المجمع الفقهي الإسلامي: الأعمال الإرهابية من الجرائم المحرمة

TT

يختتم مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي اليوم (الأربعاء) أعمال الدورة السابعة عشرة في مكة المكرمة، بإصدار قراراته وفتاواه وبياناته حول الموضوعات التي تمت مناقشتها خلال الأربعة أيام الماضية.

وحصلت «الشرق الأوسط» على مشروع القرارات والتوصيات التي ستصدر عن المجلس، وهي في طور (المراجعة الأخيرة)، حيث لم يتبق إلا وضع الصورة النهائية ومراجعتها من قبل الأعضاء والموافقة عليها قبل نشرها في وسائل الإعلام المختلفة. ومن المتوقع أن يصدر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي اليوم بياناً بشأن وسائل معالجة الفكر المنحرف، مستمداً من كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في حفل افتتاح أعمال الدورة، التي أشار فيها إلى مخاطر الانحراف الفكري التي حدثت بسبب الجهل بأحكام الإسلام لدى بعض شباب الأمة. وأكد مشروع البيان أن ضعف العلاقة بين العلماء الثقاة وأجيال الشباب الذين لم يجدوا الرعاية والعناية التربوية الكافية أدى إلى انسياقهم وراء الغلاة من الناس، واتخاذهم من الفكر المنحرف منهاجاً. وقد استغل بعض هؤلاء الغلاة شباب الأمة لتجنيدهم ضمن عصابات البغي والإجرام والإفساد في الأرض انطلاقاً من مفاهيم استحلت تكفير المسلمين واستباحت دماءهم.

ودعا البيان إلى التعجيل في إقامة لقاء تنظمه رابطة العالم الإسلامي تشارك فيه مجامع الفقه الإسلامي ومجامع البحوث الإسلامية والمتخصصون في الشريعة الإسلامية لتدارس ما استجد من قضايا في حياة المسلمين، مشيراً إلى ضرورة الاتفاق على ميثاق بشأن الافتاء، والتصدي للفتاوى الفردية بالحجة الشرعية.

وبشأن التفجيرات والتهديدات الإرهابية التي عانت منها بعض الدول الإسلامية في الفترة الأخيرة، حذر مشروع البيان مما ينجم عن هذه الظاهرة من الفساد العريض والشر المستطير، داعياً إلى اقتلاع نبتته الخبيثة من مجتمعات المسلمين، موضحاً حكمه في شرع الله بالقواطع من الكتاب والسُنة والحكمة والتعليل.

وأوضح البيان خطورة آثار الأعمال الإرهابية والتفجيرات التدميرية في البلدان الإسلامية خاصة وفي أقطار العالم وأممه عامة، وما خلفته من ضحايا بشرية بريئة، ومآسٍ إنسانية خطيرة، وإتلاف للأموال التي بها قوام حياة الإنسان ودمار ماحق في المرافق والمنشآت، مذكراً ببيان مكة المكرمة بشأن الإرهاب، الصادر عنه في دورته السادسة عشرة، وما اشتمل عليه من بيان لتحريمه وتجريمه في شريعة الإسلام، وشجب واستنكار لما يُلبس به المغرضون والحاقدون من ربطه بدين الإسلام واتهامه به زوراً وبهتاناً.

ودعا البيان رجال الفقه والقانون والسياسة في العالم إلى الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب يتميز به المشروع منه عن غير المشروع، وتتنزل عليه الأحكام والعقوبات ليتحقق الأمن وتُقام موازين العدالة وتُصان الحريات المشروعة للناس جميعاً.

واستنكر البيان محاولات إلصاق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف ووصم معتنقيه بالتطرف والعنف، مؤكداً أن هذا الافتراء الظالم، تشهد ببطلانه تعاليم هذا الدين وأحكام شريعته وتاريخ المسلمين الناصع والنزيه.

وأشار البيان إلى ظاهرة الظلم الاجتماعي وعدم تكافؤ الفرص بين المواطنين أو التمتع بالخدمات الأساسية كالتعليم والعلاج والعمل، أو انتشار البطالة وشح فرص العمل أو التدهور الاقتصادي وتدني مداخيل الأفراد، مرجعاً ذلك إلى أنها من أسباب التذمر، ومما قد يُفضي إلى ما لا تُحمد عقباه من إرهاب وتفجيرات وتخريب، منتقداً في الوقت نفسه نزعة التسلط وشهوة التصدر التي قد تدفع ببعض المغامرين إلى نشر الفوضى وزعزعة أمن البلاد تمهيداً لتحقيق مآربهم، غير آبهين بشرع ولا نظام ولا بيعة، مشيراً في هذا الصدد إلى أن أعمال الإرهاب عدوان على النفس والمال وقطع للطريق وترويع للآمنين، بل وعدوان على الدين، حيث تصور الدين بأنه يستبيح حرمة الدماء والأموال، ويرفض الحوار ولا يقبل حل المشاكل والنزاعات مع مخالفيه بالطرق السلمية. كما تصوِّر المسلمين بأنهم خارجون عن النظام ودمويون ويشكِّلون خطراً على الأمن والسلم الدوليين، وعلى القيم الحضارية وحقوق الإنسان، وهذا يقود إلى أضرار ومفاسد تنعكس على مصالح الأمة الإسلامية الأساسية وتضر في الوقت نفسه بعلاقات المسلمين السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية مع غيرهم من الشعوب، وتضيق على الجاليات الإسلامية التي تقيم في دول غير إسلامية وتعزلهم سياسياً واجتماعياً وتضر بهم اقتصادياً.

وأكد مشروع البيان أن الأعمال الإرهابية والتخريبية من تفجير للمنشآت والجسور والمساكن الآهلة بسكانها الآمنين معصومي النفس والمال من مسلمين وغيرهم، ممن أُعطوا العهد والأمان من ولي أمر المسلمين بموجب مواثيق ومعاهدات دولية، تعتبر في شرع الإسلام من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال، حيث رتَّب الشارع عليه عقوبات رادعة كفيلة بدفع شرهم ودرء خطرهم والاقتصاص العادل منهم، وردع من تسول له نفسه سلوك مسلكهم.

من جهة أخرى، تضمن مشروع القرارات توصيات بشأن الموضوعات التي تمت مناقشتها من قبل أعضاء مجلس المجمع وخبرائه وباحثيه، مثل حكم ضريبة الدخل والتورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، وحكم استعمال الدواء المشتمل على شيء من نجس العين كالخنزير وله بديل أقل منه فائدة كالهيبارين الجديد، وحكم الخلايا الجذعية، وهي خلال المنشأ التي يخلق منها الجنين ولها القدرة في تشكل مختلف أنواع خلايا جسم الإنسان، بالإضافة إلى موضوع أمراض الدم الوراثية ومدى مشروعية الإلزام بالفحوص الطبية للراغبين في الزواج.