المنطقة الشرقية تشهد فعاليات ثقافية لتفعيل الحوار الوطني

ندوات للصفار والسلمان وتركي الحمد في ديوانيات مفتوحة للجمهور السعودي

TT

بالاضافة للأمطار التي تهطل بشكل متقطع، ونسمات الشتاء الخجولة التي تتسلل ببطء إلى الأبدان مع إستمرار حرارة الصيف، شهدت المنطقة الشرقية خلال الايام العشرة الماضية التي تلت اختتام ملتقى الحوار الوطني الثاني الذي اقيم في مكة المكرمة، جملة من الفعاليات الثقافية والفكرية التي استفادت من أجواء الحوار الوطني، وعبّرت عن نفسها من خلال أكثر من 6 ندوات ولقاءات مختلفة، شارك فيها اعضاء في مؤتمر الحوار وأكاديمييو ومفكرون آخرون. وكان لافتاً ان المنطقة دخلت وبمبادرات فردية بعيدة عن مؤسسات الثقافة الرسمية كالأندية الادبية وجمعيات الثقافة والفنون، في دورة سريعة لتفعيل نتائج مؤتمر الحوار والاستفادة من الفرصة التي وفرها.

ويشعر المواطنون السعوديون في المنطقة الشرقية، بأن مناخاً مختلفاً دبّ في هذه المنطقة خلال الأيام الماضية، فالعديد من الندوات واللقاءات الثقافية شهدت حشداً كبيراً من تيارات ثقافية وفكرية ومذهبية متعددة. وكان لافتاً الحضور الكثيف للاسلاميين السلفيين مساء امس في الملتقى الثقافي الذي يعقد اسبوعياً في منزل رجل الاعمال جعفر الشايب في القطيف، والتي استضاف فيها رئيس محكمة القطيف الكبرى القاضي الشيخ صالح الدرويش، وتحدث في (محبة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الاساس لوحدة الأمة الاسلامية) مقدماً اطروحة علمية عن سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) ومعجزته، وضرورة ان تكون إطاراً لوحدة المسلمين. وكان لافتاً أن الشيخ وعي تماماً أنه يتحدث في جمهور يغلب عليه الحضور الشيعي، لكنه امتاز برقة الخطاب وعلميته ومراعاته لمستمعيه. كذلك بادله الحضور وبينهم عدد من المشايخ والمثقفين الكلمات التي تعبر عن الرغبة في توثيق التواصل وتعزيز التفاهم.

وشهدت الأيام الماضية ندوات في الاحساء والدمام والقطيف أذابت شيئاً من الجليد في علاقات اتسمت بالجمود، وشهدت في فترات سابقة مراحل من التجاذب والشد، قبل أن يسكب عليها مؤتمر الحوار في دورتيه قطرات الندى.

وكان ملاحظاً أيضاً أن الجمهور الذي التف في أكثر من 4 ندوات لعضوين من أعضاء الحوار هما الشيخ حسن الصفار والسيد هاشم السلمان، كان متلهفاً ليعرف ما جرى، وحقيقة الرغبة في التلاقي بين المتحاورين، أما أبرز ما رشح عن هذه الملتقيات فهو أن المثقفين السعوديين ومعهم جمهور عريض لم يكونوا بحاجة لأكثر من شرارة لتقدح سيلا من الرغبات في تعزيز مناخات التفاهم المشترك. وقد كان الهم الوطني مهيمناً على هذه اللقاءات، مثلما كانت الرغبة لتجاوز الخلافات وقطع بحار من الشك للوصول للضفة الاخرى أكثر إلحاحاً.

في جانب آخر كان مثقفون آخرون يلتقون في ندوة للمفكر تركي الحمد لمناقشة قضايا ومعوقات المجتمع المدني، وكان أيضاً واضحاً ان هذا اللقاء يأخذ زخمه وأهميته من الظروف الموضوعية التي شهدتها المملكة بعد مؤتمر الحوار.

في مساء الاثنين الماضي عقدت في الدمام ندوة استضافت الشيخ حسن الصفار أحد الأعضاء المشاركين في الحوار الوطني الفكري الثاني المنعقد في مكة المكرمة، ليتحدث عن تقييمه لنتائج مؤتمر الحوار، والآفاق الجديدة التي فتحها أمام الجمهور السعودي، داعياً الحاضرين إلى الاستفادة من هذه الفرصة لتعزيز ثقافة الحوار وتعزيز التضامن الداخلي وتحقيق قدر من التواصل والتعرف على الآراء الأخرى.

وكان لافتاً في الندوة التي اقيمت في مجلس السيد علي الناصر أحد أبرز رجال الدين الأحسائيين المقيمين في الدمام، كثافة الحضور من المثقفين والاعلاميين ورجال الأعمال، وضمت أيضاً تنوعاً مذهبياً يعتد به.

وكان الصفار قد صنف أهداف الحوار بأنها تدعو للتواصل بين النخب والرموز الفاعلة في الوطن، وأنها تحقق قدراً من التعارف بين الأطراف المختلفة، وتحقق المصارحة والمكاشفة فيما بينهم باحترام ومودة، متمنياً أن يتوج التعاون بخطة عمل مشتركة لمصلحة الدين والوطن.

حضر اللقاء الشيخ حسن بن فرحان المالكي، الذي قدم مداخلة رأى فيها ان الفريقين الاسلاميين (السنة والشيعة) كانوا في الأصل متقاربين منتقداً التركيز على الجزئيات الصغيرة وإهمال المسائل الكبيرة وخاصة ما يتفق عليه من اساسيات الدين. موجهاً نقده بشكل خاص للعوامل السياسية التي رأى انها المسؤولة عن زيادة هوة الخلاف ما بين المذاهب الاسلامية.

كذلك تحدث الدكتور مبارك الخالدي معترضاً على التعتيم الذي أحيط بأعمال المؤتمر، وعدم السماح للصحافة والبث الاعلامي المباشر بالنقل الحي معتبراً ان الحوار يعنى بالشان العام ويهم كل أبناء الوطن.

وكان اللقاء ايضاً فرصة أمام المداخلين ليستعرضوا تطلعاتهم بشأن توسيع دائرة الحوار والاستفادة من المناخ الإيجابي في توطيد الروابط بين أبناء الوطن الواحد. وشدد الصفار على اهمية أن تعالج الأمة وضعها الداخلي حتى تتمكن من مواجهة التحديات الخارجية، مشيراً إلى انشغال الأمة الإسلامية ببعضها البعض على مختلف الأصعدة، ففي الوقت الذي لاحظ فيه أن الدول الإسلامية تخوض صراعات مع بعضها أشار إلى أن الشعوب أيضاً ليست منسجمة مع بعضها، وكذلك الفئات المتنوعة داخل الأمة لا تزال علاقاتها مشوبةٌ بالاختلافات، مؤكداً على أن «طاقات الأمة ستستهلك لتصفية الحسابات الداخلية بعيدةً عن الخطر الأساس الذي يهدد الجميع». ورأى الصفار أن «الحوار الوطني يُمثل استجابة واعية للتحديات، ولو كان فعلاً ذاتياً لحصل منذ وقتٍ بعيد». وأضاف أن «الحوار الوطني مؤقت ينبغي أن ينتهي بالتوصل إلى رأي مشترك حول القضايا العامة ومن أهمها تفعيل المشاركة الشعبية في القرارات السياسية من خلال وجود مجلس شورى منتخب». وأشار إلى أن الحوار لم يقم «على أساس الاختلاف العقدي والفكري، وإنما كان على أساس تلمس المصالح المشتركة بين الفئات المختلفة، بعيداً عن الآراء الفقهية والعقدية فللجميع الحرية في هذا الجانب».

وكان الصفار ايضاً قد أقام ندوة أخرى في ملتقى الثلاثاء الذي يقام اسبوعياً في منزل جعفر الشايب مستعرضاً نتائج ومستقبل الحوار الوطني. وكان لافتاً أيضاً كثافة الحضور من شخصيات ومثقفين تمثل التعدد الفكري والمذهبي في المنطقة الشرقية. في هذا اللقاء أثنى الصفار على اختيار محور (الغلو والاعتدال.. رؤية منهجية شاملة) معتبراً انه يستجيب لواحدة من اهم التحديات الفكرية التي تواجهها البلاد. يذكر أن السيد هاشم السلمان العضو المشارك في مؤتمر الحوار الوطني اقام هو الآخر ندوتين في الأحساء والدمام استعرض خلالها المكاسب التي جناها المشاركون من الحوار، والآفاق التي يفتحها امام الجمهور.

* في جانب آخر، التقى مساء الاثنين الماضي أكثر من 120 مثقفاً وأكاديمياً سعودياً في الملتقى الثقافي الأول الذي أطلقه الكاتب المعروف نجيب الخنيزي في منزله بالقطيف، وتحدث فيه الدكتور تركي الحمد عن «المجتمع المدني العربي.. إشكالية مفهوم وأزمة واقع»، مستعرضاً مفهوم المجتمع المدني باعتباره يتكون من 3 قطاعات رئيسية، معتبراً أن العلاقة بين هذه القطاعات الثلاثة تعتمد حيوية المجتمع وتنميته واستقراره ورفاهيته. وذكر أن هذه القطاعات، هي: السلطة السياسية أو الدولة، وقطاع الأعمال، والقطاع الثالث هو المعروف كلاسيكياً بالمجتمع المدني. ورأى الحمد أن هناك ست حقائق تؤكد أهمية الحاجة الى مجتمع مدني: الحقيقة الأولى: هي أن العالم المعاصر يتكون من وحدات تقوم في تكوينها على مفهوم الدولة الحديثة، أو الدولة القومية، حيث السلطة في النهاية عبارة عن أداة لتجسيد العقلانية الاجتماعية، وليست أداة قمع للمجتمع كما هو الحال في الدولة التقليدية أو الدولة المستبدة، والتي تختلف في شكلها وبنيتها وغايتها وآليات حركتها عن تلك الدولة.

الحقيقة الثانية: أن المجتمعات الحديثة مجتمعات تعددية ومعقدة في بنيتها وطبيعتها، ولذلك لا يمكن الحفاظ على نوع من التجانس والتماسك فيها إلا من خلال إطار يحتوي هذه التعددية، ويضفي الشرعية عليها من خلال تقنينها «من القانون والقناة في ذات الوقت»، وإلا فإنها قد تتحول إلى عامل اضطراب للدولة والمجتمع في آن واحد.

الحقيقة الثالثة: محورية الفرد وحقوقه في الأنظمة المعاصرة. فمنذ الثورة الفرنسية عام 1789، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من ديسمبرعام 1948، تحول الفرد وحقوقه وحرياته إلى قيم عالمية لا يستطيع أي مجتمع أو دولة أن تتجاهلها أو تتجنبها، ولو ظاهراً على الأقل، وإلا عزلت نفسها عن عالم لا تستطيع إلا أن تتعامل معه.

الحقيقة الرابعة: هي الديموقراطية، ومن الثورتين الأميركية والفرنسية في القرن الثامن عشر، تحدد معنى الديمقراطية بحكم الشعب.

الحقيقة الخامسة: هي أننا نمر في مرحلة ما يمكن أن يُسمى «ثورة العولمة». وفي هذا المجال، يرى توماس فريدمان أن لب العولمة، منظوراً إلى المسألة من ناحية قيمية، يتمحور حول ثلاث ديمقراطيات رئيسية: ديمقراطية التكنولوجيا، وديمقراطية التمويل، وديمقراطية المعلومات. الحقيقة السادسة: هي تلك العلاقة الطردية الملاحظة بين اتساع المجتمع المدني واستقرار الدولة والمجتمع: فكلما كان الهامش الاجتماعي المدني أوسع، كان الاستقرار أكثر رسوخاً. بمعنى آخر، فإن وجود المجتمع المدني هو نوع من صمام أمان ضد الثورات.

وخلص الحمد إلى القول أن «المجتمع المدني أصبح ضرورة عملية في ظل العولمة وعصر الديمقراطية وعهد التقلبات السريعة، ولا يمكن لأي كيان يريد الاستمرار والبقاء أن يعيش بدون وجوده. وعلى ذلك فإنه من الضروري التعامل مع المفهوم على أساس سوسيولوجي وليس إيديولوجي، بمعنى أن يكون أداة تحليل قبل أن يكون ورقة سياسية. ومن أجل هذا الغرض، فإنه لا بد من تحليل واقع المجتمعات العربية من أجل فهم بنيتها، الاجتماعية والثقافية والسياسية، ومحاولة معرفة تلك المعوقات التي منعت قيام مجتمع مدني واسع الهامش في الحياة العربية، قديمها وحديثها، قبل محاولة التبشير بضرورة هذا المجتمع في الحياة المعاصرة، ومحاولة إنشائه. فليس من الضروري أن تكون المؤسسات التقليدية أو السلطة السياسية هي السبب الأوحد في غياب بنى المجتمع المدني في العالم العربي، بقدر ما أنها قد تكون نتيجة لغياب هذا المجتمع، ثم تعود لتفعل فعلها المثبط بعد ذلك، في دائرة من السبب والنتيجة ليس من الضروري فهم أولها من آخرها، بقدر ما أن الضروري هو استيعاب آليتها للسيطرة عليها».