نص البيان الختامي والتوصيات للقاء الوطني الثاني للحوار الفكري في مكة المكرمة

TT

فعملا بقواعد الشريعة القائمة على رعاية مصالح الخلق، والاهتمام بالشأن العام، وقياما بالمسؤولية الملقاة على علماء الأمة ومفكريها، ووصلا للقاء الوطني الأول للحوار الفكري وما تلاه من صدور الموافقة السامية على اقتراح اللقاء بإنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، عقد اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري بمكة المكرمة في الفترة ما بين 4 ـ 8 ذي القعدة 1424هـ الموافق 27 ـ 31 ديسمبر 2003، في عملية بناء وترسيخ لفكرة الحوار ليكون أسلوب حياة ووسيلة أولية للتعرف على الحقائق واتجاهات الرأي العام، لتوضع أمام الجهات المعنية بالإصلاح والعاملة في سبيله.

وقد اشترك في هذا اللقاء مجموعة من العلماء والمفكرين والمثقفين من المواطنين والمواطنات، يمثلون وجهات نظر فكرية متنوعة، وكان موضوع اللقاء: «الغلو والاعتدال: رؤية منهجية شاملة»، واختير الموضوع بعناية، إدراكا لخطورة الغلو، وعظيم ضرره على البلاد والأمة، بل على العالم بأسره، واعتبارا للسياق الزمني الذي نعيشه وما شهده من ألوان الغلو التي ظهرت آثارها.

ولقد حررت أوراق عمل في موضوع اللقاء من قبل خبراء مختصين لتشمل معالجة الموضوع من النواحي الشرعية والاجتماعية والنفسية والتربوية والسياسية والاقتصادية والإعلامية لبلورة رؤية واضحة متوازنة في هذا الأمر، بما يؤدي إلى تفعيل الطرائق الحميدة المفضية إلى إبعاد رياح التشدد والغلو عن هذا الوطن، بما يحافظ على اللحمة الوطنية، وتماسك المجتمع في زمن يعج بالحركات غير السوية التي تحرف تعاليم الدين وتناقض مقاصده.

وقد هدف اللقاء إلى دراسة المشكلة وأسبابها وتحليل عواملها للخروج باقتراحات تساعد على مواجهة مظاهر الغلو. وقد شارك في هذا اللقاء ستون مشاركا ومشاركة من العلماء والمثقفين وقادة الرأي في المجتمع كما شارك خمسة عشر باحثا من ذوي الاختصاص.

وقد تناول المجتمعون موضوع الغلو والاعتدال في أربع عشرة جلسة عمل، وحفلت الجلسات بالمناقشات الحرة والصريحة والهادفة لمحاور اللقاء وهي:

أولا ـ المحور الشرعي:

تضم دراسة المفاهيم والمصطلحات لظاهرة الغلو من خلال الكتاب والسنة، وبحثا لإشكالية الغلو في نظرة شرعية شاملة، ومظاهر الغلو المعاصرة في التكفير، والولاء والبراء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعامل مع غير المسلمين، والغلو في التشديد على النفس والغير، بالإضافة إلى الصلة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق المواطنة وواجبهاتها، وعلاقة ذلك بالغلو والاعتدال.

ثانيا ـ المحور النفسي والاجتماعي:

اشتمل هذا الحوار على موضوعات ذات صلة بالجوانب النفسية والاجتماعية مثل:

سمات الشخصية المتطرفة، وتأثير التربية والتنشئة الاجتماعية في البيئة المحلية، ثم رؤية اجتماعية للتربية الدينية في المجتمع السعودي.

ثالثا ـ المحور التربوي:

وتضمن أثر المناهج الدراسية الدينية، ودور المعلم وطبيعة المجتمع في تحقيق الوسطية والاعتدال، ودور التعليم في إيجاد أنماط التفكير السوي وبناء الشخصية المتزنة، بالإضافة إلى مناقشة الأنشطة التربوية غير الصفية، وأثرها في تحقيق الغلو أو الاعتدال.

رابعا ـ المحور السياسي والاقتصادي:

ناقش هذا المحور أهمية المشاركة الشعبية فكرا وتطبيقا في معالجة الغلو في المجتمع وعلاقتها بالحريات وحقوق الإنسان، كما ناقش كيفية التعاطي مع قضايا المسلمين على الساحة الدولية، كما تناول هذا المحور دراسة العامل الاقتصادي وأثره في الغلو، وعلاقته بظواهر وعوامل أخرى مثل: الفقر والبطالة وإدارة المالية العامة، والنمو الاقتصادي والتنمية المتوازنة.

خامسا ـ المحور الإعلامي:

ناقش هذا المحور التناول الاعلامي لظاهرة الغلو، وشدد على أهمية حرية التعبير في وسائل الإعلام المختلفة وأثر ذلك في معالجة الغلو، كما تناول الخطاب الديني في وسائل الإعلام المختلفة ودوره في مواجهة الغلو وتحقيق الوسطية والاعتدال.

وبعد المناقشات خلص المتحاورون إلى التأكد على الوحدة الوطنية السعودية القائمة على أساس الإسلام عقيدة وشريعة.

وأن ما يشهده العالم والمملكة العربية السعودية جزء منه من أعمال إرهابية يؤكد المشاركون على رفضها، ويدعون إلى مزيد من التكاتف لمعالجتها، خاصة ما شهده العالم وبلادنا من تفجيرات مدمرة، قتلت الأنفس البريئة وانتهكت الحرمات، وروعت الآمنين، ودمرت الممتلكات.

كما يوصي المشاركون وبعد دراسة مستفيضة بما يلي:

1 ـ دعوة المؤسسات العلمية الشرعية، للاتفاق على تحديد المفاهيم والمصطلحات ذات الصلة بالغلو مثل: الارهاب وجماعة المسلمين ودار الحرب ودار الكفر ودار الاسلام والطائفة المنصورة... الخ.

2 ـ الدعوة لدراسة علمية شاملة ومعمقة لظاهرة الغلو في المجتمع السعودي: اسبابها ومظاهرها وآثارها وعلاجها، لتبنى في ضوئها استراتيجية شاملة للمعالجة.

3 ـ تسريع عملية الاصلاح السياسي، وتوسيع المشاركة الشعبية من خلال: انتخابات اعضاء مجلس الشورى، ومجالس المناطق، وتشجيع تأسيس النقابات والجمعيات التطوعية، ومؤسسات المجتمع المدني.

4 ـ تطوير وسائل الاتصال بين الحاكم والمحكوم، والفصل بين السلطات الثلاث: التنظيمية والقضائية والتنفيذية.

5 ـ التأكيد على ضبط الشأن الاقتصادي بما يحافظ على المال العام، واولويات الانفاق للصرف على الاحتياجات الاساسية للمواطن وفق برامج تنموية متوازنة وشاملة، والتأكيد على خفض الدين العام وفق آلية صارمة، وتحقيق مبدأ الشفافية والمحاسبة حول ذلك.

6 ـ الدعوة الى تجديد الخطاب الديني، بما يتناسب والمتغيرات المعاصرة، مع الفهم الواعي لاحوال العالم الخارجي، والتعاطي معها بانفتاح، ومتابعة وتفاعل.

7 ـ التأكيد على رفض الفتوى الفردية في المسائل العامة التي تمس مصالح الامة ومستقبلها، كقضايا الحرب والسلم، وان يوكل ذلك الى الجهات المؤهلة للفتوى، والارتقاء بمستوى ادائها وآليات عملها.

8 ـ ترسيخ مفاهيم الحوار في المجتمع السعودي، وتربية الاجيال في المدارس والجامعات على ذلك مع فتح ابواب حرية التعبير المسؤولة التي تراعي المصلحة العامة.

9 ـ تطوير مناهج التعليم في مختلف التخصصات على ايدي المتخصصين، بما يضمن اشاعة روح التسامح، والوسطية، وتنمية المهارات المعرفية، للاسهام في تحقيق التنمية الشاملة، مع التأكيد على ضرورة استمرار المراجعة الدورية لها.

10 ـ دعم المناشط الطلابية غير الصفية، وتحديد الياتها، وانشاء مراكز للشباب الذكور واخرى للاناث داخل الاحياء السكنية، تتولى تنظيم البرامج الهادفة، والاهتمام بحاجات الشباب لتنمية روح الابداع والابتكار، مع تأهيل المشرفين عليها، وفق ضوابط محددة.

11 ـ رصد الظواهر المجتمعية السلبية، ووضع الخطط المستقبلية لمعالجتها، بالتعاون بين الجامعات ومؤسسات البحث العلمي.

12 ـ تعزيز دور المرأة في كافة المجالات، والدعوة لتأسيس هيئات وطنية متخصصة، تعنى بشؤون الطفل والمرأة والاسرة.

13 ـ الدعوة لفتح الباب لمن يريد الاقلاع عن العنف والافساد في الارض، والرجوع عن اخطائه، وعدم نبذه، والتشدد في معاملته، والعمل على ادماجه بالمجتمع.

14 ـ تأمين المحاكمة العادلة امام القضاء للمتهمين بقضايا العنف والارهاب، وتمكينهم من اختيار محامين عنهم، يلتقون بهم كلما رغبوا في ذلك.

15 ـ وضع استراتيجية شاملة تساعد على استقطاب الشباب وتبعدهم عن الغلو والتطرف وتوفير فرص التوظيف والتدريب والتأهيل والتوسع في برامج القبول في مؤسسات التعليم المختلفة.

16 ـ التأكيد على التوازن في الطرح الاعلامي لقضايا الدين والوطن، ووضع منهجية علمية لذلك، مع البعد عما يثير الفرقة والشتات، ويراعي التنوع الفكري والمذهبي.

17 ـ الاهتمام بالخطاب الاعلامي الخارجي وتطويره لمواجهة التحديات المعاصرة، والدعوة لانشاء وحدة متخصصة بمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني تعنى بحوار الحضارات والثقافات والدراسات المتعلقة بها.

18 ـ اوصى المشاركون بأن يكون موضوع اللقاء الثالث واحدا من الموضوعات التالية:

* العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

* حقوق المرأة وواجباتها.

* المشاركة الشعبية السياسية.

* التعليم.

وفي الختام يتوجه المشاركون بالشــــكر والامتنان لخادم الحــــرمين الــــشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وولي عهــده الامين الامير عبد الله بن عبد العزيز، والنائب الثاني الامير سلطان بن عبد العزيز، على التسهيلات التي قدمت للمشاركين اثناء هذا اللقاء، ويتوجه المشاركون بالدعاء لله عز وجل ان يحفظ لهذه البلاد امنها وامانها، انه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.