الباجه جي: قانون إدارة الدولة ينجز قبل نهاية الشهر ليطرح للنقاش في فبراير

رئيس الدورة الحالية لمجلس الحكم لـ«الشرق الأوسط»: المصالحة الوطنية التي نريدها لن تستثني سوى الذين ارتكبوا جرائم

TT

قال الدكتور عدنان الباجه جي رئيس مجلس الحكم في العراق ان الوفد الذي سيرأسه للقاء الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في 19 الحالي بحضور رئيس الادارة المدنية للتحالف في العراق بول بريمر، سيبحث ما يمكن للأمم المتحدة ان تقوم به، وما سيكون دورها خلال الاشهر القلائل الباقية من عمر الاحتلال حيث تنتهي سلطة التحالف وتكون هناك حكومة عراقية ذات سيادة، وتنقل لها كافة السلطات في نهاية يونيو (حزيران) المقبل.

واضاف الباجه جي في حديث لـ«الشرق الأوسط» ان المباحثات الثلاثية ستتناول مدى امكانية الامم المتحدة واستعدادها للمساعدة في العملية السياسية ولا سيما موضوع اختيار اعضاء الجمعية الوطنية التشريعية خلال المرحلة الانتقالية، وكل ما يتعلق بذلك من سن القوانين والانظمة اللازمة لتسهيل هذه العملية.

واشار الدكتور الباجة جي الى انه لمس ان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان مستعد خلال المرحلة المقبلة للمشاركة في هذا الاتجاه «لكنه يريد ان يعرف بالضبط وبطريقة واضحة ما هي الاشياء التي ننتظرها من الامم المتحدة.. وما هي المساعدات التي يمكن للأمم المتحدة ان تقدمها خلال هذه الفترة القصيرة». واضاف «في الحقيقة ـ كما فهمنا ان الامم المتحدة مستعدة للقيام بدور كبير ومهم جدا في العملية الدستورية والتي ستأتي بعد قيام الحكومة المؤقتة ذات السيادة. وبعد العملية الدستورية هناك عدة اشياء يمكن ان يكون للأمم المتحدة دور رئيس فيها. مثل اجراء احصاء سكاني كامل ودقيق في العراق.. ووضع قانون للانتخاب.. ووضع جداول للناخبين.. والقوانين الضرورية لتنسيق العمل السياسي قبل وبعد اجراء الانتخابات.. أي وضع قانون لتنظيم الاحزاب، وقانون لضمان حرية الرأي والاجتماع.. كما باستطاعة الامم المتحدة ان تشرف على الانتخابات العامة التي ستجري لاختيار اعضاء المؤتمر الدستوري الذي سيكلف بوضع الدستور الدائم للبلاد.. وايضا بامكان الامم المتحدة ان تقدم مقترحات في بعض المواد الدستورية المتعلقة خاصة في ما يتعلق بالحقوق السياسية للمواطنين وحقوق الانسان وغيرها».

واوضح الباجه جي «ان الامم المتحدة لها خبرة كبيرة وطويلة في هذا المضمار.. وبامكانها مساعدتنا.. وهذا الموضوع سيبحث في الاجتماعات المقبلة.. وكما قلت فان البحث سيدور حول محورين; الاول: ما يمكن للأمم المتحدة ان تعمله خلال هذه الفترة القصيرة من الآن حتى نهاية شهر مايو (ايار) عندما يكون قد تم اختيار اعضاء الجمعية الوطنية التشريعية.. والمحور الثاني: وهو ما يمكن للامم المتحدة ان تعمله ـ وهو كثير جدا ـ في المرحلة الدستورية».

وحول ما وصلت اليه مناقشات مجلس الحكم بشأن انجاز قانون ادارة الدولة قال رئيس الدورة الحالية لمجلس الحكم: «قطعنا شوطا كبيرا.. ونحن على وشك ان نضع اللمسات الاخيرة على هذا القانون. ونأمل ان ننتهي من صياغته في نهاية هذا الشهر.. حتى تتسنى للشعب العراقي خلال شهر فبراير ( شباط) المقبل مناقشة مواد هذا القانون عبر وسائل الاعلام.. وفي اجتماعات خاصة وندوات ومن خلال الجمعيات وكل فئات المجتمع المدني وكل اجزاء المجتمع العراقي باستطاعتها ـ وبعد اطلاعها قانون ادارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية ـ ان تبين ما لديها من مقترحات وآراء وملاحظات، حيث ستؤخذ بنظر الاعتبار عند وضع الصيغة النهائية. وينفذ هذا القانون بشكله النهائي في نهاية شهر فبراير.

وبين الباجه جي ان هناك بعض الاختلافات في الآراء ـ داخل المجلس ـ تتعلق بآلية اختيار اعضاء الجمعية او المجلس الوطني التشريعي «هناك شيء من عدم الوضوح.. وهذا الموضوع في اعتقادي بالامكان تسويته في القريب العاجل.. المهم هو ان هذا القانون لا يتعرض الى القضايا الاساسية.. لأنه قانون مؤقت. اما القضايا الاساسية فتبحث في المؤتمر الدستوري الذي سيضع دستور البلاد.. وتفاصيل هذه الامور يجب ان تترك الى المؤتمر الدستوري».

وتناول الدكتور الباجه جي موضوع محاكمة صدام حسين وطالب «بان يجرى معه تحقيق من قبل القضاء العراقي بعد انتهاء التحقيق الذي تقوم به سلطة الاحتلال.. ولماذا لا يكون هناك تحقيق مشترك الآن». واوضح «ان المفروض قبيل أية محاكمة اجراء تحقيق بوجود قضاة تحقيق عراقيين.. وان يكون التحقيق بحضور محامين عن المتهمين وستكون بشكل شفافي ويمنع منعا باتا استخدام اساليب لارغام المتهمين على الادلاء باعترافاتهم.. وعلى كل حال فان انفراد الجهة الاميركية بالتحقيق الآن يرجع الى ان هذا التحقيق ينصب بالدرجة الاولى على عمليات العنف الاخيرة التي قامت وتقوم بها بعض عناصر النظام السابق وهذا الموضوع يهم قوات التحالف لانها هي الهدف في هذه الاعمال مع ان عدد الضحايا العراقيين من هذه الاعمال اكثر بكثير من الضحايا الاميركيين وقوات التحالف الاخرى».

وعن لقائه ـ ضمن عدد من اعضاء مجلس الحكم ـ مع صدام بعد اعتقاله.. وعن أي شيء تحدث، قال الباجة جي: «سألته: لماذا لم تنسحب من الكويت عندما كانت لديك فرصة للانسحاب.. وذلك كان سيجنب العراق كل المآسي والمحن والكوارث التي اصابته بسبب الحرب، حرب الخليج والعقوبات التي دامت اكثر من 12 سنة والتي دمرت العراق وكان لها ضرر بالغ على شعب العراق.. تلك العقوبات التي لم تضر بالنظام بل بالعكس ادت الى تقويته لأنها جعلت الشعب العراقي يعتمد كليا على الحكومة لتأمين اسباب المعيشة.. ولم يستطع صدام اعطاء جواب شاف او مقنع ابدا.. لأنه في الحقيقة ليس هناك أي عذر».

واضاف الباجه جي «سألته ايضا عن اسلوب نظامه في القتل والاعدامات العشوائية والاعتقالات والظلم والتعذيب.. سألته لماذا قتلت وتسببت في قتل هذا العدد الكبير من الناس.. وكان جوابه ان: وضع العراق يحتاج الى حاكم عادل وحازم».. فقلت له: انك لم تكن حاكما عادلا ابدا، لا بل ظالم وقتلت آلاف وآلاف من المواطنين العراقيين.. فقال: لقد كانت هناك اوضاع سياسية استثنائية واخطار محيطة بالبلد». وتابع الباجه جي: «على كل حال انا لم اشمت به ولم احاول الحط من كرامته.. لأنه لا يجوز ذلك عندما يكون هذا الشخص لا حول له ولا قوة.. هذه ليست شيمتنا.. ولهذا كنت في غاية الادب والرقة في حديثي معه».

وتطرق الباجه جي الى العراقيين المعتقلين حاليا لدى سلطات الاحتلال «والذين يقدر عددهم بـ13 الفاً» من دون ان يعرضوا على محققين عراقيين قائلا: «ينبغي ألا ننسى ان العراق بلد محتل.. والاحتلال جاء بناء على قرار مجلس الامن الذي اعتبر القطعات الاميركية الموجودة في العراق قوات احتلال وفق القانون الدولي.. وهذا يعطيها حق التحكم بالبلاد. في الحقيقة.. البلاد تدار من قبل الاحتلال وفقا للقانون الدولي.. وهذا القرار صدر بالاجماع بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، ليصبح القرار ملزما للجميع.. وصادقت عليه كل الدول الاعضاء في مجلس الحكم.. وعلى كل حال.. الى ان ينتهي الاحتلال ونأمل ان يتم هذا في شهر يونيو عندئذ سيكون موضوع السجناء السياسيين والمعتقلين من ضمن اختصاصات الحكومة العراقية ذات السيادة، والتي سينتخبها المجلس الوطني التشريعي.. والى ان يأتي ذلك الوقت ـ مع الاسف الشديد ـ نحن ملزمون بالاحتلال.. الاحتلال واقع.. ولسنا نحن الذين جلبنا الاحتلال.. بل صدام هو الذي جلب الاحتلال.. ومع ذلك نحن ندافع عن مواطنينا.. ونتيجة لمطالبتنا المستمرة سيتم اطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين.. وربما يكون هذا العدد بالآلاف خلال الاسابيع او الاشهر المقبلة.. على كل حال.. ونتيجة الضغط، استجابوا ونأمل استجابة اكبر.. اما عن المعاملات داخل المعتقلات فنحن تأتينا شكاوى كثيرة ونحن نحيلها الى سلطة الاحتلال مع توصية منا بوجوب النظر بعين العطف الى هذه المطالبات.. وفي الايام القليلة القادمة ستكون هناك افراجات واسعة عن المعتقلين وعلى شكل وجبات كبيرة.. واعتقد ان الشعب العراقي يتلقى هذه المبادرة بكثير من السرور والارتياح. وعلى كل حال.. فان القضية كلها ستصبح من ضمن اختصاصات وواجبات الحكومة العراقية المؤقتة التي سينتخبها المجلس التشريعي.. وعندئذ ينتهي دور مجلس الحكم وكذلك تنتهي سلطة التحالف المدنية.

وتناول الحديث موضوع «المصالحة الوطنية» الذي سبق ان طرحه الدكتور الباجه جي، موضحا «ان الهدف من المصالحة، هو افساح المجال لاكبر عدد من المواطنين العراقيين للمساهمة في عملية اعادة اعمار العراق وانتشاله من المحنة الرهيبة التي هو فيها.. «ونحن قلنا انه لا يستثنى سوى الذين ارتكبوا جرائم ضد المواطنين، والذين تورطوا في الفساد والرشوة والابتزاز والاثراء غير المشروع وما الى ذلك. لكن غالبية الناس «الذين غرر بهم» ان يعودوا للمشاركة مع الآخرين في العمل لبناء عراق الحرية والامان والرفاهية».

اما عن اهتمام مجلس الحكم بالقضايا السياسية «الفوقية» وعدم اعارته الاهتمام الكافي للقضايا الحياتية، وما يسببه ذلك من انعكاس سلبي على الوضع السياسي فقد اوضح الباجه جي ان هناك قضيتين رئيستين «هما البنزين او الوقود والكهرباء.. اضافة الى البطالة وهي.. بعد ان تنشط الحياة الاقتصادية يكون هناك مجال لاستيعاب اعداد كبيرة من العاطلين.. ان الخراب الذي اصاب العراق لا يتصوره العقل.. المأساة ضخمة جدا، والامكانيات محدودة.. البنك الدولي والامم المتحدة قاما بدراسة حول احتياجات العراق.. واستنتجا انها قد تصل الى 55 ـ 60 مليار دولار خلال السنوات الاربع القادمة.. الواردات المتوقعة خلال هذه الفترة، ومن ضمنها 36 ـ 38 مليار دولار من المساعدات الخارجية.. ومعها اموال النفط.. لا تكفي.. هناك عجز في ميزانية 2004 يبلغ حوالي 10 مليارات دولار.. العراق في الحقيقة في وضع لا يحسد عليه من الناحية الاقتصادية.. ويجب ان ندرك هذا».

وقال الباجه جي «على الرغم من كل شيء وبفعل المساعدات الخارجية والجهود التي بذلناها.. هناك تحسن في القضايا الآنية.. هناك تحسن في موضوع البنزين الى حد ما.. وحسب المعطيات تنتهي الازمة خلال شهر او اقل.. اما الكهرباء.. فان المساعدات التي اقرها الكونغرس الاميركي للعراق والتي بلغت 15.5 مليار دولار منها 5.5 للكهرباء.. الآن دفع حوالي 400 مليون دولار من هذه المبالغ اضافة الى الكهرباء التي ستصلنا من بعض الدول المجاورة والاموال التي ستتوفر خلال الاشهر القليلة القادمة من المساعدات الاميركية والدول الاخرى ايضا.. كلها ستكرس لحل الازمة الآن ومستقبلا». واضاف: «نحن الآن لدينا حوالي 4000 ميغاواط.. في حين يحتاج العراق الى 8000 على الاقل.. ونأمل ان تتوفر هذه في شهر يونيو المقبل.. قبل اشهر الصيف الحارة.. الاحتياجات كثيرة كما قلنا والامكانيات محدودة.. والجهود تبذل.. ومع الوقت الامور تتحسن ولكن يجب ألا نتوقع ذلك بين عشية وضحاها».

وأكد الدكتور الباجه جي على انتشار ظاهرة الفساد وتأثيراتها السلبية على جهود الاعمار والبناء قائلا: «لقد انشأنا هيئة مركزية لمكافحة الفساد والتحقيق والتحري في كل الوزارات، وتشجيع الموظفين على التقدم بكل ما لديهم من معلومات حول قضايا الفساد.. ويبدو ان هذا الاجراء يؤدي الى نتيجة.. وهذه المسألة من جملة مشاكل العراق.. حيث اصاب المجتمع العراقي الخلل.. ويمكن ان نعتبر العديد من الظواهر من ضمن الفساد الاداري، وبضمن ذلك تفشي الطائفية التي تؤدي الى تدمير البلاد وتقسيمها واضعافها وقيام مشاكل بين ابنائها.. ومع ذلك فانا شخصيا أرى ان الامور ليست كما كان يتصورها البعض من نشوب احتراب طائفي بعد الحرب، حيث ثبت ان نسيج مجتمعنا العراقي اقوى من كل تلك التوقعات..

العراقيون على مختلف انتماءاتهم القومية او الدينية او المذهبية اثبتوا خلال الاشهر التسعة الماضية انهم اهل سلام ووئام.. وهذا سيستمر لأن العراقيين يعرفون ان قوتهم وارثهم الحضاري يتمثل بوحدتهم وتكاتفهم.. اما ان تتدخل الطائفية او التحزبات وغيرها في شؤون دوائر الدولة او المدارس او الجامعات وغيرها، فذلك غير جائز اطلاقا.. ولحسن الحظ ان هذه المرحلة على وشك ان تنتهي وعلينا النظر الى المستقبل.. في شهر يونيو سيكون هناك مجلس او جمعية تشريعية من 250 عضوا.. وذات قاعدة تمثيلية واسعة.. تمثل كل اطياف الشعب العراقي.. وهذه الجمعية او هذا المجلس سينتخب رئاسة الدولة.. التي ستعرض على المجلس تشكيلة الحكومة.. فالوضع سيتغير.. والاوضاع الاستثنائية وبعض الممارسات غير السليمة ستزول لأن دافعها هو الحصول على اكبر كمية من المغانم والمكاسب.. ستزول عندما تكون هناك حكومة مسؤولة وذات قاعدة تمثيلية واسعة وشرعية ومعترف بها دوليا.