ردا على اقتراح «المياه مقابل النفط»: القاهرة تصعد هجومها على نيروبي وترفض تعديل اتفاقية توزيع مياه النيل

وزير مصري يعتبر إعلان كينيا اعتزام الانسحاب من معاهدة النيل بمثابة إعلان حرب

TT

علمت «الشرق الأوسط» ان الحكومة المصرية تبحث استدعاء السفير الكيني في القاهرة لتقديم احتجاج رسمي مصري ضد التصريحات التي أطلقها بعض المسؤولين الكينيين حول اعادة النظر في اتفاقية توزيع مياه نهر النيل بين دول حوضه. كما تبحث تكليف السفير المصري في كينيا اجراء اتصالات عاجلة مع كبار المسؤولين في الحكومة الكينية. وقال مسؤولون مصريون انه على الرغم من العلاقات الطيبة التي تربط بين القاهرة ونيروبي منذ سنوات طويلة، الا ان السلطات المصرية لا تريد تفويت الفرصة لتوجيه رسالة قوية الى الدول المعنية بمياه نهر النيل والأصوات المتصاعدة التي تحاول التأثير على حصة مصر في أهم مواردها المائية على الاطلاق. ورفضت السفارة الكينية في القاهرة التعليق على هذه المعلومات، علما بان محمد معلم محمود سفير كينيا في القاهرة قد غادرها قبل عدة أسابيع عائدا الى بلاده بعد انتهاء فترة عمله الدبلوماسي.

وشهدت العلاقات المصرية ـ الكينية منذ مطلع الأسبوع الحالي تدهورا غير متوقع بعد توجيه السلطات المصرية تحذيرات رسمية الى الحكومة الكينية برفضها أي محاولة للمساس بنصيب مصر السنوي من مياه نهر النيل أو اجراء أية تغييرات على المعاهدة الخاصة بتوزيع مياه النهر على دول منطقة حوض النيل والتي يرجع تاريخها الى عام 1929. ففي تصعيد مصري غير مسبوق هدد محمود أبو زيد وزير الري والموارد المائية بأن مصر تعتبر ان اعتزام كينيا الانسحاب من هذه المعاهدة بمثابة اعلان حرب رسمي وتهديد لمصالحها الحيوية وأمنها القومي. وتأتي تصريحات المسؤول المصري المتشددة للرد على اعلان البرلمان الكيني يوم الخميس الماضي عزمه مناقشة مشروع قرار يقضي بانسحاب كينيا من المعاهدة التي تضم مصر وأوغندا واثيوبيا واريتريا وتنزانيا ورواندا والكونغو وبورندي. وتقول السلطات الكينية ان المعاهدة التي تم توقيعها خلال حقبة الاستعمار الأجنبي لدول القارة الأفريقية غير منصفة، وانه يتعين الغاؤها أو تعديلها لضمان حصول الدول المتشاطئة على نهر النيل على حصص عادلة وقسمة أفضل في مياه نهر النيل.

وكانت السلطات المصرية قد أعربت أخيرا عن استيائها واستغرابها الشديدين لاقتراح تقدم به أحد كبار المسؤولين الكينيين بشأن بيع مياه نهر النيل لمصر والسودان مقابل النفط، وأدانت مصادر مصرية مسؤولة لـ«الشرق الأوسط» هذه الفكرة واعتبرتها مشبوهة وتتعارض مع المواثيق والأعراف الدولية والاتفاقات المبرمة بين دول حوض النيل لتنظيم استغلال مياهه.

وكان جارد كانغوانا رئيس المجموعة الكينية ببرلمان شرق أفريقيا قد اقترح بيع مياه النيل للسودان ومصر مقابل النفط، معتبرا ان الوقت حان لمراجعة معاهدة النيل والتوصل لاتفاق جديد لتمكين الدول الأعضاء من الاستمتاع بمنافع مياه النيل. وقال المسؤول الكيني ما نصه «قدمنا لدول مثل السودان ومصر مواردنا الطبيعية مجانا من دون ان يفعلوا بالمثل، ونحتاج الى ان نبيع لهم كما يفعلون معنا». وبينما لم يصدر حتى الآن أي رد فعل رسمي من الحكومة المصرية للتعليق على التصريح. فقد قالت المصادر ان اقتراح بيع مياه النيل لمصر والسودان هو فكرة حمقاء نظرا لان الدولتين صاحبتا حق أصيل في الحصول على مياه النهر وليسا مجرد زبائن لشراء مياهه على النحو الذي اقترحه المسؤول الكيني.

وقد غادرت مارثاوا كوارا وزيرة المياه الكينية على نحو مفاجئ الاجتماع الذي ضمها الى جانب نظيرها المصري ووزراء آخرين مؤتمر المياه الأفريقي في أديس أبابا من دون أسباب معلنة، فيما بدا انه استمرار للأزمة غير المعلنة بين القاهرة ونيروبي. ونسبت وسائل الاعلام الكينية أخيرا لموسيز واتنغولا نائب وزير الشؤون الخارجية الكيني قوله ان بلاده تريد مراجعة هذه المعاهدة التاريخية لانه لم يتم التشاور بشأنها قبل توقيعها، مشيرا الى ان ثمانية انهار كينية تصب في بحيرة فيكتوريا المصدر الرئيسي لمياه النيل وان بلاده تريد ضمان حصولها على قسمة عادلة وتعظيم استفادتها منها.

ونقلت صحيفة «ايست أفريكان» الكينية عن وزير الري والموارد المائية المصري أبو زيد قوله في تصريحات أدلى بها خلال زيارته الأخيرة لأديس أبابا، ان السلطات الكينية بهذه الخطوة تنتهك القوانين الدولية وتخرق اتفاقا اقليميا من دون أية مبررات منطقية. وشدد على ان بلاده تحتفظ لنفسها بالرد على هذه الخطوة الكينية لحماية مصالحها، موضحا ان كينيا قد تتعرض لعقوبات من مصر والدول الثمانية الأخرى الموقعة على اتفاقية حوض نهر النيل. وتساءل الوزير المصري، كيف تريد كينيا ان تستفيد عبر الانسحاب من معاهدة تقسيم مياه النيل؟، مضيفا: «هذا مخالف للقوانين والأعراف الدولية والاتفاقات الاقليمية الموقعة بيننا ولن نسمح به».