عائلات سعودية تبحث عن أبنائها المفقودين بالعبارة الحزينة «خرج ولم يعد» وسط مخاوف من استغلالهم من قبل جماعات الإرهاب

الخوف من تورط أبنائها في براثن الإرهاب يدفعها لإبلاغ سلطات الأمن بغيابهم

TT

«خرج ولم يعد» هذه العبارة الحزينة اصبحت هاجسا يشغل بال السعوديون ويقض مضاجعهم فالصحف المحلية لا تخلو من خبر بهذا المعنى يحمل في ثناياه نداء أب مكلوم وام حزينة تطلب من الجميع مشاركتها بالبحث عن فلذة كبدها الذي اختفى منذ فترة ولا يعلمان اين اختفى. ولم يعد الامر سرا او مخجلا فخلف هذا الاعلان تقف غصة وخوف في صدور اسر المفقودين، فهي بين ألم فقدان ابنائها الذين لا تعلم شيئا عن مصيرهم والخوف من ان تفاجئهم وسائل الاعلام بصورهم او اسمائهم في اليوم التالي بين المطلوبين امنيا أو المتورطين في احدى جماعات الارهاب التي تلاحقها سلطات الامن السعودي. لذلك لم يجد السعوديون الا ان ينشروا صور ابنائهم في الصحف مطالبين من يعرف عنهم شيئا بابلاغهم ويهدفون من ذلك الى الحؤول بينهم وبين التورط في ازقة الارهاب والفرار والتخفي.

ومنذ اصبح الارهاب مفردة يستخدمها الاطفال في السعودية ويعرفون معناها قبل الكبار عاش المجتمع تحولات خطيرة، فالاسر اصبحت تلاحق ابناءها في المدارس والملاعب والاماكن العامة دون ان يشعروا بهم، فبعد ان شاهدت الاسر مخدوعين من ابناء هذا البلد تورطوا في قضايا ارهاب واصبحوا اما مطاردين او سجناء اصبحت تلاحق ابناءها لتحول بينهم وبين هذا المصير خاصة لكي لا يقع ابناؤهم صيدا سهلا لغاسلي العقول ومنهج «التكفير والتفجير».

ويقول محمد العوض لـ«الشرق الأوسط» «معاناة لا تتخيلها تعيشها الكثير من الاسر السعودية فتخيل أن تلاحق ابنك من مكان الى مكان ولكن هو الخيار الافضل من ان تسمع اخبارة غدا في وكالات الانباء وصفحات الصحف فمنذ حدث ما حدث من فصول ارهابية في السعودية وشاهدنا ان الكثير من ابنائنا غرر بهم وان اغلبهم شباب مراهقون او ما شابه اصبحنا نخشى على ابنائنا خشية كبيرة».

ويضيف «رغم ان ابني منتظم في الكثير من امور حياته الا انني احيانا اخرج من عملي واتابعه وهو خارج من الثانوية عائدا الى البيت لكي اعرف مع من يذهب ومن يصادق ومع من يتحرك وقد حدث موقف طريف في احد المرات فلم اكن اعلم انه شاهدني عند خروجه من المدرسة وتوجه نحوي مستغربا مجيئي لأخذه من المدرسة واخبرته انني خرجت مبكرا ووجدت نفسي قريباً منه لذلك مررت عليه».

ويقول محمد الغامدي لـ»الشرق الاوسط» وهو معلم في احدى المدارس في جدة ووالد احد المفقودين ان ابني ايمن عمره 17 عاما وهو شاب جيد خرج في الرابع والعشرين من شهر رمضان لاداء صلاة العشاء ولم يعد حتى الآن ولا ندري ماهي ملابسات اختفائه او ماذا حدث له.

ويضيف الغامدي كنت اعامل ابني وكأنه أخي وكانت كل الامور طبيعية ولم يكن هناك أية مشاكل وفي يوم فقدانه كنت في مكة وخرج هو من البيت لاداء صلاة العشاء في المسجد ومن يومها لم يعد الى البيت وقد ابلغت الجهات الامنية في نفس اليوم.

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول خشيته من تورط ابنه مع أي من الارهابيين قال «هذا ما اخاف منه لأن ولدي من الاولاد الذين يحبون التعارف واخشى ان يكون قد تعرض لأية اغراءات او أي شيء اخر».

وحول وضع اسرته الحالي قال «ان وضعنا صعب جدا منذ فقدانه فوالدته تعيش حالة صعبة ولا زلنا ننتظر أي خبر قد يصلنا خاصة وانني اعلنت في احد الصحف المحلية ونشرت ارقام هواتفي الشخصية ليتسنى لأي شخص يعرف عنه شيئا الاتصال بي فورا وفي أي وقت».

في الوقت نفسه تبحث اسر اخرى عن ذويها منذ وقت طويل وتجهل مصيرهم الذي ذهبوا اليه، هل ماتوا ام ما زالوا احياء هل هم معتقلون في احد السجون خارج المملكة ام انهم يختبئون في مكان ما؟

وقال شقيق احد المفقودون بالمدينة المنورة وهو كمال خوجلي «طبيب» في العقد الثالث من عمره ان شقيقه خرج من عمله في اخر ايام شهر رمضان متجها الى منزله بعد انتهاء الدوام ومنذ ذلك اليوم ونحن نبحث عنه حيث قمنا بابلاغ السلطات ونشرنا صورته في الصحف المحلية لعل احداً يراه ويقوم بالابلاغ عنه.

ويضيف انني لا ادري ماذا حدث له واين ذهب ولكن اؤكد ان سيرته جيدة ولا اعتقد انه متورط في أي موضوع امني او خلافه ولكن ايضا لا استطيع ان اقول ما سبب اختفائه.

في الواقع نحن في حيرة شديدة من امرنا لا نعلم ما حدث له وقد بذلنا كل مافي وسعنا وسلكنا كل الطرق لنهتدي اليه الا ان ذلك لم يجد ولم يبق الا ان ننتظر ماذا سيحدث.

واشار الى ان زوجة شقيقه المفقود كمال ولدت منذ يومين طفلين توأمين ولكن جميع افراد الاسرة يعيشون حالة صعبة منذ ان فقد وخاصة انها تجهل اسباب غيابه.

ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول خوفه من تورط شقيقه في أي اعمال مخالفة للامن قال «لا اعتقد ذلك لأن كمال كان شخصا جيدا، ومعروفاً عنه العقل والحكمة ولا اعتقد انه من الممكن ان يتورط في مثل هذه الاعمال التخريبية».

محمد السعدي الاخصائي الاجتماعي التربوي بوزارة التربية يقول ان هناك فرقاً بين الفقدان والهرب وبالتالي فحينما نقول فقد فذلك يعني تعرضه لأي حدث معين، أعاقه عن الظهور كالمرض او خلافه، ولكن الهرب أو ما يسمى بالاختفاء فهذا ما يستحق الوقوف عليه ومناقشته لاننا نمر بمرحلة خطرة وكثير ممن اختفوا عرفنا فيما بعد تحولهم الى افكار او استغلال البعض لهم وغسل ادمغتهم وملء رؤوسهم بأفكار منحرفة انعكست على واقع حياتنا العامة كسعوديين كما شاهدنا العمليات الارهابية التي تعرضت لها السعودية خلال العام المنصرم، وذلك يدفعنا الى الوقوف على هذه الظاهرة التي اصبحنا نشاهدها كثيرا أي الهروب، فالبعض يفر من اسرته لمشاكل وخلافات والبعض لضائقة مادية وما شابه، ولكن المشكلة تكمن في ان هناك من يصطاد هؤلاء ويستغل العامل النفسي الذي يمرون به، ويتمكن من التأثير عليهم بسهولة خاصة ان الشخص حينما يمر بمشاكل نفسية من هذا النوع يصبح التأثير عليه سهلا وربما احيانا يقدم له ما كان يبحث عنه من مال وحفاوة واهتمام ويشعر بوجوده وسط هذا المجتمع الجديد ودون ان يشعر يجد نفسه من ضمن فريق الاعمال الارهابية.

ويضيف السعدي البعض يكتشف ذلك ولكن بعد ان يكون قد تورط او يخشى الظهور والوقوع في مأزق، المهم ان المشكلة تبدأ بخطوة وهي الهروب كما قلنا، لذلك على الجميع متابعة ابنائهم بشكل اكثر فاعلية خاصة في هذه المرحلة وخاصة بعض الاعمار او اولئك الذين يعانون من أية مشاكل.

واجرت «الشرق الأوسط» اتصالا بمسؤول امني بالامن العام السعودي الذي اعتذر عن الخوض في التفاصل، مشيرا الى ان هذا موضوع حساس جدا ولكنه اعاد اسباب الفقدان او الاختفاء الى اسباب كثيرة وغير محصورة حسب قوله.

وعن وجود احصائيات واعداد للمفقودين قال «ان ذلك يحتاج للعودة الى المصادر» ويجب الكتابة الى الجهات الرسمية للسماح بذلك.