باحثون أميركيون يصفون تقارير خلافات الحكومة السعودية بـ«السطحية»

قالوا إن هناك تيارا من المحافظين الليكوديين في واشنطن يريد تضخيم مشاكل الدول العربية لحساب إسرائيل

TT

قالت مجموعة من الباحثين والمحللين للشؤون العربية في واشنطن ان هناك اتجاها متصاعدا في العاصمة الاميركية يقف وراءه عدد من قادة اليمين المتشدد واللوبي الاسرائيلي يعمل الى دفع الولايات المتحدة باتجاه مواجهة مع العالمين العربي والاسلامي اتساقا مع نظرية حزب الليكود اليميني المتطرف في اسرائيل بضرورة تضخيم المشاكل في الدول العربية كورقة ضغط على سياساتها الخارجية.

وانتقد هؤلاء الباحثون والمحللون ما ذهب اليه مايكل سكوت دوران، استاذ دراسات الشرق الادنى في جامعة برنستون، الذي نشر له مجلس العلاقات الخارجية، وهو هيئة بحثية خاصة بدراسة شؤون السياسة الخارجية الاميركية، تقريرا مطولا زعم فيه ان الحكومة السعودية تمر بأزمة نتيجة خلافات بين العائلة المالكة، وان الحكم في المملكة ينقسم الى قسمين احدهما ليبرالي يتجه للاصلاح والتغيير والآخر محافظ يرفض خطوات الاصلاح الراهنة.

وظهر التقرير في مجلة «الشؤون الخارجية» (فورين أفيرز) الدورية، التي يصدرها المجلس كل شهرين، في عددها اول يناير (كانون الثاني) الحالي. وفي الوقت الذي نادى فيه دوران في مقاله بالديمقراطية والتسامح وعدم معاداة اليهود او المسيحيين او الشيعة ـ على حد وصفه في المقال ـ فانه انتقد الحكومة السعودية لعدم ضربها بيد من حديد من وصفهم بالمتشددين.

وكان الامير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي قد نفى في تصريحات لقناة «العربية» الفضائية قبل 4 ايام وجود تيارات متصارعة في الحكومة السعودية. وقال «ان هذا الكلام لا اساس له من الصحة ويدل على جهل وعدم فهم لطبيعة الامور في السعودية».

من جهته، وصف كيري تونسنغ من «مشروع معلومات وابحاث الشرق الاوسط» المعروف باسم (ميريب)، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن تنشر دورية «ميدل أيت ريبورت»، ادعاءات مايكل دوران بانه لا يوجد ما يؤيدها وقال: «لم ار دليلا على هذه المسألة المفترضة، ولم يكن الامر مقنعا الى درجة كبيرة». وكان دوران قد ذهب في مقاله الى القول ان المؤسسة الدينية السعودية «تقنن وتشرع» للهجمات على القوات الاميركية في العراق باعتبار انها قوات احتلال. ويعرف عن دوران تفسيره للاحداث السياسية في الشرق الاوسط من منظور ديني محض، كما انه دافع بشدة عن غزو اميركا للعراق، ودأب على رفض الربط بين القضية الفلسطينية وحلها وقضايا اخرى عالقة في المنطقة، مؤكدا ان «عداء العرب والمسلمين لاميركا» لا يرتبط بالقضية الفلسطينية «وانما هو شيء جوهري واصيل ومستقل بذاته في الفكر العربي والاسلامي». وفسر في كتاباته هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 على انها «تنفيذ فعلي لتلك الكراهية». ويذكر ان مجلس العلاقات الخارجية يطلق عليه مجازا وسط بعض المفكرين في اميركا «مجلس حكم النظام العالمي الجديد غير المنتخب» لما له من ثقل في واشنطن. وعلى الرغم من شهرته كمؤسسة وسطية غير حزبية ظهرت اتهامات حديثا بعد احداث 11 سبتمبر بأن المجلس، الذي يوجد مقره في نيويورك، قد بدأ يتجه لليمين المتشدد في الولايات المتحدة. وابرز ثلاثة مسؤولين فيه الآن هم من الجمهوريين المتشددين وهم رئيس مجلس الادارة بيتر بيترسون وكان وزير التجارة السابق في عهد ريتشارد نيكسون وهو ايضا مصرفي له مناصب في ادارات العديد من البنوك الاميركية. ثم نائبة رئيس مجلس الادارة، كارلا هيلز، وهي محامية للشركات الكبيرة وكانت الممثل التجاري في عهد الرئيس جورج بوش الاب. واخيرا ريتشار هاس مدير المجلس، وكان يعمل مديرا لمكتب تخطيط السياسات في الخارجية الاميركية، قبل ان يخرج من المنصب.

وممن يخدمون في مجلس مديري «مجلس العلاقات الخارجية» ايضا فؤاد عجمي صاحب كتاب «اراب بريدكامنت» او المعضلة العربية. وتوماس بيكرينغ سفير اميركا السابق لدى اسرائيل، وجورج سوروس الملياردير والمضارب المالي الاميركي المعروف.

وفي ردود الافعال على افكار مقال دوران قال لـ«الشرق الأوسط» ريتشارد فيربانكس الخبير بشؤون الشرق الاوسط والذي عمل في الثمانينات كمبعوث خاص للرئيس رونالد ريغان: «ان اي شخص يقوم بمثل هذا التوصيف (اي مزاعم الخلاف في اوساط الاسرة المالكة السعودية) انما يبسط الامور ويسطحها للغاية». واضاف فيربانكس ان ما نشر في مجلة «فورين افيرز» عن وجود خلافات في الحكم السعودي لا يمكن اعتباره يمثل وجهة نظر الادارة الاميركية. واضاف: «ان من في الخارجية الاميركية لهم قدر كبير من التطور الفكري الذي يجعلهم يرفضون مثل هذا التشخيص البسيط». وقال فيربانكس انه كان هناك تصور في بعض الاوساط بأن السعودية تدعم الارهاب بعد احداث 11 سبتمبر، «غير ان هذا التصور قد تغير في العام الماضي بعد ان تعرضت السعودية لهحمات ارهابية نفسها». واضاف «ان ما تبقى هو رغبات في واشنطن بان تقوم السعودية بفعل المزيد لمواجهة التطرف والارهاب». من جانبه، قال كريس توسينغ ان هناك مجموعات معينة من المحافظين الجدد ترغب في الضغط على الادارة الاميركية مستغلة الجو العام في اميركا بعد احداث 11 سبتمبر لبث الفكر العدائي تجاه العالمين العربي والاسلامي.

واضاف ان« هذه الجماعات (اي المحافظين الجدد) ترى ان الوقت قد حان تماما لمثل هذه الضغوط لكي تدفع الادارة الاميركية الى مراجعة العلاقة مع السعودية بشكل جذري وبالتأكيد يمكننا تحديد مكان الافكار في ذلك المقال ضمن تلك الحملة».

وقال: «ان النوع الاكثر عدوانية من المحافظين الجدد، مثل ريتشارد بيرل (المستشار اليهودي بوزارة الدفاع الاميركية والقوة الاساسية وراء افكار الضربات الوقائية وغزو العراق) يرغبون في رؤية العلاقات الاميركية ـ السعودية وقد انخفضت بشكل كبير. بالتأكيد ان مصلحة ريتشارد بيرل في ذلك تكمن في انه يتبنى الرؤية الاستراتيجية لحزب الليكود في اسرائيل، فهو مرتبط معهم، وهو يعتقد ان الطريقة الوحيدة للتعامل مع العرب هي هزيمتهم عن طريق القوة العسكرية. كما ان حزب الليكود كان دائما يعارض تأثير الدول العربية، ليس فقط السعودية، ولكن دولا اخرى مثل مصر في واشنطن، ويرى ان هذا التأثير يجب ان تتم محاربته وضربه».

واضاف توسينغ: «غير انه ما زالت هناك عناصر قوية في الادارة الاميركية وخارجها وخصوصا بين الجمهوريين القدامى مثل جورج بوش الاب وبرينت سكوكروفت (مستشار الامن القومي السابق) ممن يرون ان ذلك خطأ كبير وان سياسة الولايات المتحدة يجب ان تبقى متوازنة بين دعم اسرائيل وبين الاستماع لآراء الحكومات العربية وفي نفس الوقت الاهتمام بالوصول الى النفط، لكن هذا هو ما يحاول المحافظون الجدد ان يفسدوه».

وحذر من استتباب هذه السياسة (عدم الاستماع للحكومات العربية) في الشؤون الاميركية، وقال: «ان هذه السياسة خطيرة وستجعل المنطقة غير مستقرة بشكل اكبر كما ستجعل الامر اكثر صعوبة في التنبؤ بها».

وقالت ميليندا هينيلي مديرة قسم الاخبار بمجلة «واشنطن ريبورت اون ميدل ايست» المعنية بمنطقة الشرق الاوسط ان الهدف من ترويج افكار الخلافات في المجتمعات العربية وداخل الانظمة الحاكمة هو افساد العلاقة بين المملكة العربية السعودية واميركا لمصلحة «ازاحة اخبار القضية الفلسطينية عن عناوين الاخبار». وقالت :«ان البعض في الصحافة الاميركية الآن يروج لكل قضية صغيرة في الشرق الاوسط ليصنع مشاكل ويضخمها».

وقالت هينيلي: «ان ذلك التقرير يرمي الى احداث مشاكل بين السعودية واميركا لأنه من مصلحة بعض الناس ان تحدث مواجهة بين الغرب والشرق الاوسط. وهم اسعد ما يكونوا عند اثارة المشاكل حتى تبقى القضية الفلسطينية ـ الاسرائيلية بعيدا عن الاضواء». وتابعت هينيلي: « اننا نعرف ان المملكة العربية السعودية ترغب في الاصلاح ولكن على قدر سرعتهم هم، ومقدار ما تسمح به ظروفهم وليس على مقدار ما يهواه الغرب، ان السرعة في التغيير قد تجعل الامور اسوأ لا احسن». وقال بوب ايبيل، رئيس قسم سياسة الطاقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، والذي كان في زيارة للمملكة العربية السعودية في ديسمبر (كانون الاول) الماضي والتقى الامير نايف: «هناك انطباع دائم في واشنطن بخلافات في العائلة المالكة السعودية، ولكن هذا الرأي ليس مهماً». واضاف: «ان كل ما نريده هو ان تستمر السعودية في طريق التحديث».

واضاف ايبيل: «انه يتعين علينا ان نحتفظ بعلاقاتنا معهم (اي السعوديين). ونتناقش باستمرار ولا نطالب بشدة. اننا كلما ضغطنا بقوة كلما كان الامر اصعب. اننا يجب ان نشكر السعوديين ونشيد بالاصلاحات كلما حدثت ولا نصرخ ونقول ان هذا غير كاف».