من أرشيف الوثائق السرية الأميركية: الملك حسين لعب دورا أساسيا في تحسين العلاقات الأميركية ـ العراقية وتدخل لإقناع صدام بسحب الدعم عن «أبو نضال»

TT

تكشف وثيقة سرية اميركية رفع عنها الحظر اخيرا عن قلق اميركي بالغ حيال موقف العراق في حربه مع ايران في الثمانينات. وتصف الوثيقة، وهي رسالة مؤرخة في 24 مارس (آذار) 1984 ومرسلة الى وزير الدفاع الحالي دونالد رامسفيلد، الذي كان في حينه المبعوث الخاص للرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان الى الشرق الاوسط، من وزير الخارجية الاميركي وقتها جورج شولتز، وضع العراق في تلك الحرب بانه «نضال يزداد يأسا من اجل البقاء»، وذلك بعد ان خسرالعراق جزيرة مجنون وابار نفطها. وكان رامسفيلد قد ذهب بعد تلقيه تلك الرسالة الى بغداد وهو يحمل تعليمات من وزارة الخارجية الاميركية حول اسلحة الدمار الشامل تقول ان نقد الولايات المتحدة العلني للعراق لاستخدامه اسلحة كيماوية لن يؤثر على دعم واشنطن للعراق في حربه ضد ايران واقامة علاقات افضل مع بغداد. وطلب شولتز من رامسفيلد ابلاغ صدام حسين بان التنديدات الاميركية باستخدامه الاسلحة الكيماوية لا تعني تغييرا في السياسة الاميركية المؤيدة لبغداد وقتها. وكان الغرض من الزيارة احتواء تداعيات الادانة الاميركية تلك لاستخدام الاسلحة الكيماوية في الحرب مع ايران.

وكان رامسفيلد قد قام بزيارة سابقة لبغداد كمبعوث لريغان وذلك في ديسمبر(كانون الاول) 1983 . وتقول الرسالة لرامسفيلد «اذا استقبلك صدام او طارق عزيز اثناء الزيارة فإن ذلك سوف يكون اشارة جديرة بالاهتمام على رغبة حكومة العراق في الحفاظ على علاقاتنا على مسارها» وهو ما حدث بالفعل اذ التقى عزيز رامسفيلد في 26 مارس اثناء زيارته القصيرة لبغداد. ولا توضح الوثائق ما قاله رامسفيلد خلال اجتماعاته مع عزيز لكنها تكشف عن التعليمات التي صدرت اليه بخصوص ما يقوله. وتقول الوثيقة ان العاهل الاردني الراحل الملك حسين كان متدخلا شخصيا في تحسين العلاقات الاميركية ـ العراقية، وانه تدخل بشأن اقناع صدام بسحب الدعم والملاذ عن «ابو نضال» ورفاقه. وتوضح الوثيقة ان دعم الملك حسين للعراق في حربه مع ايران قد قوى الصداقة العراقية ـ الاردنية.

* نص الوثيقة

* الموضوع: بيان عن زيارة رامسفيلد الى بغداد 1 ـ النص كله سري 2 ـ خلفية الموضوع: أدى حدثان الى تعكير الجو في بغداد منذ زيارتك الاخيرة هناك في ديسمبر هما: اولا ، استطاع العراق ان يرد جزئيا فقط الدفعة الاولى من تقدم ايراني ضخم خسر فيه جزيرة مجنون بحقولها النفطية ذات الاهمية الاستراتيجية البالغة وتكبد خسائر فادحة . ثانيا، تدهورت العلاقات الثنائية (بين اميركا والعراق) بشكل حاد بسبب تنديدنا العلني في 5 مارس باستخدام العراق الاسلحة الكيماوية على الرغم من تحذيراتنا المتكررة من ان هذه القضية سوف تظهر على السطح ان عاجلا ام آجلا. ومع اهتماماتها الشديدة في فترة الحرب وانزعاجها من بياننا الخاص بالاسلحة الكيماوية، فإن القيادة العراقية على الارجح سوف لا تهتم كثيرا بمناقشة لبنان او الصراع العربي ـ الإسرائيلى او شؤون اخرى الا بقدر ما تؤثر تلك في صراعها المتزايد في اليأس من اجل البقاء على الحياة. وإذا استقبلك صدام او طارق عزيز على هذه الخلفية فإن ذلك سوف يكون اشارة جديرة بالاهتمام على رغبة حكومة العراق في الحفاظ على علاقاتنا على مسارها. وربما يكون ذلك مقياسا لمقدار ما يعتقدون بانه يتعين علينا في آخر المطاف ان نقدمه لمجهودهم الحربي. 3 ـ الأسلحة الكيماوية والعلاقات الثنائية: التقى وزير الخارجية (جورج شولتز) ولاري ايغلبيرغر مع وكيل وزارة الخارجية العراقي عصمت كتاني في وزارة الخارجية يوم 15 مارس. واوضح (شولتز) ان تنديدنا بالاسلحة الكيماوية جاء بشكل مقصور على معارضتنا القوية لاستخدام الاسلحة الكيماوية المميتة او التي تسبب الشلل في الحركة اينما حدث ذلك. وعليك ان تؤكد اهتمامنا بـ: اولا، منع انتصار ايراني. وثانيا، الاستمرار في تحسين العلاقات الثنائية مع العراق بوتيرة يختارها العراق وهي رغبة تبقى غير مهزوزة. وللتأكيد على هذه النقطة اوصل ايغلبيرغر الى كتاني دعوة نائب الرئيس (الاميركي) الى طارق عزيز للمجيء الى واشنطن في وقت مناسب للطرفين. ومع هذا وفي مناقشة لمتابعة ذلك مع ديك (ريتشارد) ميرفي، اظهر كتاني ان حكومة العراق «غير مقتنعة» ببواعثنا المذكورة في التنديد بالعراق باستخدام الاسلحة الكيماوية. وتحتاج هذه الرسالة الى تأكيد خلال مناقشاتك.

4 ـ الأسلحة الى ايران: للتدليل على دعمنا المستمر، دخل ايغلبيرغر وديك فيربانكس في تفاصيل في ما يتعلق بمجهوداتنا لقطع تدفق الأسلحة الى ايران من دول صديقة للولايات المتحدة. والعراقيون على دراية تامة بهذه المبادرة وبدأوا في القيام بمجهودات دبلوماسية بمفردهم باتجاه الدول المسيئة وتعاونوا مع الأصدقاء العرب لبناء ضغط اضافي على المسيئيين. وليس لنا علم الى اي حد دفع العراقيون السوفيات واصدقاءهم في ما يتعلق بهذه القضية. ويستمر العراق في جذب انتباهنا الى تقارير متواترة عن شحنات اسرائيلية لإيران. وقد يكون من المفيد لك ان تقول انك قد اثرت هذه القضية في تل ابيب مرة اخرى. 5 ـ خط انابيب العقبة ـ اكسيم: يعرف العراق ان اكسيم (مصرف التصدير والاستيراد الاميركي) قد تسلم أخيرا دراسة سلبية جدا عن العراق، واوصت الدراسة بألا يشجع المصرف اي طلبات للإئتمان متوسط المدى (اكثرمن 180 يوما) أو طويل المدى. واوصت فقط بدراسة كميات قليلة من التمويل طويل المدى. وبحلول 27 مارس من المرجح جدا ان يدرس اكسيم، ثم يرفض، طلبا تحت النظر من ويستغهاوس للمشاركة في جزء كلفته 16 مليون دولار من مشروع لشركة «هيونداي» بكلفة مليار دولار لبناء منشأة للطاقة الحرارية في العراق. وهذا القرار سوف يؤكد للعراقيين ظنونهم بأن تمويل مصرف اكسيم لخط انابيب العقبة هو مستحيل. لكن ايغلبيرغر حاول ان يقضي على هذا التصور رغم ذلك بان اكد لكتاني دعم الادارة الثابت لهذا الخط. فالباب لم يغلق بعد امام اكسيم او أي تمويل اخر من الحكومة الاميركية لهذا المشروع. فعلى سبيل المثال يعتبر خط الانابيب من الناحية الكيفية مشروعا اكثر جاذبية من وجهة نظر المقرضين. ثانيا، يقوم مصرف اكسيم بالفعل بالعمل في الاردن، حيث سيتم صرف 60 في المائة من التكلفة. والمشكلة هي ان يقوم العراق والاردن والشركة بتسوية القضايا الفنية حتى تتمكن الشركة من القيام بعرض رسمي يعقبه طلب يدرسه اكسيم. لكننا في هذه الاثناء تربكنا اولويات الحكومة العراقية نفسها: فقد تكون تحاول الموازنة بين خط العقبة ومشروع الربط السعودي على امل الاسراع بتنفيذ أحدهما قبل الآخر (سيكون هناك المزيد عن خط الانابيب من قبل سيبتل).

6 ـ الاردن: لقد كان للملك حسين دور اساسي في مسألة تحسين العلاقات الاميركية ـ العراقية. فقد كان يتدخل شخصيا لاقناع صدام حسين بسحب الدعم والملاذ عن الارهابي ابو نضال. ودعمه للعراق في حربها مع ايران قوى الصداقة العراقية ـ الاردنية. ومن الطبيعي ان يسأل صدام عن حالة العلاقات الاردنية ـ الاميركية. ويمكنك ان تستخدم النقاط التالية في الحديث:

ـ نحن نتفهم احباط الملك حسين على الرغم من اننا لا نشاركه بعض تقديراته للامور.

ـ ونحن بالتأكيد نرفض استنتاجاته بان عملية السلام قد ماتت وان السياسة الاميركية في يد الاسرائيليين. للولايات المتحدة القول النهائي في اهدافها الخارجية والدفاعية تماما مثلما للملك حسين القول النهائي في سياسة الاردن الخارجية.

ـ صداقتنا ذات الثلاثين عاما مع الاردن والتزاماتنا تجاه امن الاردن والطبيعة الفريدة لهذه الالتزامات لن تتأثر بالاضطراب الاخير.

ـ نحن نأمل ان تتم ممارسة الدبلوماسية في القنوات الطبيعية لا على صفحات الجرائد. فلا يجب ان يخاطر الاصدقاء المقربين بإرسال الاشارات المضللة بان هناك خرقا في علاقاتنا.

ـ نحن نرغب في افضل العلاقات الممكنة مع الاردن.

7 ـ السياسة الاقليمية الاميركية: تنتاب العراق حيرة بسبب وساءلنا في تحقيق اهدافنا المعلنة في المنطقة سواء ان كان ذلك مواجهة الخميني، أوفي لبنان، أومع سورية او مع اصدقاء مثل الاردن ومصر واسرائيل. وفي كل حالة، قال المسؤولون العراقيون انهم في حيرة من تفسير افعالنا وقياسها على اهدافنا المعلنة مثل بياننا عن الاسلحة الكيماوية الذي يغريهم على التخلي عن التفسير العقلاني والتقهقر الى فكرة ان سياسات الولايات المتحدة هي في الاصل مضادة للعرب ورهينة لرغبات اسرائيل.