صورة صدام البطل تتبدد في عيون العرب وجيرانه يتذكرونه طفلا صارما

TT

بيروت ـ البحرين: «الشرق الأوسط»

دبي ـ العوجة (العراق): وكالات الانباء

تلقى الشارع التونسي بذهول كبير الطريقة التي تم فيها اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والصورة التي ظهر عليها امام شاشات التلفزيون واعتبرها التونسيون مهينة ومذلة.

وكان الرأي العام التونسي على قناعة شبه اكيدة بأن صدام حسين لن يسلم نفسه او يستسلم بهذه السهولة، والاعتقاد السائد كان انه في حال مواجهته بهجوم اميركي بقصد اعتقاله سوف يقاوم حتى آخر رصاصة لديه او يقدم على الانتحار.

وقد اعتبر الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، الشاذلي القليبي، ان اعتقال القوات الاميركية لصدام حسين "اهانة جديدة للشعب العراقي تضاف الى ما تحمله من اهانات متتالية". وقال ان الشعب العراقي لم يتمكن من ان يغير بيده النظام الذي استبد به ولم يستطع في نهاية المطاف وبعد الهزائم النكراء التي تسبب النظام بها ان يوقف بيد ابنائه الرجل الذي كان رمزا لهذا النظام.

وقال محمد اليعلاوي، وزير الثقافة التونسي السابق، انه "كان ينتظر من صدام الذي كان يقدم نفسه على انه زعيم، ان يدافع عن نفسه وان يقاوم بكل الوسائل او ان ينتحر بدلا من ان يترك الاميركيين يفعلون به ما فعلوه.. الامر المزعج الذي لا يمكن ان تمحوه الذاكرة".

وفي بيروت، اعتبر وزير الاشغال العامة والنقل اللبناني، نجيب ميقاتي، ان اعتقال صدام حسين "ليس هو المهم، بل الأهم ان يرفع الظلم عن اهل العراق وان تأخذ حقوق الانسان طريقها الفعلي الى التطبيق"، مضيفا ان العراق اليوم "بحاجة الى وقفة عربية جريئة وعملية توقف مأساته وتجعله ينطلق بخطى واثقة نحو المستقبل الزاهر".

واعتبر مفتي طرابلس والشمال، الشيخ طه الصابونجي، ان القاء القبض على صدام حسين "هو نتيجة طبيعية لمجريات الامور التي بدأها صدام حسين نفسه بتسلطه على الحكم وممارساته المجافية لكل عرف وكل قانون". واضاف "ان العالم العربي مطالب باعادة النظر في رصيده من كل اسباب ونتائج المصائب التي حلت عليه من دون ان يستشرف الحقائق اليقينية التي تعيد اليه الاعتبار والحضور الذاتي والعالمي. ولقد آن الاوان لعالمنا العربي ان يزيل عن نفسه كل الزيف والعبثيات والاضاليل التي مورست عليه واورثته هذا الواقع المتخلف".

وفي عمان، اعلنت المعارضة الاردنية ان اعتقال صدام حسين من قبل القوات الاميركية "لا يعني وقف المقاومة والاذعان للاحتلال" ودعت الى تصعيد المقاومة.

وقال رئيس لجنة التنسيق العليا لاحزاب المعارضة، والأمين العام لحزب البعث التقدمي فؤاد دبور، ان هذه الاحزاب اكدت في اجتماع عقدته في عمان امس على وحدة العراق ارضا وشعبا، موضحة ان نظام الحكم الذي سيسود العراق مستقبلا يعود للشعب العراقي وحده من دون تدخل خارجي، ودعت الاحزاب المعارضة الى منع الاحتلال من استغلال ثروات العراق وخيراته.

يعتقد كثير من العرب ان استسلام صدام للقوات الاميركية يعبر عن اذلال مرير لرجل نصب نفسه بطلا للقضايا العربية وخليفة لصلاح الدين.

وأثارت صورة صدام المقربة التي تكرر بثها على شاشات التلفزيون وهو يخضع للفحص الطبي على يد عسكري اميركي مزيجا من عدم التصديق والاحساس بالعار والازدراء. وبالتأكيد ابتهج كثيرون باذلاله المثير. وحتى الذين تنبأوا بسقوطه لم يتوقعوا استسلامه بهذه الطريقة: انتزاعه من حفرة مثل فأر.

قال الصحافي المغربي المخضرم خالد جمال "لن ينسى عربي او مسلم هذه الصور. لمست شيئا عميقا جدا. كان نشر هذه الصور شيئا مقززا وانتهاكا لكرامة الانسان. تقديمه مثل غوريلا خرجت من الغابة واحدهم يفحص شعره بحثا عن القمل".

وشاهد مؤيدو وأعداء الرئيس المخلوع عدة مرات شريطا اميركيا يصور استسلامه من دون اطلاق رصاصة واحدة دفاعا عن نفسه. وكان طبيب اميركي يرتدي قفازا يفحص شعره ولحيته وفمه وأذنيه بينما بدا صدام خانعا ومشتتا.

قال الفلسطيني صلاح احمد "تمنيت لو كان هذا أحد افلام هوليوود. منظره واطباء اميركيون يفحصونه هو الأكثر ايلاما منذ تدمير تماثيله".

وشاهد العراقيون والعرب والعالم الفجوة العميقة بين صورة صدام قبل السقوط وبعده. وفي النهاية انهارت صروح عظمة شيدها لنفسه رئيس دفع ببلاده الى ويلات ثلاث حروب مدمرة.

وقال نبيل غزاوي الناشط في مجال حقوق الانسان "لم أصدق عيني. هل هذا حقيقة صدام حسين. صدام الذي اخاف العراقيين والعرب. اعتقدت ان هناك خطأ ما. لعلها لعبة اميركية جديدة. ولكني تذكرت كيف تخلى عن بغداد. انني أكثر من متضايق. انني غاضب".

وقال الطالب اللبناني سلام بري "كنت أتوقع نهاية مشرفة له مثل اطلاق النار على نفسه. لكنه كان نموذجا للزعيم العربي. يبقون في السلطة الى الابد أو يسلمون بلادهم وانفسهم لألد أعدائهم".

ويقول كثيرون ان امل صدام في تأسيس عائلة عربية من الابطال مثل بطله المفضل صلاح الدين كان مجرد وهم.

لكن عراقيين كثيرين ممن كانوا ضحايا وحشية صدام حسين لمدة ثلاثة عقود كانوا في ذروة الابتهاج والنشوة بمشاهدة الرجل الذي حكمهم بالترويع والتخويف 30 عاما معتقلا ذليلا.

قال علي حسين، 29 سنة، الموظف بمتجر للأدوات الكتابية "أرجو ان تتاح لنا فرصة محاكمته بطريقتنا لنذيقه ما أذاقنا".

واستقبلت السعودية خبر اعتقال جارها المخيف بهدوء وارتياح.

قال خالد بطار مدير تحرير صحيفة "المدينة": "نحن سعداء باعتقال ديكتاتور مثل صدام الذي كان عدوا للسعودية".

وفي الكويت التي احتلها صدام سبعة اشهر عام 1990 كان اعتقال صدام (أم كل الاخبار الطيبة) في اشارة الى وصف صدام حرب الخليج عام 1991 بانها (أم المعارك).

وقال جاسم بودي رئيس تحرير "الرأي العام": "كثيرون لا يصدقون هذا حتى الآن. الزعيم العظيم الملهم اعتقل في حفرة بعد ان زعم بأعلى صوته انه يفضل الموت شهيدا". واعترف العرب على مضض بان اعتقال صدام دفعة كبرى للرئيس جورج بوش. ولكن بغض النظر عن مشاعرهم فان كثيرين يتمنون ان يعجل اعتقاله بانهاء احتلال العراق بقيادة الولايات المتحدة.

وقال الشيخ أحمد عبد الله "آمل ان تكون هذه بداية لرحيل قوات التحالف من العراق لانهم اتموا مهمتهم".

لكن احمد سعد جار صدام في قرية العوجة التي ولد فيها يتذكر منذ سنوات الطفولة المبكرة جاره الصغير الذي نشأ معه في قرية صغيرة بيوتها من الطين اللبن بانه سيحكم العراق يوما بدهاء وبيد من حديد.

وقال سعد الذي تربطه صلة قرابة بعيدة بصدام وعاشا معا في قرية العوجة مسقط رأس الرئيس العراقي المخلوع "في سن الرابعة عشرة كان يقود باقي الصبية في مظاهرات ضد الملكية. كان صارما وكان دوما مستعدا للقتال. "لا اصدق انه لم يقاوم الاميركيين عندما امسكوه".

وعثر نحو 600 جندي اميركي على صدام في حفرة جوار منزل ريفي قرب العوجة. كان معه مسدس وعثر في المنزل المجاور على بندقية طراز ايه كيه ـ 47.

لكن الرجل لم يطلق رصاصة واحدة خلال عملية اعتقاله وهو الذي اعتاد اطلاق النار في الهواء من شرفة قصره فيما كان العراقيون يهتفون بحياته.

لا يستطيع سعد وآخرون استيعاب لقطات فيلم فيديو اميركي ظهر فيها صدام وقد طالت لحيته وبدا منهكا مستكينا اثناء فحص طبي اجري عليه بعد اعتقاله.

لقد كره الشيعة والاكراد العراقيون صدام لما عانوه من حكمه. الا انه في العوجة يحظى بتقدير بالغ. هو بالنسبة لهم الرجل الذى تحمل بشجاعة الاصابة برصاصة في الساق فيما كان يكافح من اجل اسقاط الزعيم العراقي الاسبق عبد الكريم قاسم عام 1959 . وحكم صدام العراق باجهزة مخابرات شديدة القسوة والقمع كان ضحاياها من الشيعة والاكراد بل والسنة ايضا.

اكتسب صدام مهاراته مبكرا في قرية العوجة المغبرة والتي حولها لاحقا الى بلدة انيقة تطل على احد قصوره بها فيلات وسيارات فارهة.

وقال سعد "لقد كان قويا للغاية وصارما والجميع يعرف ذلك. الا انه فاز بقلوب الناس بالتوسط بين الاصدقاء الذين كانوا يتحاربون. كان ذكيا للغاية". وقف سعد ضد صدام في اوائل الستينات وهي خطوة كلفت كثيرا من العراقيين حياتهم الا ان صدام فيما يبدو لم يحملها لسعد عندما وصل للسلطة.

وقال "كنت ضد صدام. لقد أيدت قاسم. المرة التالية التي رأيته فيها كانت عام 2000. كان لدينا مشكلة عائلية وطلبنا مساعدته. لكنه تعامل مع شقيقي وليس معي". واضاف "ان صدام الذي تربى معه عشر سنوات في المراحل الاولى من العمر سيتعاون مع الاميركيين بشرط واحد يبدو مستحيلا". وقال سعد، 60 عاما، وهو مدير مدرسة متقاعد "سيتحدث صدام فقط اذا وافقوا على ترك العراق فورا".

وفي حقل امام قصر صدام السابق في العوجة رفض عراقي الخوض في سيرة الرئيس المخلوع حيث ما زال يسود خوف من الدولة البوليسية التي روعت العراقيين في عهده سنوات طويلة. وقال "لا استطيع ان اتحدث في هذه الاشياء".