بوش يغيب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لأول مرة من خطاب حالة الاتحاد ويعلن تطبيقه استراتيجية الحرية في منطقة الشرق الأوسط

الديمقراطيون يهاجمون خطاب حالة الاتحاد ويعتبرون أن بوش وضع الولايات المتحدة في عزلة دولية وخلق محور شر جديدا

TT

غابت عملية السلام في الشرق الاوسط لاول مرة عن خطاب حالة الاتحاد السنوي الذي القاه الرئيس الاميركي جورج بوش امام الكونغرس مساء اول من امس، بينما اعتبر تخلي ليبيا عن اسلحة الدمار الشامل يبرر الحرب في العراق. وقال ان واشنطن لن تستأذن احدا لدخول حرب من اجل أمنها.

ولم ترد في خطاب بوش الذي استغرق اكثر من ساعة اي كلمة مرتبطة بالنزاع الفلسطيني الاسرائيلي، لكنه اشار الى «القدس» بين المدن التي هزتها «اعتداءات ارهابية» في الاشهر الاخيرة.

وهي المرة الاولى التي لا يتحدث فيها بوش عن هذه القضية في خطابه التقليدي السنوي، رغم ان وزير الخارجية الاميركي كولن باول اكد في مقال نشر في الاول من يناير (كانون الثاني) في صحيفة «نيويورك تايمز» ان هذه القضية تشكل واحدة من الاولويات في عام 2004.

واعلن بوش مساء امس انه يريد مضاعفة الميزانية الاميركية المخصصة لتعزيز الديمقراطية بهدف دعم استراتيجية ليبرالية وانفتاح سياسي في الشرق الأوسط. وقال انه سيطلب من الكونغرس مضاعفة الميزانية المخصصة للديمقراطية ما سيرفعها من 42 الى 84 مليون دولار.

واضاف ان هذا المال سيستخدم في «تطوير انتخابات حرة واقتصاد سوق وصحافة حرة ونقابات مستقلة في الشرق الأوسط».

واوضح «طالما بقي الشرق الاوسط فريسة للطغيان واليأس والغضب فسيستمر في انتاج رجال وحركات تهدد أمن اميركا وأمن اصدقائنا».

وقال ايضا ان «اميركا تعتمد اذن استراتيجية الحرية» في هذه المنطقة، مضيفا «سوف نتحدى الاعداء بالاصلاح والتصدي لحلفاء الارهاب».

واضاف «خصوصا، سوف ننهي المهمة التاريخية في عملية تعميم الديمقراطية في العراق وافغانستان كي يتمكن هذان البلدان من انارة الطريق التي سيتبعها اخرون». واشار الى ان الولايات المتحدة كثفت جهودها في مجال البث الاذاعي باللغة العربية واللغة الفارسية، واوضح انها ستطلق قريبا برنامجا تلفزيونيا باتجاه هذه المنطقة.

وقال بوش في خطابه حول حالة الاتحاد ان قرار ليبيا التخلي عن تطوير اسلحة دمار شامل يبرر قراره شن حرب ضد العراق. وقال «تسعة اشهر من المفاوضات المكثفة قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا نجحت حيث فشلت 12 سنة من الدبلوماسية مع العراق، والسبب في ذلك واضح: كي تكون الدبلوماسية فعالة يجب ان يتمتع الكلام بصدقية ولا يمكن لاي شخص ان يشكك بكلام اميركا». وفي اشارة الى العراق قال ان الولايات المتحدة لن تطلب ابدا الاذن للدخول في حرب من اجل تأمين أمنها. واضاف ان «اميركا لن تطلب ابدا الاذن للدفاع عن أمن مواطنيها». وقال بوش «منذ البدء سعت اميركا للحصول على دعم دولي للحرب في العراق وافغانستان وحصلنا على دعم واسع. هناك مع ذلك فرق بين تصرف تحالف مؤلف من عدة دول والتقيد باعتراضات مجموعة صغيرة» في اشارة الى فرنسا والمانيا وروسيا والصين التي عارضت الحرب على العراق. وشدد في خطابه امام الكونغرس على الانجازات التي تحققت في مجال مكافحة الارهاب، مؤكدا ان التهديد الارهابي ما زال قائما في العالم وضد الولايات المتحدة. ودعا بوش الذي يخوض حملة لاعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية في الاقتراع في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، الاميركيين الى الابتعاد عن الاوهام وان لم يستهدف اي اعتداء الارض الاميركية منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر(ايلول) 2001. وقال ان «28 شهرا مرت منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر اي اكثر من عامين ولم يقع اي هجوم على الارض الاميركية وهذا يغرينا بالتفكير ان الخطر اصبح وراءنا».

واضاف ان «هذا الامل مفهوم ومطمئن... لكنه خاطىء»، مؤكدا ان «الارهابيين ما زالوا يتآمرون على اميركا والعالم المتحضر».

وذكر بالاعتداءات التي وقعت في بالي وجاكارتا والدار البيضاء والرياض ومومباسا والقدس واسطنبول وبغداد. واضاف «نحن نواجه خيارا يمكننا السير قدما بثقة وتصميم او قد نلتفت الى الوهم الخطير بان الارهابيين لا يتآمرون علينا والانظمة الخارجة عن القانون لا تشكل تهديدا لنا». وتابع ان «مسؤوليتنا الكبرى هي الدفاع الفعلي عن الشعب الاميركي». وبعد ان اعترف بأن «بعض الاميركيين يشككون في اننا نخوض حربا حقيقية»، اكد انه منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر لم يعد يكفي ارسال «مذكرات قضائية الى اعداء» الولايات المتحدة. واضاف ان «الارهابيين والذين يدعمونهم اعلنوا الحرب على الولايات المتحدة وحصلوا على الحرب». وعدد النجاحات التي تحققت في الحرب ضد الارهاب وخصوصا ضد تنظيم «القاعدة» الذي اكد ان «حوالي ثلثي قادته اسروا او قتلوا».

واكد الرئيس الاميركي ان «آلاف العسكريين المؤهلين ويملكون التصميم يخوضون عملية مطاردة يلاحقون خلالها قتلة يختبئون في مدن او كهوف. سنقدمهم الى القضاء الواحد تلو الآخر».

ولم يلمح مباشرة الى مطاردة زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن الذي ما زال على قيد الحياة على ما يبدو، بينما ينتقد المرشحون الديمقراطيون للانتخابات الرئاسية باستمرار فشل ادارة بوش في العثور عليه حتى الآن.

ودعا بوش الكونغرس الى تجديد قانوني مكافحة الارهاب (باترويت اكت) الذي اعتمد غداة اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر وتنتهي بعض مواده في نهاية 2005. وقال «علينا الاستمرار في اعطاء الشرطة والعناصر المكلفين الأمن الداخلي الادوات التي يحتاجون اليها للدفاع عنا، وإحدى هذه الادوات هي القانون الذي يسمح بتقاسم افضل للمعلومات ومطاردة الارهابيين وتفكيك خلاياهم ومصادرة اموالهم».

وقد ارتبك بوش قليلا عندما تلا تصفيق حاد وغير متوقع تصريحه عن «انتهاء بعض العناصر الاساسية في قانون مكافحة الارهاب العام المقبل». لكنه اكد بسرعة وقد بدا عليه الارتباك بشكل واضح ان «التهديد الارهابي لن يكون قد زال في هذا التاريخ. نحتاج الى هذا القانون الحيوي لحماية مواطنينا». وبعد الخطاب قالت كبرى الصحف الاميركية امس ان الرئيس بوش اطلق حملة اعادة انتخابه للرئاسة بالقاء خطاب حالة الاتحاد الذي لم يشهد اي تغيير على سياساته وتجاهل تماما المسائل الجدية التي تواجه البلاد. واعربت صحيفة «واشنطن بوست» عن صدمتها لاخفاق بعض اقتراحات الرئيس في معالجة عدد من اهم القضايا التي تواجه البلاد. اما صحيفة «نيويورك تايمز» فقالت في مقالين نشرتهما اليوم حول خطاب بوش احدهما يتعلق بسياسته الخارجية التي تسببت في «توتر علاقات الولايات المتحدة مع باقي دول العالم» والآخر عن سياسته الداخلية «التي تتلخص في حقيقة كارثية واحدة وهي ان اصراره على التخفيضات الهائلة في الضرائب لمصلحة الاثرياء تتسبب في حرمان البلاد من الاموال التي تحتاجها لمعالجة مشاكلها مما يهدد أمنها الاقتصادي على المدى البعيد». واكدت الصحيفتان اخفاق بوش في تقديم شرح «لادعاءاته الخاطئة والمبالغ فيها حول اسلحة العراق».

كما اتهم المعارضون الديمقراطيون الرئيس بوش بادخال الولايات المتحدة في عزلة دولية وخلق «محور شر» جديد عن طريق تبني ادارته سياساتها الحالية. وفي ردها على خطاب حالة الاتحاد الذي القاه الرئيس الاميركي امس هاجمت رئيسة الديمقراطيين في مجلس النواب الاميركي نانسي بيلوسي التكلفة البشرية والمالية للغزو الاميركي للعراق العام الماضي. وقال ويسلي كلارك، احد مرشحي الرئاسة البارزين عن الحزب الديمقراطي، ان بوش خلق «محور شر» جديدا بعد عامين من ظهور تلك العبارة في خطاب حالة الاتحاد الذي القاه بوش سابقا لوصف الدول التي تشكل تهديدا على الولايات المتحدة. وقال الجنرال المتقاعد في بيان له ان خطاب بوش خلق «محور شر من السياسات المالية التي تهدد مستقبلنا وسياسات خارجية تهدد أمننا وسياسات داخلية تضع اسرنا في المرتبة الاخيرة».