عراقيات يحرسن حدود بلادهن مع إيران

إحداهن: كلما تراجعت معنوياتي أتذكر تلك المرأة العابرة التي قالت لي: إنك تقومين بعمل عظيم لبلادك

TT

«كيف تسمح لك عائلتك بالعمل في وظيفة مثل هذه؟» «انت تثيرين الخزي» «خلقت النساء للبقاء في البيوت» في كل يوم تبدأ مثل هذه التعليقات فور ان تضع شيماء رسول بندقيتها الرشاشة من طراز «كلاشنيكوف» على كتفها وتخرج من الثكنات نحو الوادي الذي تغطيه الثلوج ويفصل بلادها عن ايران. وشيماء و53 فتاة اخريات هن اعضاء في وحدة تتولى حراسة الحدود العراقية مع ايران التي تمتد الى 920 ميلا. وباعتبارها اول وحدة حراسة حدود من النساء، اصبحت محط أنظار الاف الناس الذين يعبرون بين الدولتين كل يوم.

وقالت شيماء انه عندما يشاهد الناس الدوريات التي ترتدي أعضاؤها زيا بنيا ويحملن الاسلحة، فإن رد فعلهم لا يزيد عن امرين «اما الغضب او الخوف». وتجدر الاشارة الى انه في ظل حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كان العراق دولة علمانية، وكانت النساء ـ ولا سيما في المناطق المدنية ـ متحرارات من عديد من القيود المفروضة عليهن في دول اخرى. وطبقا لنفس الفرص التي يتمتع بها الرجال والنساء في التعليم والوظائف، فإن العديد من النساء وصلن الى احتلال وظيفة مهمة. غير ان الفراغ القيادي في عراق ما بعد الحرب تشغله قيادات دينية بصفة اساسية، يدافع العديد منهم عن نظام حكم اكثر التزاما بالدين من دولة صدام البعثية. وتأمل سلطة الاحتلال الاميركية قبل مغادرة العراق في ضمان حق المرأة وتقديره. وتنفق الولايات المتحدة ملايين من الدولارات والمزيد من الجهود لخلق مراكز لدعم النساء، وجماعات لتشجيع النساء على العمل الحر، ومراكز لتدريب النساء على الوظائف وحلقات دراسية ثقافية وسياسية.

ومن المؤكد ان مبادرة دوريات الحدود هي اكثر هذه المشاريع وضوحا.

وقال الرقيب ديفيد سبنسر ساليس الذي يخدم مع الفرقة 101 المحمولة جوا ويساعد في تدريب الضابطات «نحن نعبر العديد من الحدود الثقافية».

ومثل هذه الجهود حظيت بتأييد وتشجيع العديد من العراقيين الذين يشيرون الى ان المرأة تمثل 60% من سكان العراق. وقد ضغطت بعض الجماعات على سلطات الاحتلال لبذل المزيد من الجهود في هذا المجال، واشارت الى ان بين اعضاء مجلس الحكم العراقي، البالغ عددهم 25 عضوا، ثلاث نساء فقط، كما لا توجد نساء في اللجنة التي تعد دستور البلاد.

وفي النجف، اجبرت قاضية عينتها الولايات المتحدة على الاستقالة بعد اعتراض رجال الدين. وفي بغداد وزع بعض الرجال منشورات تدعو الى استبعاد النساء من المجالس المحلية التي تعتبرها سلطات الاحتلال مثالا على التعددية. واوضح حيدر النصراوي المتحدث باسم حسين الصدر وهو رجل دين شيعي بارز «ان قوات الاحتلال لم تفهم انها لا يمكنها فرض الفكر الغربي على مجتمعات اسلامية».

ويؤكد العديد من القيادات الشيعية والسنية البارزة ان الادوار المختلفة للنساء والرجال في المجتمعات الاسلامية لا تعني ان النساء مقهورات، بل على العكس فإن المرأة تحظى بالاحترام والتقدير ويجب السماح لها بالعمل فقط في مواقع تحظى فيها بالاحترام. وقالوا انهم يدافعون عن المبادرة بالترويج لوصول النساء الى اعلى مراتب المجتمع ـ كطبيبات واساتذة جامعة ومحاميات ومثل ذلك ـ ولكن السماح لهن بالخدمة في الشرطة والجيش وحرس الحدود او غيره من وكالات الامن هو اهانة في رأيهم.

وقال حارث الضاري، وهو شيخ سني، ان اعتراضه لا ينبع من رأيه بخصوص قدرات المرأة ولكن من منطلق ما اذا كانت وظيفة ما «ستضمن لها كرامتها وتنفيذ مهمتها الانسانية المقدسة في الحياة». وفي البداية كانت وحدة الحدود النسائية متعلقة بالجانب العملي وليس بالسياسة.

ولكن بسبب المحظورات الدينية والفكرية في التلامس بين النساء والرجال غير المتزوجين، فقد كانت وحدة حراسة حدود من الرجال فقط لا يمكنها تفتيش النساء. وطالب الميجور جنرال ديفيد بتراوس الذي يتولى قيادة الفرقة 101 المحمولة جوا مسؤولية شمال العراق النساء الانضمام الى قوات الامن العراقية الجديدة التي كانت سلطات الاحتلال تحاول تشكيلها. وقال انه كان قلقا من احتمال استخدام الارهابيين للنساء لنقل المعدات والرسائل.

وقد استجابت عدة عشرات من النساء للطلب. وكانت هناك مدرسات وموظفات وربات بيوت بالاضافة الى بعض المقاتلات السابقات في قوات البيشمركة.

وكلف جنود القوات الخاصة في الفرقة 101 المحمولة جوا بمسؤولية التدريب، وفي البداية شعروا بالقلق من ان النساء سيكن خائفات وضعيفات. وقال الرقيبان جاكوب ديكسون ولويس غيتلين انهما فوجئا عندما اكتشفا ان النساء كن أفضل من الرجال في المهمات التي تتطلب تحفيزا. وقال ديكسون «انهن يجدن القنابل بصورة أسرع ويفتشن بصورة اسرع». وأضاف غيتلين انه «كان لدى النساء شيء يردن البرهنة عليه، ولهذا فانهن يأخذن الأمور بجدية أكبر».

وتبعد محطة بشمة الحدودية ساعتين عبر طريق جبلي من السليمانية التي تعتبر أقرب مدينة كبيرة. وبين بشمة ونقاط التفتيش الأخرى هناك ممر متعرج يمتد أميالا مليء بالألغام ولكن هناك طرقا سرية أنشاها المهربون عبر القرون.

وتتراوح أعمار النساء العاملات في حرس الحدود بين 17 و54 عاما. وبينهن شابات ما زال الصبغ ظاهرا على أظافرهن ونساء صارمات بان على وجوههن الذبول يحملن عددا من المسدسات والسكاكين اضافة الى بنادق «أي. كي 47» التي أعطيت لهن.

بعضهن التحقن من أجل المال حيث يتراوح الراتب الشهري بين 120 و140 دولارا. أما الأخريات، مثل شيماء، 21 عاما، والسمراء النحيفة التي تشد شعرها مثل ذيل الحصان مما يجعلها أصغر، فقد التحقت لأنها تركت يتيمة منذ صباها. وقررت آفتو محمد صالح، 54 عاما، الالتحاق لأن الحكومة السابقة سجنت ابنها البالغ 13 عاما بزعم ان زوجها يعارض صدام حسين.

وقالت نقشه علي قادر، 54 عاما، قائدة فصيلة النساء في بشمة «ان كل امرئ لديه شقيق أو أب أو ابن عم قتل على يد صدام».

وتخدم النساء في بشمة الى جانب وحدة للرجال. وهن يبحثن عن الأشخاص، وفي الغالب الأعم نساء، ممن يأتين عبر المخافر الحدودية ويساعدن وحدة الرجال في البحث عن سيارات وحراسة الأجزاء غير المأهولة من الحدود.

وعندما يكون السير مزدحما جدا يطلب منهن البحث عن الرجال، ويقلن انهن يستخدمن أساليبهن الخاصة للانتهاء بأسرع ما يمكن، ولكن ذلك لا يزال يجعل الجميع غير مرتاحين خصوصا عندما يطلق الرجال نكاتا مبتذلة.

وفي معظم الحالات يقول نظرائهن من الرجال انهم يشعرون بالحماس لوجودهن هناك. ويقولون ان النساء كفوءات في عملهن وأن الحدود أصبحت أكثر هدوءا منذ وصولهن.

ولكن قوات حرس الحدود بعيدة عن ان تتكامل. فهناك قائدات عسكريات نساء للنساء وقادة عسكريون رجال للرجال، ولكن بينما يعطي القادة الرجال أوامر للنساء فان القائدات النساء لا يوضعن أبدا في موقع المسؤولية عن الرجال. وتشكو النساء من أنهن لا يكلفن بالمناوبات العادية للحراسة وانما يستدعين عند الحاجة فقط.

ويقول جمال علي كريم، 27 عاما، وهو قائد فصيلة الرجال في بشمة «هناك خطر. ولذلك فاننا لا نريد ان يخرجن من أجل حمايتهن».

وكانت المرة الأولى التي شاهد فيها الرجال النساء وهن يطلقن النار من بنادقهن عندما احتفلوا بإلقاء القبض على صدام يوم الرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وقد ترك ذلك أثره عليهم. وقال رفيق محمد مصطفى، 31 عاما، وهو طالب جامعي سابق «ان الرجال أفضل من النساء في الرمي، لكنهن جيدات أيضا».

وتعيش النساء في ثكنات قرب نقطة التفتيش، كل ثماني في غرفة. وهناك تناقض صارخ بين سجاد الغرفة والجدران الرمادية الموحشة والأشياء النسائية المتناثرة في الغرفة، وبينها قطع مزينة بالزهور، ومرآة بلاستيكية بيضاء، وحقيبة نقود بنية وأشرطة أنيقة. وليس هناك كهرباء ولا ماء ساخن».

وفي المساءات الشتائية الطويلة الباردة تحضر النساء الشاي ويجلسن حول المدفأة النفطية الوحيدة يروين قصصا عن أنفسهن. وفي أحد الأيام الأخيرة بقين يغنين أغاني حب حتى الساعة الثالثة فجرا، ويقلن ان العمل في مخفر حدودي قصي عمل موحش وأنهن يفتقدن عوائلهن.

وكان أسعد الأيام بالنسبة للنساء هو يوم السادس عشر من سبتمبر (أيلول) الماضي. وكان ذلك اليوم الذي تعتقد فيه وحدة النساء بأنها ألقت القبض على أول ارهابي.

كن يفتشن أربع نساء عندما بدأت احداهن بالاحتجاج على أنها تشعر بالضيق لأن هناك من يمس رأسها. كان لديها شعر أسود طويل وكثيف ملفوف بوشاح أبيض. وقد أثار ذلك الوضع فضول روناك علي، 25 عاما، وحلت الوشاح وفتشت شعر المرأة. وكان هناك شيء ما مثبت على رأسها بدبابيس صغيرة، وعندما أزالت روناك الدبابيس وجدت ورقة بقياس أربعة الى ستة انجات، مكتوبة بالحبر الاسود. وتتحدث عن تفجيرات في جوامع عدة على الحدود العراقية ـ الايرانية يعود تاريخها الى عام 1995. ولكن روناك كانت على معرفة أفضل بالأمور. فقد كانت الجوامع هدفا لهجمات قبل عدة أشهر. وارتابت في ان تلك رسالة من احدى الخلايا الارهابية الى خلية أخرى.

وأخذت النساء المشتبه فيهن الى الاحتجاز وسلمنهن الى القوات الأميركية.

وتقول شيماء انها عندما تشعر بهبوط معنوياتها تحاول ان تتذكر ذلك الانتصار وما قالته لها امرأة غريبة كانت قد مرت من هذا المكان بعد أسابيع قليلة من بدئها العمل على الحدود، اذ خاطبتها تلك المرأة قائلة «انك تقومين بعمل عظيم. النساء نصف المجتمع، ويجب عليك ان تكوني فخورة بخدمتك لبلدك».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»