حجاج يبيعون أملاكهم من أجل أداء فريضة الحج وآخرون يتمنون الموت في مكة

TT

ملابسهم البيضاء تغطي مطار الملك عبد العزيز بجدة وأصواتهم تبلغ كل الآذان منادين «لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك» يخفون داخل صدورهم ألما ومعاناة كبيرة تكبدوها حتى وصلوا إلى هذا المكان، كثيرون منهم دفع ثمنها كل أمواله والبعض قام ببيع بهائمه ومصدر رزقه كل ذلك ليؤمن نفقات الحج ويؤدي هذه الفريضة بعد أن غزا الشيب رأسه واصبح نداء الموت يزوره صباح مساء.

جاويد علي الحاج الاندونيسي المعمر الذي كلفه حضوره اغلب أمواله التي يملكها وترافقه في حجه زوجته العجوز، اكتفى بقولة «أتمنى أن أموت في مكة وأقابل الله محرما»، وهذا ما قالته زوجته وهي تبكي وتقول إنها لا تصدق أنها الآن قريبة من بيت الله الذي ظلت تشاهده في التلفزيون منذ صغرها وحلمت بالوصول إليه عمرها كله». وتضيف «أن عمر هذا الحلم اكثر من سبعين عاما وهاهو يتحقق وأنا ألان غير مصدقة أنني أطأ بلاد الحرمين».

في صالة حجاج مطار الملك عبد العزيز كان المسن الهندي محمد كرمان الذي يتجاوز العقد الثأمن، يتجه إلى بوابة الخروج. كان يسير بخطى مثقلة قال «انه ظل طوال السنين يحلم بهذا اليوم الذي سيحج فيه ولكن ظروف الحياة منعته من تحقيق ذلك»، مشيرا إلى أن عجزه لن يمنعه من أداء الحج بل قال «أتمنى أن أموت في مكة أثناء أدائي لمناسك الحج حتى أقابل الله محرما». وقال «لقد جمعت تكلفة الحج خلال السنوات الماضية الأخيرة وأخذت زوجتي معي وقد خسرنا اغلب أملاكنا التي كنا نخبئها لكي نؤدي فريضة الحج، وحين سنعود من الحج إذا قدر لنا ذلك فأننا سنعود من جميع، فنحن نعمل في الأرض معا أبنائي وبناتي الذين يشاركوننا ذلك».

وكان الأمير عبد المجيد آمر منطقة مكة المكرمة قد وقف أمس على مطار الملك عبد العزيز الدولي وصالة الحجاج تفقد خلالها الاستعدادات في المطار وقال «إن كل التجهيزات تمت وبدأنا في استقبال الحجيج منذ فترة وسيتم توفير كل ما يحتاجون إليه من مساعدة».

وأضاف «أن هناك صالات تستوعب عمليات خدمة الحجيج وتلبي احتياجات العمرة طوال العام وتتوفر فيها محلات تسوق فيها 4 جسور متحركة كما اعد 40 شاشة عرض لتقديم معلومات الرحلات».

وقام الأمير عبد المجيد خلال الزيارة بتفقد صالات الحجاج وزيارة مكتب وزارة الحج كما شاهد عرضا لجهاز تفتيش الأمتعة بالصالة.

من جهته وصل محمد عمار وهو حاج (مصري) على متن سفينة إلى ميناء جدة ويبلغ من العمر قرابة السبعين عاما قال لـ «الشرق الأوسط»: «منذ سنوات وأنا احلم بالوصول إلى بيت الله الحرام ولكن ذلك لم يتحقق إطلاقا لان التكاليف عالية وأنا اعمل في محل بسيط بالكاد احصل على قوتي وقوت عيالي ولكن العمر يجري وكنت أخشى أن أموت قبل أن أجد بيت الله الحرام لذلك بعت جزءا من ارض كنت املكها بمبلغ من المال سأحج أنا وزوجتي بجزء منه وسابقي الجزء الآخر للمستقبل». ويضيف «مهما كانت الخسارة المالية فهي لا تعني شيئا لذلك الحلم الذي راودني طوال السنوات الماضية وأنا لا اصدق أنني سأشاهد بيت الله قريبا وأتمنى أن اغمض عيني وافتحها لأجد نفسي في الحرم المكي».

ويضيف «لقد تعبنا كثيرا في رحلة البحر، استغرقت أياما تعبت فيها زوجتي كثيرا خاصة أنها المرة الأولى التي تركب السفينة لذلك تعرضت لتعب شديد وخشيت أن تموت على متن السفينة قبل أن تصل إلى مكة ولكن الحمد لله تماثلت للشفاء».

ويؤكد عمار لـ«الشرق الأوسط»: أن معاناة كبيرة يتكبدها كثير من الناس للوصول إلى مكة بسبب عدم وجود المادة ونفقات السفر مشيرا إلى أن كثيرين يحلمون بالحج والعمرة وكثيرون يموتون قبل ان يتحقق ذلك الحلم ومن يصل إلى مكة فهو سعيد بكل معنى الكلمة. أمين محمد عجوز (سوداني) وصل إلى ميناء جدة مقبلا من السودان قال «لا اصدق أنني سأذهب إلى مكة وأنني قريب من ذلك» قالها والدموع تذرف من عينية وقال «لا يمكن ان تتصور المعاناة التي تكبدتها من اجل الحج لقد جمعت مرتبي التقاعدي لمدة تتجاوز السنة الكاملة واقتصدت في كل نفقاتي لكي أحج أنا وزوجتي واعتقد أن المعاناة والتعب مهما كان حجمهما ما لا يعنيان أي شيء امام منظر الكعبة الشريفة».

ويضيف «نحن نعتبر من احسن الناس حالا، هناك أشخاص لا يستطيعون حتى مجرد التفكير في الحج لعدم وجود إمكانيات مادية تسمح لهم وهناك آخرون يبيعون ماشيتهم من أبقار وأغنام لكي يؤدوا فريضة الحج رغم أنها كل ما يملكون ولكنهم يحرصون على المجيء ويتمنون الموت في مكة بل يحلمون بذلك خاصة ان اغلبهم يأتون وهم من كبار السن». كانت تلك مشاعر بعض الحجاج ومعاناتهم التي تكبدوها منذ أول خطوات الحلم وحتى البدء في تنفيذه بجمع تكاليفه المرهقة لهؤلاء الفقراء.