أنابيب مياه او نظام تصريف. وقال الكولونيل هيكي ان المعلومات الحاسمة التي ادت الى إلقاء القبض على الرئيس المخلوع مساء السبت الماضي ربما لم تساعد على اعتقاله قبل بضعة اشهر. فهذه المرة كانت القوات الاميركية جاهزة لاعتقاله اثر تراكم وتطور المعارف والمهارات على مدى الشهور التي شهدت عمليات البحث عن صدام حسين ومؤيديه.

* عملية مداهمة رئيسية في يوليو

* يصر مسؤولون في الاستخبارات الاميركية ان صدام كان موجودا في بغداد خلال المراحل الاولى للحرب عندما جرت محاولتان لاغتياله في 19 مارس (آذار) و7 ابريل (نيسان) الماضيين. ومنذ محاولة الاغتيال الثانية التي استهدفته، ركزت القوات الاميركية اهتمامها على منطقة تكريت وما حولها. وابلغ الكولونيل هيكي الصحافيين أن القوات الاميركية نفذت عشر مهمات خلال الاشهر الاخيرة لإلقاء القبض على صدام الذي يحتل صدارة قائمة المطلوبين للقوات الاميركية.

وفيما كان يعتقد مسؤولو الجيش الاميركي واجهزة الاستخبارات ان الرئيس المخلوع لا يزال داخل العراق، فإنهم احتاروا لكيفية استمراره في مراوغة آلاف الجنود الاميركيين الذين يتعقبونه. وقال الكولونيل هيكي إن عملية مداهمة نفذت في تكريت في 8 يوليو (تموز) الماضي هي التي ساعدت في توفير المعلومات التي اشارت الى «الرجل البدين» كما يشير اليه هيكي، كعنصر اساسي وراء اختفاء صدام حسين.وقال هيكي ان «الرجل البدين»، من دون ان يذكر اسمه، من ملاك الاراضي الاثرياء وعضو في اسرة سنية يعتقد انها وراء توفير الحماية لصدام حسين. وتشكل مدينة تكريت والمناطق المحيطة بها بالإضافة الى قرية الدور، التي عثر على صدام مختبئا في احدى مزارعها، جزءا من المثلث السني الذي شهدت فيه القوات الاميركية اكثر مقاومة منذ سقوط نظام الرئيس العراقي المخلوع.

إلا ان العثور على صدام حسين لم يكن امرا سهلا. فالمشكلة الاكبر هي ان القوات الاميركية لم تكن تفهم جيدا طبيعة وتركيبة العلاقات الاسرية والعشائرية المتشابكة في المنطقة التي يتحدر منها صدام حسين، فقد كانت هذه القوات في حاجة الى استبعاد الاشخاص غير المتورطين في مساعدة صدام حسين.

لم يتضح إلا في اغسطس (آب) الماضي، أي بعد سقوط بغداد بأربعة أشهر، ان خمس أسر على وجه التحديد هي التي يمكن ان تلعب دورا رئيسيا في معرفة مكان الرئيس العراقي الهارب. درست القوات الاميركية نتائج عملية المداهمة التي نفذت في 8 يوليو وتوصلت الى ضرورة التركيز على «الرجل البدين» الذي لم تنجح القوات الاميركية في القبض عليه إلا بعد سلسلة من عمليات المداهمة بسبب قدرته على المراوغة المستمرة والنجاح في الافلات من الاعتقال. ففي 4 ديسمبر (كانون الاول) الجاري نفذت القوات الاميركية عمليات مداهمة في تكريت وألقت القبض على عدد من الموالين لصدام، إلا ان «الرجل البدين» تمكن من الفرار. وفي اليوم التالي، نفذت حملة مداهمة اخرى بالقرب من بغداد، لكنها فشلت في القبض عليه. ثم نفذت حملة مداهمة اخرى في بيجي بشمال العراق في 7 ديسمبر، لكنها لم تتمكن الا يوم الجمعة الماضي من القبض على «الرجل البدين» مع موالين آخرين لنظام البعث في بغداد. وفي صباح السبت علم الكولونيل هيكي عبر مكالمة هاتفية باعتقال «الرجل البدين» وطلب ارساله جوا الى رئاسة لواء المشاة في تكريت حيث تعرض لاحقاً الى عملية استجواب مطولة ومركزة. وأضاف ان المعلومات التي ادلى بها اشارت الى اختباء صدام في منطقة شمال او غرب تكريت باتجاه الصحراء. وبالفعل، بدأ هيكي باعداد الفرقة اللازمة لتنفيذ المهمة.

وكشف الرجل، الذي قال هيكي انه صار اكثر تعاونا، عن وجود صدام في موقع يقع على بعد 10 اميال جنوب تكريت. وكان يشير الى مزرعة في قرية الدور القريبة من المكان الذي فر منه صدام، عندما كان شاباً، على ظهر حصان الى سورية عام 1959.

واوضح هيكي انه في حوالي الساعة الخامسة من بعد ظهر السبت تم وضع «تقديرات استخباراتية» حول المكان بعد فحص صور التقطتها الاقمار الصناعية. وباستخدام مهارات اكتسبها الجنود من خلال مئات الغارات التي شنوها منذ ابريل الماضي، بما فيها عشر غارات على الاقل نفذت خصيصاً للقبض على صدام، وضع الجنود خطة حول كيفية شن الهجوم، حسبما ذكر هيكي. وأضاف «لقد تم ذلك بسرعة وبشكل غير تقليدي ومباشرة بعد اعداد الخطة. لقد توقعنا بعض القتال هنا (في المزرعة) وكنا على استعداد لكسب المعركة بسرعة وبطريقة حاسمة». انتشرت قوة قوامها 600 جندي عبر المنطقة بسرعة، لكن مخبأ صدام حسين كان النموذج المثالي لإحباط جيش متقدم تكنولوجيا. فقد كانت الحفرة مغطاة ببساط اسفنجي مضغوط وقطع ملابس واتربة لإخفاء المدخل.

وصل الجنود الى المنزل المهجور، لكنهم لم يجدوا احداً. وفجأة لاحظ جندي، لم يكشف عن هويته بعد، وجود خيط مثير للشبهة يعتقد انه كان كان متصلاً بالحفرة بهدف توفير الاضاءة او التهوية، الامر الذي دفع الجنود لازالة البساط والاتربة واكتشاف مدخل الحفرة. كان الجنود مستعدين لإلقاء قنبلة يدوية في الحفرة الا ان الرجل الملتحي سارع برفع يده وساعده الجنود على الصعود. عندها قال لهم بالانجليزية: «انا صدام حسين. انا رئيس العراق، وانني على استعداد للتفاوض»، حسبما افاد الميجور بريان ريد، 36 سنة، ضابط العمليات في اللواء الاول. حدثت تلك المواجهة الساعة الثامنة والربع، وبحلول الثامنة والنصف كان الجنود قد تأكدوا انهم اعتقلوا الرجل المطلوب. فقد تطابقت الصفات الشخصية للرجل المعتقل مع المعلومات التي ابلغوا بشأنها حول المميزات الشخصية للرئيس العراقي السابق. نقل صدام حسين الى حقل مفتوح، ويداه مقيدتان بقيود بلاستيكية قبل ان تهبط طائرة هليكوبتر وتنقله الى موقع عسكري في تكريت. شعر الكولونيل هيكي واعضاء اللواء الاول بسعادة لالقائهم القبض على صدام. وقال السيرجنت لورانس ويلسون انه، بعد التأكد من هوية المعتقل، قال للكولونيل هيكي انه ليس مهماً ان اللواء الاول هو الذي القى القبض على صدام. لكن هيكي امسك به من رقبته وقال: «لكن من المؤكد ان الامر لطيف اننا نحن الذين فعلنا ذلك».

صدمت القوات الاميركية عندما شاهدت المكان الذي كان يقيم فيه صدام، اذ كان من السهل جداً عدم اكتشاف المخبأ. فبيوت المزرعة الى جوار بستان البرتقال تبدو مثل مئات المزارع المنتشرة في وسط العراق. وقد قضى صدام بعض الوقت في الكوخ الطيني ذي السقف المعدني وذي منطقة الطهي الخارجية.

يحتوي الكوخ على غرفة نوم بها سريران. وقد عثرت القوات الاميركية في تلك الغرفة على 750 الف دولار من فئة المائة دولار، كما وجدت ملابس وكتباً وإطارات صور وكيسين بهما ملابس داخلية وجوارب من طراز لانفين، منتشرة في انحاء الغرفة. كانت منطقة الطهي الخارجية التي يغطيها سقف من الصفيح، في حالة فوضى. عثر الجنود ايضاً على شوكولاته «مارس» و6 علب من المواد المضادة للحشرات ومعلبات لحوم وفاكهة مثل الموز والتفاح واليوسفي والكيوي. وفوق باب غرفة النوم مكتوب البسملة «بسم الله الرحمن الرحيم». وقال ويلسون: «ليس هناك ما يمكن رؤيته، اعتقد انه اصبح شهيرا». وواضح ان الحفرة التي عثر على صدام فيها كانت تستخدم للطوارئ فقط. وقال الميجور جيمس هاول، الذي كان من بين الجنود الذين كلفوا توفير غطاء للجنود المتقدمين: «اعتقد انه كان على استعداد لتسليم نفسه ومواجهة محاكمة بدلاً من الحياة في حفرة».

ولا يزال «الرجل البدين» رهن الاعتقال. ورغم انه غير مدرج ضمن القائمة الاميركية الخاصة بالمطلوبين من مسؤولي النظام السابق، فإنه يعتبر مهما بسبب علاقته مع الرئيس السابق وربما مع المقاتلين الذين يشنون العمليات ضد القوات الاميركية، حسبما قال هيكي. وتساءل بعض الصحافيين ما اذا كان يحق للرجل «البدين» الذي ادلى بالمعلومات عن وجود صدام، الحصول على مكافأة الـ 25 مليون دولار، فأجاب هيكي: «اشك في ذلك».