جدل حول أوراق العمل باللقاء الثاني للحوار الوطني في السعودية.. ودعوة 9 سيدات لأول مرة

مفكرون يخشون تحول المسار لبحوث أكاديمية وغلبة توجه واحد ومنظمو اللقاء يدافعون بأن الهدف تجنب «الكلام المفتوح»

TT

دعا مفكرون وأكاديميون سعوديون الى عدم تحول مسار مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، عن فكرته الرئيسية إلى مجرد مؤسسة للبحوث الأكاديمية.

وتساءل أحد المفكرين السعوديين المشارك في فعاليات اللقاء الثاني بمكة، عن مغزى طلب إدارة المركز لعدد من الباحثين، وبشكل غير معلن، إعداد بحوث وأوراق عمل لطرحها أمام المشاركين.

يذكر أن أمانة مركز الحوار الوطني في الرياض، طلبت وللمرة الأولى، من 15 باحثا وطنيا، إعداد بحوث علمية وسياسية وثقافية وإعلامية وأوراق عمل تتعلق بمحور اللقاء الفكري الثاني للحوار الوطني الذي افتتح البارحة، وستبدأ جلساته صباح اليوم الأحد في مكة المكرمة تحت عنوان «الغلو والاعتدال.. رؤية منهجية شاملة». وقال الكاتب والمفكر السعودي الدكتور تركي الحمد: «على الرغم من اعتقادي أن الحوار لا يحتاج إلى مؤسسة، وإلا أصبح حوارا نخبويا لا يصل إلى المواطن البسيط، إلا أن إنشاء مركز للحوار الوطني فكرة رائدة ومتقدمة لحاجتنا إلى نشر قيم التسامح بين فئات المجتمع كافة». وأضاف: «إن اجتماع النخب وقادة الرأي في اللقاء الفكري الثاني بمكة المكرمة في حد ذاته، شيء طيب، لكن الأهم ليس تجميع أكاديميين لكتابة بحوث ومناقشتها بقدر ما هو رعاية الحوار الذي يجب أن يساهم فيه المجتمع كله».

ويرد الدكتور راشد الراجح نائب رئيس اللقاء الثاني للحوار الوطني بمكة المكرمة على هذه التخوفات، بقوله «هذا المركز أنشئ بناء على توصيات اللقاء الأول في الرياض، التي توجت بموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وولي عهده الأمير عبد الله بن عبد العزيز». وأضاف «إن المركز أعطي صلاحيات ومهام معينة ومحددة لا تتعارض مع مجلس الشورى ولا مراكز الأبحاث الأخرى، ومهمته تتعلق بالوحدة الوطنية، ومع كل ما له علاقة على تمتينها والمحافظة عليها. ففي هذا المركز تصب الأبحاث والطروحات والأراء التي تناقش فيه في سبيل المحافظة على هذه الوحدة بجميع مكوناتها. هذا تركيز للنقاش، وليس ناتجا عن رؤية سياسية، وكل هذا ينبع من المجتمعين الذين يمثلون أطيافا متنوعة من المجتمع. فمنهم العالم الشرعي، والمثقف، والمفكر، ورجل الأعمال، وفيهم المعلم والمربي وهكذا، وهؤلاء تقريبا أعطيت لهم كامل الحرية ان يقترحوا ما يرونه مناسبا لهذا الحوار».

أما وضع ورقة عمل أمام المناقشين فيقول الراجح «هذا شيء وارد حتى لا تبقى المسألة من غير تنظيم. نجاح أي لقاء أو مؤتمر للمناقشات إن لم ينظم فسيصبح مجرد كلام مفتوح بدون ضوابط. فوجود الإدارة للتنظيم فقط، ولا تفرض رأيا معينا أبدا ، فمهمة رئاسة الحوار هي تنظيم الحوار لا أقل ولا أكثر».

وكان الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين، رئيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، قد دعا أكثر من ستين شخصية من العلماء والمفكرين والإعلاميين في المملكة للمشاركة في هذه الفعالية التي ستستمر حتى الثامن من شهر ذي القعدة الجاري ولمدة خمسة أيام، عبر عدة جلسات وندوات في فندق «مترو بوليتان بالاس» القريب من المسجد الحرام. يذكر ان المركز رفع حالة السرية التي شهدتها جلسات اللقاء الوطني الأول في العاصمة الرياض خلال الفترة من 15 إلى 18 يونيو (حزيران) الماضي، بمشاركة نحو 35 شخصية سعودية يمثلون مختلف فئات المجتمع بأطيافه المتعددة. وحسب أحد المتابعين اللذين أطلعوا على بحوث وأوراق العمل المقدمة للمركز، يرى أن معظم هذه الأبحاث المقدمة غلب عليها منظور تيار فكري معين وهو ما يسميه البعض «التيار الأصولي».

ويعلق الدكتور تركي الحمد الذي لم توجه له دعوة لحضور فعاليات مركز الحوار الوطني على قول المتابع: إذا صح ما يقال من أن معظم أوراق العمل المقدمة في لقاء مكة تخرج من فكر واحد، فهذه تنفي عنها صفة الحوار. وأشار الحمد الى أن دعوة ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز واضحة وصريحة وهي «اجتثاث الإرهاب من جذوره، وعدم السماح لأي إنسان أن يبرر هذا الإرهاب».

واضاف: «أن الحوار يجب أن يحرر من البحوث الأكاديمية، فلو وصلنا الى نتائج في غاية الروعة. يخرج السؤال ثم ماذا؟ اللهم إلا إذا كان هذا القرار يخلص الى تقرير يرفع الى ولي الأمر ومتخذ القرار يفيد بأن توصلنا الى هذه التوصيات، وبناء عليها يتخذ صاحب القرار قراره بشكل أو بآخر. لكن هناك ثغرة هل المجتمعون يمثلون كافة أطياف المجتمع، لأنك إذا قدمت هذه التوصيات، بناء على إتجاه واحد فمعناه أننا لم نصل الى التعددية المطلوبة، أو الحوار المطلوب بين ألوان الطيف الاجتماعي».

يذكر أنه وللمرة الأولى يتم فتح المجال للسيدات السعوديات، وتم دعوة 9 سيدات للمشاركة في الحوار الوطني. كما تم توجيه الدعوة الى شخصيات جديدة تختلف في طرحها وحضورها في المجتمع السعودي عن الشخصيات التي حضرت اللقاء الوطني الأول في الرياض. ومنهم الدكتور حمد المرزوقي، والمحامي محمد سعيد طيب، والكاتب والصحافي مشاري الذايدي، والدكتور حمزة بن قبلان المزيني، والكاتب والباحث عبد الله بن بجاد العتيبي، والمحامي والقاضي السابق الشيخ عبد العزيز القاسم.

بدوره رد الدكتور الراجح على من يقول بأن أوراق العمل والأبحاث المقدمة، أنها تنحاز لتيار فكري واحد بقوله: أولا هذا حكم مسبق، الحوار لم يبدأ بعد، وكان من الملاحظات التي سجلت على اللقاء الأول أنه لم تكن هناك أوراق عمل. وكان المقصود منه أن يتم التقريب بين وجهات النظر وجمع هذه النخبة المختارة للتفاهم الأخوي، ثم أنطلقنا من هذه الأراء ولا أقول تيارات، التي كان لها دور كبير في بناء الفكر الوطني، ورأى المجتمعون أن وجود موضوع محدد لكل لقاء أفضل من بقائه عائما بدون تحديد. هذه الأبحاث المقدمة هي مجرد ورقة عمل للمتحاورين، وبالأمكان أن يقروا هذا البحث أو يغيروه. إذن لا يفرض موضوع معين على المتحاورين، إنما ورقة عمل تقدم لتنظيم اللقاء. ومن حق المتحاورين أن يتناولوه من وجهات نظر متنوعة، وأن يقولوا ما يشاؤون فيها، ومن ثم تجمع هذه الأراء في بوتقة معينة ويصاغ ما يتوصلون إليه من رأي، ومن ثم يعرض عليهم ثم يعلن عنه في وسائل الإعلام.

من جهته قلل الدكتور عبد المحسن هلال أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، من شأن هذه المخاوف. مشيرا إلى أن تحديد عنوان للقاء سوف يركز الحوار بدلا من البحث والنقاش في مواضيع شتى. «هناك موضوع محدد عن الغلو علينا أن نبحثه، وقيام المركز بتوزيع هذه الأبحاث قبل المؤتمر، يعني انتهاجه طريقة علمية لوضع خطوط عامة لمسألة النقاش. لكن هذا لا يعني، في تقديري، أن هذه الأبحاث التي قدمت سوف يتم تبنيها، نقرأها نعم، لكننا قد ننتهي منها ثم ننتقل إلى قضايا أخرى قد نراها أعمق وأقوى من هذه الأبحاث. وفي اعتقادي أن هذه الأبحاث مجرد مؤشرات لنقاط معينة رأت أمانة المؤتمر أن تبدأ بها».

وعبر الدكتور الهلال عن قناعته بأن النقاش مع مجموعة تعتبر من قادة الرأي ونشر الوعي في المجتمع المشاركين في اللقاء، سينطلق به إلى آفاق أوسع للخروج برؤية مشتركة للقضايا التي يتبناها المجتمع. أضاف: علينا أن نتخوف جميعا من أن يتحول الحوار إلى «صراع ديكة» أو مجرد تنفيس عن النفس. لذلك كان سؤالنا الأول دائما هو عن مصير نتائج توصيات المؤتمر الأول في الرياض، فإذا لم تفعل هذه التوصيات أولا بأول، فسيتحول المؤتمر فعلا إلى مؤتمر أكاديمي للتنفيس عن النفس ولتبادل الرأي والمشورة النظرية فقط لا غير.

وأعرب أستاذ العلوم السياسية عن سعادته للسماح لوسائل الإعلام بتغطية هذا اللقاء. متمنيا أن يتم نقل أحداث جلساته مباشرة لأن ليس الغرض منه حوارا للنخبة، ولكن للفائدة التي يجب أن تعمم للجميع، وهو ما سيساهم في زيادة مستوى الوعي في فكر المجتمع تجاه القضايا المتمددة والمنتشرة فيه. وقال: صحيح كلنا متفقون على وجود الغلو، وأن درجة سيطرته على التفكير والثقافة في البلد كبيرة جدا، لكن لا يمكن اكتساحه فجأة هكذا دونما أن نضع المبادئ والبراهين التي تقنع الإنسان المغالي بأنه وقع في الغلو فعلا، وبالتالي نتحاور معه حول هذه المبادئ.