جمعية رعاية المكفوفين في البصرة هي أيضا في حاجة إلى الرعاية

TT

يستطيع من «فرهد» بيته الرعاع في فترة ما بعد الحرب أن يستعيد بعض أجهزته وقطع أثاثه عن طريق شرائها في سوق «الحرامية» في منطقة باب الزبير بالبصرة. وهي حالة تعود البصريون عليها: يعرف السارق والمسروق بالحقيقة، لكنهما يتفاديان ما لا تحمد عقباه ويتراضيان على سعر ما. هذه ليست المفارقة الوحيدة في المدينة المبتلاة بالخراب والمزابل والنهب، فقصة حصول «الجمعية الوطنية لرعاية المكفوفين» على قطع أثاث لمقرها لا تقل غرابة عن قصص «سوق الحرامية». ففيما أتى «الفرهود» والنهب على أثاث وممتلكات الدوائر والجمعيات الأخرى، استطاعت جمعية المكفوفين أن تكتفي «ذاتيا» من خلال ما يسمى بالأثاث «المجهول المالك» الذي تراكم في المساجد. ويقول رئيس الجمعية الشاب سرور يوسف نصار، 23 سنة، والطالب في كلية الآداب ـ قسم التاريخ، ان أحد المساجد تبرع لهم بقطع الاثاث «المجهولة المالك» التي بقيت في المسجد بعد رواج حالة «الندم» وقيام بعض اللصوص بإعادة «الحواسم» (المسروقات) إلى الجوامع. ولولا هذه المفارقة لما وجد المكفوفون ما يجلسون عليه في مقر جمعيتهم الذي يحتل جزءا من مبنى تابع لوزارة المالية.

وما يسمى مقرا ليس الا مبنى فقيرا تنتشر فيه قطع أثاث من كل لون ونوع وسن يتراكم عليها غبار سميك.لا هاتف، لا راديو، لا جهاز تسجيل، لا ثلاجة، لا مكيفة هواء، لا سجلات، لا زجاج نوافذ، لا قلم لا..... لا... ولا شيء يشجع على الجلوس هنا. فالحياة في هذا المقر معدومة ولا يبدو أن أعضاء الجمعية قد استساغوه أو سيتعودون عليه مستقبلا.

مع ذلك يعمل أعضاء «جمعة رعاية المكفوفين» بحماس من أجل تحسين أوضاعهم وتنفيذ برامجهم الثقافية والرياضية الطموحة التي تتحدى الحالة المأساوية القائمة وتتطلع نحو الأحسن. ولا تحتاج الجمعية إلى دعم كبير كي تحسن أوضاع أعضائها الذين يبلغون الـ 200 بينهم العديد من الخريجين وطلاب الجامعات.

وحول تأسيس الجمعية الوطنية للمكفوفين بالبصرة، وملابسات تأسيسها واحتياجاتها كان لـ «الشرق الأوسط» هذا الحديث مع رئيسها سرور يوسف نصار (الكفيف بنسبة 100%) من حي الحسين (الحيانية) الفقير.

* متى تأسست جمعية رعاية المكفوفين بالبصرة وأي دعم حظت به من الحكومة؟

ـ تأسست الجمعية يوم 2000/5/1 وكرست نشاطها منذ اليوم الأول لرعاية وتوجيه المكفوفين ماديا ومعنويا والسعي من أجل حل مشاكلهم من الناحيتين الاجتماعية والرسمية. فالجمعية هي ممثل المكفوفين الوحيد أمام دوائر الدولة وغيرها.

وتم تأسيس الجمعية بمبادرة فردية مني ودعمها بعض الزملاء المكفوفين. طلبنا فقط موافقة تأسيس ولم نطلب أي دعم مادي، ومع ذلك لم ننل هذه الموافقة إلا بعد سنتين من تقديم الطلب.

ولم تحظ الجمعية بأي دعم من قبل النظام السابق ولم تنل أي دعم ثابت رسمي أو غير رسمي. وكانت الجمعية طوال الفترة الماضية تعيش من إعانات بعض الأشخاص الميسوري الحال. إلا أن هذه الدعومات البسيطة لم تلب سوى جزء بسيط من احتياجات الجمعية وأعضائها.

* ما هي البرامج والأنشطة التي تعمل الجمعية من أجل تحقيقها؟

ـ من الناحية الثقافية تقيم الجمعية للأعضاء وغير الأعضاء دورات لتعلم طريقة «برايل» التي تعتمد الخط البارز في القراءة والكتابة. كما تقيم الندوات الثقافية والعلمية بهدف رفع المستوى الثقافي لهذه الشريحة وتحث المكفوفين على مواصلة دراستهم. وتهتم الجمعية أيضا بالنشاط الرياضي حيث أنشأت فريقا للعب كرة الجرس، وهي لعبة خاصة بالمكفوفين، كما تعد الأعضاء للمشاركة في ألعاب الساحة والميدان. ويعين أعضاؤنا الموسيقيين الآخرين في تعلم الموسيقى والعزف على مختلف الآلات الموسيقية. وهذه النشاطات تتم بظروف غاية في الصعوبة بسبب نقص القدرات المالية، فالعين «بصيرة» واليد قصيرة كما يقولون.

* كم هو عدد أعضاء الجمعية وكيف تبدو لوحة تحصيلهم الدراسي؟

ـ يبلغ عدد أعضاء الجمعية نحو 200 عضو من مختلف درجات العمى. وبيننا 8 طلاب جامعة، 10 من خريجي الجامعات و 15 طالب اعدادية. ومن المحتمل أن تتوسع العضوية مع توسع إمكانيات ونشاط الجمعية. ونحن بحاجة إلى مساعدات بسيطة من الدولة كي نرمم مبنى الجمعية ونجهز مكاتبه وغرفه، لكننا لا نحصل على معونات رغم وجود صرف كبير في دوائر الدولة. نحن بحاجة إلى مبلغ ثابت للخروج من أزمتنا وكي نتمكن من المواصلة، ولا بأس في البداية بمبلغ 100 ألف دينار اذ سيحل لنا مشاكل كبيرة.

* ما هي احتياجات الجمعية؟

ـ نحن بحاجة إلى كل شيء تقريبا لأن وضعنا مأساوي. وكبداية نحن بحاجة ماسة إلى أجهزة تسجيل للدارسين، وإلى آلات كاتبة بطريقة برايل. تعوزنا 100 ساعة يد للمكفوفين في الأقل وآلات موسيقية مختلفة وإلى اكثر من أورغ وأكثر من آلة كمان وأجهزة تكبير وترشيح وتوزيع الصوت وآلات إيقاع. نحن بحاجة إلى الكثير من التجهيزات الرياضية وخصوصا كرات الأجراس الخاصة بالمكفوفين. ونحن أيضا بحاجة إلى مكتبة صوتية وأشرطة تسجيل وإلى جهاز كومبيوتر خاص بالمكفوفين.

* ألم تقدم لكم المنظمات الإنسانية الدولية دعما؟

ـ لم ننل أي دعم، وطالبنا جمعية الهلال الأحمر ببعض الدعم لكنها لم تستجب. ونضطر لتمويل سفرنا إلى بعض الفعاليات العراقية والعربية والعالمية من جيوبنا.

=