سلطات بغداد تتوقع اكتمال الاستعدادات لمحاكمة صدام حسين بحلول الربيع المقبل وتستعد لمواجهة الرئيس المخلوع بـ12 تهمة

واشنطن لن تعترض على حكم الإعدام وسط دعوات دولية إلى محاكمة تلتزم الحياد وتكشف الحقائق

TT

يمكن أن تبدأ محكمة عراقية لمحاكمة الرئيس السابق صدام حسين بتهمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، إجراءاتها في الربيع المقبل، حسب تصريحات صدرت من قادة عراقيين وعن بعض المشرفين على تكوين المحكمة نفسها. وأحد مهندسي هذه المحكمة هو سالم الجلبي الذي صرح بأن القادة السياسيين والخبراء القانونيين شرعوا فعليا في مناقشة الاستراتيجية التي سيتبنونها في محاكمة صدام حسين. وقال الجلبي ان هناك اتفاقا على توجيه حوالي 12 تهمة محددة الى صدام، حتى لا يثقل كاهل المحاكمة وتغرق في التفاصيل. وستشمل هذه التهم استخدام الاسلحة الكيماوية ضد الأكراد عام 1988، وإعدام زعماء بارزين من الشيعة، وقتل المئات من القبائل السنية، بعد محاولة انقلاب. وقال القادة السياسيون والمسؤولون عن المحكمة، انهم يستطيعون إنجاز مهمتين أساسيتين من مهام المحاكمة وهما: تحضير موقع لاعتقال صدام، وتعيين القضاة والمحققين والمفتشين خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة. وقال الجلبي: «سنكون جاهزين في وقت وجيز، وسنتحرك بسرعة كبيرة».

ويعتبر هذا الإطار الزمني أسرع كثيرا مما كان يتصوره الأميركيون، مما يقوي من فرص النزاع بين القادة العراقيين المتعطشين للعدالة والاستخبارات الأميركية الحريصة على الحصول على معلومات تفصيلية من صدام حول أسلحة الدمار الشامل والصلات بالإرهاب العالمي والمقاومة الحالية. وقال مسؤولو الاستخبارات ان التحقيقات يمكن أن تستمر إلى ما بعد الربيع، لأنها تعتمد أساسا على درجة تعاون صدام واستجابته. كما أن سلطة التحالف ليست في عجلة من أمرها هي الأخرى لتسليم صدام إلى العراقيين، لأنها تريد أن تتأكد من اكتمال أعضاء المحكمة وموقع الاعتقال الجديد والاستجابة للاهتمام العالمي الذي ستحظى به المحاكمة.

وعلى خلاف المحاكم الخاصة التي أنعقدت لنظر جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة وفي رواندا، والتي شكلتها الأمم المتحدة، ويشارك فيها قانونيون عالميون ذوو خبرة في القانون العالمي لحقوق الإنسان، فإن المحكمة العراقية سيديرها العراقيون أنفسهم ولن يشارك فيها خبراء القانون الدوليون إلا كمستشارين. وقد طالب القادة العراقيون أن يشرفوا بأنفسهم على تكوين محاكم جرائم الحرب، وهو طلب استجابت له الإدارة الأميركية رغم التقييمات التي صدرت عن منظمات حقوق الإنسان بأن النظام القضائي العراقي فاسد وقليل الخبرات. وعندما وافقت الولايات المتحدة على المحاكم العراقية، صرح مسؤولو الإدارة وخبراء القانون بأنهم لم يكونوا يتوقعون محاكمة صدام أمام هذه المحاكم. وقال مسؤول كبير بسلطة التحالف: «هل سنقبض على صدام حسين حيا؟ لا أعتقد أن ذلك سيحدث». وقال المسؤولون الأميركيون انهم واثقون أن المحكمة الخاصة ستجري محاكمة عادلة للرئيس السابق. ورغم أن القانون الذي يقضي بتشكيل المحكمة أجيز فقط الاسبوع الماضي، من قبل مجلس الحكم العراقي، إلا أنه خضع للمراجعة من قبل سلطة التحالف والبنتاغون والبيت الأبيض. وقال مسؤول أميركي على صلة بالمحكمة الخاصة: «نعتقد أنها ستؤدي عملها على خير وجه». وكان الرئيس بوش قد تعهد في مؤتمر صحافي اول من امس بأن الولايات المتحدة «ستعمل مع العراقيين للوصول إلى طريقة لمحاكمة صدام حسين تستوفي شروط العدالة الدولية. ومن المهم جدا أن يكون لهم دور في العملية كلها، وسنعمل مع العراقيين لتطوير عملية التقاضي». وقال المسؤول الكبير ان محاكمة صدام ستحتاج إلى دعم أميركي إضافي وخاصة في ما يتعلق بتدريب ومراقبة القضاة والمحامين والمحققين، كما أنها ستحتاج إلى دعم مالي كبير. وقد حصلت إدارة بوش على 75 مليون دولار لتمويل التحقيقات ولكن نفقات إدارة المحكمة من المفترض أن تتحملها الخزينة العراقية. وقد شرع معهد الدراسات القانونية الدولية التابع لوزارة الدفاع (البنتاغون) في تنظيم ورشة عمل لمدة اسبوعين يشارك فيها أكثر من 80 قاضيا ومحاميا لتجديد وانعاش معارفهم القانونية الأساسية في مجتمع ديمقراطي. وفي احدى جلسات هذه الورشة تحدث المستشار القانوني لسلطة التحالف عن الطرق المختلفة التي يحمي بها الدستور الأميركي حقوق المتهم. لكن السرعة عامل مهم جدا في بغداد. فثمة إحساس بضروة الاستعجال لدى كل قطاعات الشعب العراقي بتقديم صدام حسين إلى المحاكمة. وقال موفق الربيعي، عضو مجلس الحكم الذي اعتقلته وعذبته أجهزة صدام «لا يمكن أن نؤجل هذا الأمر. فهو جزء لا يتجزأ من عملية المصالحة الوطنية. ولا يمكن أن تبدأ عملية المصالحة الوطنية إلا بعد أن نوضح للشعب أن الرجل الذي كان على قمة النظام، والذي كان مسؤولا عن الإرهاب الذي يتحدى كل وصف، قد وقف أمام العدالة». وقال بختيار أمين، اللاجئ العراقي السابق الذي اسس التحالف العالمي للعدالة، لكشف خروقات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظام صدام حسين، ان العراقيين يتطلعون إلى محاكمة عادلة ولكن سريعة. «ثمة تعطش غير عادي للعدالة». وقال الربيعي انه وبقية أعضاء مجلس الحكم يريدون محاكمة صدام قبل الآخرين جميعا «إنه يجب أن يكون أول من يحاكم. ويجب أن يعدم أولا».

ومع أن الخبراء القانونيين العالميين يعترفون بأهمية محاكمة صدام أولا، إلا أنهم أبدوا بعض القلق من بداية المحاكمات بأكثر قضاياها تعقيدا وأكثرها تغطية من وسائل الإعلام العالمي والمجتمع الدولي. وقال سالم الجلبي، وهو ابن أخ احمد الجلبي، ان الخبراء القانونيين العالميين المشاركين في تكوين المحكمة سيسلكون طريقا متوسطا بين التحرك السريع لإرضاء العراقيين والاستجابة لضغوطهم، والسرعة البطيئة التي يفرضها الالتزام باجراءات العدالة المعترف بها عالميا».

وقال أعضاء المجلس انهم ناقشوا توقيت محاكمة صدام في اجتماع اول من امس مع بول بريمر الحاكم المدني الأميركي. وقالوا ان بريمر ابلغهم بأن المحكمة والمنشأة التي سيحتجز فيها صدام، يجب أن تكونا جاهزتين قبل تسليمه للمجلس. وقال المسؤولون العراقيون انهم يتوقعون الوصول إلى اتفاق مع سلطة الاحتلال خلال الأسابيع القليلة المقبلة حول استخدام أحد السجون الموجودة حاليا لاحتجاز المعتقلين. وسيعين القضاة الذي يرأسون المحاكمة مجلس القضاء المستقل ويوافق عليه مجلس الحكم، وهي عملية يمكن أن تستغرق عدة أسابيع. ويجب تعيين كل المحققين والمدعين، وقال المسؤولون انهم حددوا عددا كبيرا من الاسماء. وقال احمد الجلبي ان بريمر ابلغ المجلس انه فور تعيين قضاة للتحقيق وتوجيه الاتهام الى صدام، يمكن للقضاة استجواب الرئيس المخلوع. واضاف ان المجلس ينوي تعيين لجنة من ثلاثة قضاة تحقيق في الايام القليلة المقبلة.

تجدر الاشارة الى ان الشيء الوحيد الذي لدى هيئة المحكمة هو مبنى مقر للمحكمة في المتحف السابق للهدايا التذكارية لصدام في منطقة محصنة تحصينا شديدا في بغداد بالقرب من مقر سلطة الاحتلال. وبالرغم من ذلك فإن القادة السياسيين وغيرهم من المشاركين مع هيئة المحكمة بدأوا في وضع خريطة لاستراتيجيات الادعاء. وقال سالم الجلبي «بالنسبة للبعض مثل صدام حسين، فإننا في حاجة الى التفكير في كيفية التعامل مع هذه القضية. ولا نريد محاكمته عن كل جريمة لان ذلك سيستغرق وقتا».

وقال الجلبي ان إعداد قضية للتطهير العرقي، وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، ستتطلب من المدعين التركيز على 12 قضية لاكثر الجرائم وحشية التي تمت في عهد صدام. ولارضاء العديد من الاطراف فإن القضية ستشمل ضحايا من الجماعات العرقية والدينية. وقال الجلبي «يجب علينا تحقيق توازن دقيق. فلن نعد قضية ضده عن كل ما فعله. فهذا سيجعل القضية تستمر لسنوات». لكنه اضاف «لن ننتهي على هذه القضية في اسبوع او اسبوعين». الى ذلك، قال القاضي العراقي دارا نور الدين الذي شارك في وضع ميثاق محكمة جرائم الحرب في العراق امس ان المحكمة لن تكون مستعدة لمحاكمة الرئيس المخلوع صدام حسين قبل شهور وانها قد تسمح لقضاة من دول اخرى بالمشاركة في المحاكمة. واضاف نور الدين وهو عضو في مجلس الحكم ان اي قرار باعدام صدام سيكون في يد الحكومة الانتقالية المقرر ان تتشكل العام المقبل. وقرر مجلس الحكم اول من امس انشاء مراكز عدة في العراق لتسلم الدعاوى المرفوعة ضد صدام. واكد الناطق باسم مجلس الحكم انتفاض قنبر ان صدام سيخضع لـ«محاكمة عادلة» ترمز الى «العراق الجديد الذي يحاسب القادة فيه على اعمالهم». وقال قنبر لتلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) ان «السياسيين والشعب العراقي يريدون ان تكون هذه المحاكمة الاولى من نوعها في الشرق الاوسط». من جهة اخرى، اوضح قنبر ان عناصر حزب البعث الحاكم سابقا لن يلاحقوا. وقال «يمكنهم الانضمام الى العراق الجديد الا اذا كانوا ارتكبوا جرائم. وفي هذه الحال، فسيحاكمون ويدانون». وقال رئيس الادارة الكردية في السليمانية برهم صالح انه من خلال محاكمة صدام حسين «ينبغي ان يثبت العراق انه بات يقوم على العدالة وسيادة القانون». وقال صالح ان «الاسرة الدولية يجب ان تكون مشاركة»، غير انه اكد ان «المحكمة يجب ان يترأسها قضاة عراقيون في العراق». واوضح برهم صالح «سنحتاج الى مساعدة الاسرة الدولية والمؤسسات الدولية لنتحقق من ان المحاكمة ستكون عادلة وشفافة».

من جهته، قال عضو مجلس الحكم يونادم كنا ان صدام يجب ان يعاقب بالاعدام، لكن تنفيذ الحكم يمكن ان يؤجل حتى استعادة العراق سيادته الكاملة في يوليو (تموز) المقبل. وقال كنا في مؤتمر صحافي في مركز الصحافة الاجنبية في باريس ان «عقوبة الاعدام ممكنة لانها تطبق حتى في الولايات المتحدة نفسها». واكد ان العراق قادر على تشكيل محكمة لمحاكمة الرئيس السابق. وقال كنا «نملك تجربة كافية في العراق الذي يضم اكثر من 750 حقوقيا درسوا في فرنسا واميركا وبريطانيا، ونستطيع محاكمته في العراق امام محكمة وطنية». واضاف ان «معارضة السلطات البريطانية لعقوبة الاعدام تفاجئنا. صدام حسين قتل اكثر من 5 ملايين شخص، ونحن مستغربون لوجود اشخاص يبكون من اجله».

واعلن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الاميركية اول من امس ان واشنطن لن تعترض في حال صدر حكم بالاعدام على الرئيس المخلوع شرط ان يكون ذلك في ختام محاكمة «عادلة». وقال هذا المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته لمجموعة من الصحافيين حول هذه المسألة، ان «ما نريده هو ان تجرى محاكمة عادلة وتتسم بالشفافية والمصداقية» يقوم بها العراقيون انفسهم لمحاكمة الديكتاتور العراقي السابق. واضاف المسؤول ردا على سؤال عن احتمال صدور حكم بالاعدام على صدام حسين، انه «في حال تحقق ذلك فاننا سنكون راضين ايا كان الحكم الذي يرون انه مناسب اذا صدر بطريقة عادلة».

وكان الرئيس جورج بوش قد اعلن في وقت سابق ان محاكمة صدام ستجرى وفق المعايير القانونية الدولية. وقال بوش فى مؤتمر صحافي بالبيت الابيض اول من امس ان الولايات المتحدة «ستعمل مع العراقيين لايجاد وسيلة لمحاكمته». وأوضح انه «لا بد من اجراء محاكمة علنية وانني واثق من ان ذلك سيتم بشكل عادل». وشدد بوش على ان العراقيين لا الولايات المتحدة هم الذين يجب ان يقرروا ما اذا كان يمكن ان يواجه عقوبة الاعدام. واضاف «ما ينبغي ان يحدث هو تقديمه الى ساحة العدالة وينبغي ان يكون للمواطنين العراقيين دور كبير في وضع نظام لتقديمه الى العدالة. وينبغي ان تجرى محاكمة علنية وان تكشف كل الفظائع». ولم يقل بوش صراحة ما اذا كان يؤيد امكانية الحكم على صدام بالاعدام. لكنه قال «لدي ارائي الشخصية. هذا دكتاتور وحشي. انه شخص قتل الكثير من الناس. لكن ارائي الشخصية ليست مهمة في هذا الموضوع... سيكون على العراقيين ان يتخذوا هذه القرارات». ودعا وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان امس امام النواب الفرنسيين الى ان الحكم على صدام يجب ان يكون حكما عراقيا. وقال «بات الآن في وسع الشعب العراقي ان يقوم بشأنه الضروري ويستعيد ثقته في المستقبل. والحكم الذي ينبغي ان يصدر في حق صدام حسين يجب ان يكون حكما عراقيا، يراعي القانون وقواعد الحياد التام». من جهته، دعا وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر الى محاكمة عادلة لصدام من اجل كشف «الحقائق» والاسراع بعملية المصالحة الوطنية في العراق. وقال فيشر للصحافيين في القاهرة بعد محادثات مع الرئيس المصري حسني مبارك حول الشرق الاوسط والعراق «اعتقد انه من المهم جدا ان تكون المحاكمة عادلة».

من جهته، اعلن كوفي انان الامين العام للامم المتحدة انه لا يؤيد ان يواجه صدام حكم الاعدام. واضاف قائلا «اعتقد ان هذا يجب ان يجري خلال محاكمات مفتوحة في محاكم قانونية اقيمت على نحو ملائم تحترم الاعراف والمعايير الدولية الاساسية بما في ذلك احترام القوانين الانسانية الدولية». من ناحيتها، اعربت اليابان عن تأييدها لمشاركة دولية في المحاكمة. وقال الناطق باسم الحكومة ياسوو فوكودا خلال مؤتمر صحافي «من المهم اعتماد اسلوب يسمح للعراقيين وافراد الاسرة الدولية بأن يكونوا راضين». وذكر فوكودا بنظام صدام حسين «الديكتاتوري»، مؤكدا ان «العراق دعم الارهاب الدولي وخالف القرارات الدولية».