إسرائيل تكشف تفاصيل خطة لاغتيال صدام حسين عام 1992 .. فشلت قبل تنفيذها

حكومة رابين اضطرت للتخلي عنها بعد مقتل 5 جنود خلال التدريب عليها

TT

كشفت مصادر عسكرية اسرائيلية امس النقاب عن تفاصيل خطة قديمة لاغتيال الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، احبطت بعد مقتل 4 جنود خلال عملية التدريب عليها. وأوضحت المصادر ان السبب الأساسي في حينه، للامتناع عن تنفيذها، كان فشل تطبيقها في التدريب، حيث قتل خلالها اربعة ضباط. وألمحت الى سبب آخر هو الاعتراض الاميركي على الموضوع في حينه.

ويتبين ان الظروف التي دفعت اسرائيل الى التفكير باغتيال صدام حسين هي الثأر منه على اطلاق صواريخ «سكود» على المدن الاسرائيلية خلال حرب الخليج الاولى سنة 1991. ففي حينه اطلق العراق 21 صاروخ «سكود» على عدة مدن اسرائيلية، ومنعت الولايات المتحدة رئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك، اسحق شامير، من الرد، لكن القيادتين السياسية والعسكرية راحتا تبحثان في طريقة للالتفاف على الموقف الاميركي، وبأوامر من وزير الدفاع في حينه موشيه آرنز، بدأ قادة المخابرات والجيش الاسرائيليون في عملية جس نبض لدى نظرائهم الاميركيين، فوجدوا ان الادارة الاميركية تعتمد على قرار للرئيس السابق جيمي كارتر، يحظر اغتيال زعماء دول وان هناك احتمالا بأن الرئيس الجمهوري، جورج بوش (الاب) سيتفهم خطوة اسرائيلية كهذه، خصوصا ان اسرائيل بدأت حملة ضد صدام حسين بدعوى انه يقوم ببناء قوة نووية وتطوير اسلحة اخرى غير تقليدية.

وعندما فاز اسحق رابين برئاسة الحكومة واحتفظ لنفسه بمنصب وزير الدفاع سنة 1992، قرر رئيس اركان الجيش في حينه، ايهود باراك، عرض الخطة عليه، فمنحه الضوء الاخضر لكنه طلب ان يضمن له نجاح الخطة بنسبة 98 في المائة، وقال انه يحبذ ان تتم العملية بواسطة سلاح المظليين، أي بواسطة الاغتيال عن قرب. لكن رئيس الاستخبارات العسكرية يومها، أوري ساغي، اعترض على الخطة بشدة، وقال انها مغامرة خطيرة، ووضع ثلاثة اسباب تجعله يرفض الفكرة من اساسها هي:

أولا: ان احتمالات النجاح فيها لا تتعدى نسبة 20 في المائة في جميع الاحوال، وتوجه الى الخبراء في معهد الهندسة التطبيقية والكلية التقنية في حيفا «التخنيون» ليعطوا رأيهم، فقدموا له تقديرا مطابقا لتقديراته.

ثانيا: ان صدام حسين يستخدم اشخاصا عديدين يتقمصون شخصيته ومن الصعب تقدير أي منهم هو صدام حسين الحقيقي، وقد يجري اغتيال شخص آخر ويبقى هو منتصرا، وعندها تنقلب العملية على اسرائيل وتتحول الى هزيمة.

ثالثا: ان اغتيال صدام حسين، اذا نجح أو فشل، سيؤدي الى تضامن العرب ويجعلهم يدا واحدة ضد اسرائيل. ولكن المؤيدين للعملية قدموا دفاعا ردوا فيه على هذه التحفظات، فأكدوا ان الخطة التي يقولون انها تنجح بنسبة 20 في المائة غير معروضة بعد، ولذلك فان التقدير متسرع وغير واقعي، وتنبغي دراسته فقط بعد اتمام الخطة والتدريب على تنفيذها. اما موضوع الشخصيات الرديفة، فقد اجروا تحقيقا دام حوالي السنة حول تحركات صدام حسين للتأكد من شخصيته، واكتشفوا انه لا يستخدم الردفاء بشكل دائم وان ما يقال في هذا الشأن مبالغ فيه كثيرا، وان بالامكان ملاحقته على مدار الساعة للتأكد من شخصيته، واكتشفوا انه يزور منطقة تكريت باستمرار وخصوصا قرية الدور (التي ضبطته قوات الاحتلال الاميركي مختبئا فيها يوم الأحد الماضي)، وخططوا لاغتياله هناك.

وهكذا بدأ الاعداد للخطة التي كانت تقضي بانزال قوات اسرائيلية خاصة في عمق الاراضي العراقية على مسافة بضعة كيلومترات من مدفن كان من المتوقع ان يزوره صدام لحضور تشييع جنازة عمه. وعين الجنرال عميرام لفين قائدا للمجموعة التي ستخطط لها وتنفذها، وشكلت مجموعة من الضباط المقاتلين المختارين الذين تبرعوا لتنفيذ العملية، وكل منهم يعرف سلفا انها قد تفشل ويموتون او يقعون في الاسر العراقي، وبعد دراسة معمقة تقرر ان لا ترسل للعملية وحدة مظليين تقوم بالاغتيال عن قرب وان تتم عملية الاغتيال بواسطة صواريخ خاصة «ذكية» مزودة بكاميرات تمكنهم من استهداف صدام وسط حشد من المسؤولين وافراد اسرته وحرسه الخاص. وتم بناء مجسم لموقع العملية المخطط في تلك القرية من اجل التدرب عليه. وبنيت الخطة على النحو التالي: ان تقوم الطائرات الاسرائيلية بانزال قوة عسكرية محدودة بالطائرة في موقع ناء في منطقة تكريت. ومعها عدة سيارات جيب عسكرية تتقدم في ساعات الليل نحو هدفها وتستقر في موقع جبلي عشية الزيارة المقررة للرئيس العراقي الى قريته، ومن هناك تطلق الصواريخ على موكبه بحيث يقتل هو بالاساس واي عدد ممكن من مرافقيه وعندها تحضر الطائرات المروحية لنقل القوة العسكرية.

وصادق رابين على اجراء تدريب على هذه الخطة في 13 اكتوبر (تشرين الاول) 1992، قرب القاعدة العسكرية المعروفة «بتسئيليم»، بحضور رئيس الاركان، ايهود باراك، وكبار قادة الجيش.

لكن التدريب فشل، اذ ان احد الضباط اطلق صاروخا حيا باتجاه الضابط الذي لعب دور صدام حسين والضباط الذين احاطوا به، فقتل خمسة منهم على الفور وجرح اثنين آخرين. وبالمناسبة، فان الضابط الذي مثل دور صدام حسين لم يمت من ذلك الصاروخ بل اصيب بجراح خفيفة في قدمه وتحول ذلك التدريب الى فضيحة عسكرية كبرى في اسرائيل، فاعتبروها اهمالا، وهاجموا باراك اذ اتهموه بأنه ترك التدريب وغادر المكان بطائرته قبل ان يطمئن على الجرحى.

وبسبب هذه الفضيحة التي اشتهرت باسم «بتسئيليم ب»، الغيت خطة اغتيال صدام حسين في تلك السنة ولم يعد يطرح على بساط البحث الا نادرا.