مستشار لبارزاني: الفيدرالية ضمانة لعدم تكرار استبداد الماضي واتفاق بين القيادات العراقية وسلطة التحالف لاعتمادها نظاما لإدارة العراق

TT

دافع فلك الدين كاكه يي مستشار زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني رئيس تحرير صحيفة «التآخي» اليومية الناطقة بلسان الحزب عن الفيدرالية التي يطالب بها اكراد العراق معتبرا انها «تحولت الى شعار عراقي ديمقراطي عام تعتبرها اغلبية القوى السياسية ومن بينها سلطة التحالف بانها افضل نظام لادارة شؤون العراق».

واكد كاكه يي في حوار مع «الشرق الأوسط» على هامش مشاركته في الاجتماعات المكثفة التي عقدتها قيادتا الحزبين الكرديين الرئيسيين في الايام الاخيرة لتوحيد ادارتيهما، ان القيادات الكردية والقيادات العراقية الاخرى متفقة في ما بينها ومع الادارة المدنية للتحالف على ان يكون الدستور المقبل فيدراليا.

* من المقرر ان يزور وفد من مجلس الحكم الانتقالي نيويورك للاجتماع مع الامين العام للامم المتحدة في التاسع عشر من الشهر الجاري لبحث مستقبل العراق ووضع اليات لانهاء الاحتلال من خلال نقل السلطة، فكيف تنظرون الى هذه الزيارة وماذا تتوقعون منها؟

ـ اجتماع الوفد الثلاثي العراقي بالامين العام للامم المتحدة في نيويورك مهم سياسيا، داخليا ودوليا. فالامم المتحدة في طريقها الى ان تلعب دورا مهما في العراق من يونيو (حزيران) المقبل حيث ستنتهي سلطة الائتلاف الانتقالية فهي مرحلة في غاية الاهمية. وسيبحث الوفد الجدول الزمني لانتقال السلطة والسيادة من سلطة الاحتلال الى الشعب العراقي. ولم يتقرر بعد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستشارك ايضا في هذه المباحثات.

اما عن حضور زعيم كردي في الوفد الثلاثي فهو اعتراف بواقع التركيب القومي والاجتماعي للعراق. هذا التركيب الذي يشكل الشعب الكردي احد اعمدته الراسخة القوية الى جانب بقية قطاعات الشعب العراقي.

ويبدو ان الاعتراف الدولي بالتكوين الجديد للدولة العراقية بعد زوال النظام السابق يعتمد على هذا الشكل من التمثيل الثلاثي البارز الذي هو تحصيل حاصل لانه امر واقع منذ زمن بعيد، وهو الذي سيعزز الوحدة الوطنية العراقية.

اما الامر الاساسي الان فهو ان تنجح الهيئة الثلاثية والشعب العراقي عموما بكافة قومياته وطوائفه واحزابه وقواه السياسية الوطنية في التنسيق مع هيئة الامم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره من اجل الاسراع في استعادة السيادة الوطنية العراقية والسلطة واعادة الاستقرار والامن والمباشرة بالاعمار والتنمية وتحسين الاحوال المعيشية للمواطنين وايجاد العمل للعاطلين وتوفير الخدمات الضرورية وحل ازمة السكن والمشكلات الاجتماعية الاخرى.

فالذي نأمله من اجتماع نيويورك هو ترسيخ اسس عراق ديمقراطي برلماني تعددي فيدرالي.

* الفيدرالية تحولت الى شعار مركزي للاكراد، وقد جرت مباحثات بين زعماء الاكراد وسلطة التحالف وباعتبارك كنت حاضرا في تلك الجلسات، ما هي المواقف؟

ـ الفيدرالية ليست مطلب اليوم بل كانت تطرح نفسها منذ اكثر من عقد من الزمن، باعتبارها افضل نظام لادارة العراق، لانه بالاساس نظام لا مركزي يمنح الاقاليم والمحافظات صلاحيات واسعة لادارة شؤونها المحلية مما يقلص من قسوة الحكم المركزي الذي تحول عادة الى الدكتاتورية. فالفيدرالية بهذا المعنى، وقبل كل شيء، هي اسلوب ديمقراطي في الحكم يتيح اوسع مشاركة للسكان في جميع الاقاليم والمحافظات والمناطق.

ففي الاجتماعات الاخيرة للاحزاب والقوى السياسية في (مصيف صلاح الدين)، كما في اللقاءات والمؤتمرات منذ اكثر من 10 سنوات، تبين ان لا خلاف على مبدأ الفيدرالية. اما الطرف الكردي فكان وما يزال يطرح فيدرالية جغرافية سياسية على اساس المعطيات التاريخية ضمن الاقليم والمحافظات والاقضية والنواحي ذات الاكثرية الكردية. ولمسنا تفهما جيدا للمطلب الكردستاني المشروع. واكدت الاطراف الكردية من جانبها تأكيدا جازما قاطعا على احترام الوحدة الوطنية العراقية وعلى ان الاتحاد الاختياري (الفيدرالي) بين اقليم كردستان وبقية اقاليم العراق انما يرسخ وحدة البلاد وسيادتها.

لم نلمس في الاجتماعات عقبات معينة، بل اجتهادات مختلفة لا بد لها ان تظهر خلافا في الرؤى والتصورات. والمهم ان الجميع اتفقوا على حل المشكلات بالحوار والتوافق. وبعض المسائل العالقة مثل كركوك يمكن حلها ايضا بالتدرج، فليس هناك من مبرر لاستعجال قد يخلق بعض الصعوبات. وقد اهتم الجميع باهمية ازالة الحساسيات حول طريقة حل مشكلة كركوك والمناطق الاخرى ذات الاكثرية الكردية غير الملحقة حتى الآن بإقليم كردستان.

ونحن واثقون من قدرة العراقيين على حل مشكلاتهم الاساسية بانفسهم، مع الحرص دوما على صيانة وحدة البلاد على نقيض ما تزعمه بعض دول الجوار حول «مخاطر التقسيم والانفصال».. هذه المخاطر الوهمية غير الموجودة داخل العراق التي تحركها وتفتعلها بعض دول الجوار!

* بالنسبة لقضية الاكراد المرحلين من مدينة كركوك والمدن الاخرى والتي اصبحت اكبر مشكلة انسانية هل وصلتم مع سلطات التحالف الى نتائج تنهي هذه الازمة؟

ـ تقرر البحث في حل مشكلات المشردين والمرحلين الكرد والتركمان في محافظة كركوك وغيرها. هذه المشكلة مطروحة منذ تحرير العراق في أبريل (نيسان) العام المنصرم وجرى بحثها مع الادارة المدنية الاميركية ومسؤولي قوات التحالف، كذلك طرحت القضية قبل الحرب على البيت الابيض ووزارة الخارجية الاميركية ودول الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وغيرها. الترتيبات الملموسة لحل المشكلة تتلخص في توفير ظروف وشروط عودة المرحلين الى مناطق سكناهم وتعويضهم واعادتهم الى مناطقهم الاصلية.

فالاصل في الموضوع هو ازالة كافة اثار التمييز والتغيير الديموغرافي والسياسي حتى يزول الشعور بالغبن والاذلال والحرمان لدى كل مواطن. هذا هو جوهر العدالة واساس المصالحة الوطنية التي ندعو اليها. اذ لا يمكن اشاعة التسامح والمصالحة في ظل استمرار الاوضاع الاستثنائية وبقاء سلبيات الماضي. بل ان المصالحة تقتضي عودة الحق لأصحابه اولا، مع مراعاة حقوق الانسان، وان لا يمارس احد اساليب النظام السابق ازاء اي فرد او مجموعة.

بقدر ما يتعلق بالاحزاب الكردية وبالمرحلين الكرد انفسهم فاننا ندعو الى الاسراع في حل هذه المشكلة التي قد تتحول بين فترة واخرى الى بؤرة للتوتر والاضراب.

وفي رأينا يمكن حل الجوانب الاساسية لمشكلة المرحلين خلال الاشهر الستة المقبلة.

* ما هي العقبات الحقيقية التي تواجه مطالبة الاكراد بالفيدرالية؟

ـ الادارة المدنية الاميركية والبريطانية الآن قريبة جدا من طروحات القيادات الكردية. وتكاد الخلافات الجزئية تختفي كما يتبين من التصريحات العلنية للحاكم المدني الاميركي في العراق بول بريمر ومن تصريحات مسؤولين اميركيين اخرين.

ان اجواء مباحثات القيادات الكردية مع الادارة المدنية تبشر بحلحلة بقية الامور العالقة. والمهم ان الطرفين اتفقا على الفيدرالية اساسا للنظام الديمقراطي العراقي المقبل، واعرب الجانب الاميركي عن احترامه لخصوصية المناطق الكردية وللتجربة الكردستانية خلال الـ12 عاما الماضية، ووضع ذلك في الاعتبار.

عموما هناك الآن ارتياح كردي شعبي عام حول تقدم الحل الفيدرالي والمهم هو ان تبقى القيادات الكردية موحدة ومتماسكة في برنامجها المشترك وان تبقى الجماهير الشعبية متفقة ومنتبهة الى ما يجري، كذلك من المهم جدا استمرار الحوار مع مختلف قطاعات واحزاب وقوى المجتمع العراقي ليكون الحل عراقيا وطنيا شاملا يمهد للمصالحة وتقوية الوحدة الوطنية العراقية. فالاحزاب الكردية يهمها جدا ان يكون الحل الفيدرالي سبيلا الى تقوية العراق الجديد وتعزيز نهجه الديمقراطي والى البناء والازدهار الاقتصادي والتقدم الاجتماعي. نحن لا نعزل حل مشكلاتنا عن حل سائر مشكلات العراقيين حيث كانوا ولا نستطيع بمفردنا انجاز شيء وهم عاجزون عن تحقيق ذلك بدوننا. نحن جميعا نشكل حالة اجتماعية واحدة هي العراق الجديد. ونحن محكومون بالتعاون والتعاضد والتكافؤ معا في مسيرة الديمقراطية المشتركة.

* اذن لماذا ترفضون فيدرالية المحافظات بهذه الصورة المطلقة وما هي الاثار السلبية التي تتمخض عن ذلك مستقبلا؟

ـ نحن لسنا ضد «فيدرالية المحافظات» في حد ذاتها، بل نقول فقط ان فيدرالية المحافظات لن تستجيب لمطالب الشعب الكردي في فيدرالية على اساس الجغرافيا والتاريخ. فيجب اولا الاعتراف باقليم يتميز في العراق هو اقليم كردستان الذي يضم اربع محافظات والاقضية والنواحي ذات الاكثرية الكردية المتصلة جغرافيا بالاقليم. اما عن فيدرالية المحافظات، والتي تعني اللامركزية الادارية، فهي امر مطلوب لمحافظات الاقليم ايضا.

نحن بصورة عامة مع اللامركزية للتخلص من استبداد المركز كي لا تتكرر تجارب الماضي. هذا هو منبع الفيدرالية التي طرحناها منذ عام 1992. ويسرنا اليوم اننا نجحنا في تحويل فكرة اللامركزية الى مطلب عراقي عام. فيمكن مثلا لعدة محافظات متجاورة جغرافيا في اية منطقة بالعراق ان تتوحد معا لتشكل اقليما معينا، اداريا او غيره.

* اين وصلت جهود زعماء الاكراد في ما يتعلق بتوحيد مواقفهم بعد سلسلة الاجتماعات التي اجريت الاسبوع الماضي وكنتم واحدا ممن شاركوا في هذه المشاورات، وهل هناك جدول زمني للاعلان عن الحكومة الموحدة؟

ـ المحاولات الجدية لتوحيد الادارتين، في الاقليم مستمرة، ورغم انه لم يتحدد زمن معين للاعلان عن ذلك فانني ـ على مسؤوليتي ـ استطيع القول بوجود شكل من العلاقة الفيدرالية الان بين الادارتين فليس مطروحا توحيد جميع المفاصل والجزئيات، بل توحيد او تنسيق المواقف الاساسية التي صارت الآن موحدة. ان اشكال علاقات التعاون القائمة الان اشبه ما تكون بفيدرالية داخل فيدرالية، كما ان تمتع كل محافظة كردية بقدر من صلاحيات انجاز امورها المحلية ينسجم مع الدعوة الى فيدرالية المحافظات. البرلمان الواحد يعبر عن هذا الشكل الخاص من الفيدرالية، من وجهة نظري وعلى الصعيد السياسي والاستراتيجي لم يبق الان خلاف يذكر بين الحزبين الرئيسيين حول الامور الجوهرية في العراق عامة وفي اقليم كردستان ايضا. فالطرفان يتحركان مع بقية الاطراف الكردية حتى داخل مجلس الحكم كفريق واحد. اما استقلالية كل حزب وهذا طبيعي في المجتمع التعددي في كل مكان، فستبقى هناك منافسة حزبية وسياسية معينة، وهي من طبيعة الامور، ويطبق ذلك على جميع الاحزاب العراقية.