خفايا المطلوبين في السعودية: الأسر تتجاهل التبليغ عن غيابهم خشية فتح عيون الأمن عليهم

قلة سارعوا بإخطار السلطات بفقدان الاتصال بأبنائهم ومنهم عناصر مطلوبة في قائمة الـ26

TT

«لماذا لا يبلغ الأب الأمن عن غياب ابنه لأشهر، من دون زيارة أو اتصال ؟».

كان مثل هذا السؤال يتردد داخل الأوساط المحلية في السعودية، بعد أن كشفت التحقيقات الأمنية اختفاء العناصر المطلوبة أمنياً عن أسرهم لشهور طويلة، من دون أن يتقدم معظم أولياء الأمور للإبلاغ عن غياب أبنائهم.

ومن خلال استطلاع «الشرق الأوسط» على سير المطلوبين أمنياً ضمن حملة الإرهاب في السعودية، إضافة إلى التحقيقات الأمنية التي أجريت مع أسرهم، كان هناك عناصر أمنية قد غابت عن أسرها لأكثر من عام من دون أي اتصال هاتفي. ورغم ذلك لم يسجلوا بلاغات رسمية لدى إمارات المناطق أو مراكز الشرطة، في الوقت الذي كانت مثل توجهاتهم وارتباطات معظمهم بـ«الفكر الجهادي»، إضافة إلى «الارتباط الروحي مع أفغانستان» معلومة لدى أسرهم في وقت سابق من اختفائهم.

وكان هناك قلة من الذين بادروا إلى سرعة إبلاغ الجهات الرسمية فور غياب أبنائهم، ومنهم عناصر مطلوبة ضمن قائمة الـ26 الأخيرة المعلنة في 6 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهم عامر آل زيدان الشهري وفارس آل شويل الزهراني وخالد مبارك القرشي وأحمد عبد الرحمن الفضلي. ومن أصل 26 مطلوباً أمنياً في تلك القائمة، لم يبادر من أولياء أمورهم للإبلاغ عن تغيبهم سوى 4. وفي حالة المطلوب إبراهيم الريس الذي قتل في مواجهة مع رجال الأمن بعد يومين من إعلان القائمة، فهو رب أسرة وكان يتنقل مع زوجته وأبنائه طوال فترة مطاردته التي بدأت قبل أشهر من إعلان اسمه ضمن القائمة.

ويتوافق الحال في تلك القائمة مع ما سبقتها في السابع من مايو (أيار) حين أعلنت قائمة الـ19، وهي القائمة التي استمر 6 عناصر منها ليلحقوا بقائمة الـ26 الأخيرة. ففي القائمة الأولى كانت هناك عدة عناصر قد لقت حتفها من خلال نموذجين; الأول بالمشاركة في العمل الانتحاري المتمثل في «ثلاثية التفجير في الرياض»، والثانية في المطاردات والصدامات المسلحة مع رجال الأمن. واتضح أن بين العناصر المطلوبة من أدعى أمام أسرته بأنه متجه إلى خارج السعودية، الى أفغانستان بحجة «الجهاد». ورغم ذلك لم يبادر ولي الأمر إلى إبلاغ الجهات الرسمية. إلا في حالة المطلوب فارس الزهراني، الذي غاب عن أسرته منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2001، حين كانت القوات الأميركية تقصف أفغانستان، فتوجه والده على الفور لإبلاغ إمارة المنطقة التي يسكنها (الباحة).

وفي حالة عامر الشهري، ففور خروجه من سجن المباحث الذي أوقف فيه لفترة التحقيق شهرين عقب عودته من أفغانستان، بنفس فترة زميله فارس الزهراني، تزوج وأنجبت زوجته طفلاً لم يبلغ العام بعد، فطلقها في أواخر شهر مارس (آذار) الماضي بعد الحرب في العراق. غير أنه عاود التغيب بعد فترة قصيرة من تطليقه لزوجته. ويتضح من ظروف الشهري، أن هناك رابط مشترك في التحولات والغياب الذي تشهده أسرته، وهو «أميركا». ففي حربها على أفغانستان اتجه إلى القتال بجوار نظام طالبان هناك، وفي حربها على العراق، طلق زوجته وبدأ غيابه عن أسرته.

أما خالد القرشي، فتوجه والده إلى إبلاغ سلطات الأمن عن غيابه، بعد انقطاعه مع شقيقه عبد الله. وتحديداً، بعد القبض على شقيقه من قبل رجال المباحث في تهم الارتباط مع تنظيم «القاعدة». وكان قبلها بفترة قصيرة قد انسحب من عمله العسكري ضمن القوات البحرية.

والمطلوب خالد الفضلي، زعم لدى أسرته بأنه قد توجه إلى العراق «لنصرة أهلها على المحتل»، مما دعا والده لسرعة الإبلاغ عنه لدى الجهات المختصة في مكة المكرمة، المدينة التي تسكنها أسرته. غير أن معلومات أمنية أخرى رجحت أن تكون مثل تلك الرسالة المزعومة ليست إلا «ورقة استخدمت لتضليل الأمن». ومن بين المتغيبين من دون إبلاغ أسرهم للأمن، بظروف تغيبهم. هناك شقيقان وهما: فيصل وبندر عبد الرحمن الدخيل. اللذان يسكنان مع أسرتهما في الرياض. وجاء غياب الأول قبل عامين، ولحق الثاني بعد عام. ورغم مثل هذا الغياب إلا أن الجهات الأمنية لم تتلق أي بلاغ من الأسرة حولهما. إلا حينما أعلنت قائمة الـ19 الأولى، وتضمنت اسم الأول (فيصل)، لتأتي القائمة الثانية، لتضيف الثاني (بندر) إلى جوار شقيقه. ويفسر متابع أمني، فضل عدم نشر اسمه، أسباب تجنب بعض الأسر إبلاغ الأمن عن غياب أبنائها إلى أنها تأتي بالدرجة الأولى إلى «جهل منهم بتبعات مثل هذا الإهمال»، إضافة إلى وجود «خشية من إيقاع الضرر بهم في حال تم الإبلاغ عنهم»، وهذا في الدرجة الثانية.

ويضيف «مثل ذلك الجهل بدا يتلاشى بشكل واضح، فالأسر أخذت تبادر على الفور إلى إبلاغ الجهات الأمنية عند تغيب أي ابن لها، حتى لو كان الغياب طبيعيا»، قائلاً «بدا الجمهور يشعر بنوع من المسؤولية والشراكة في كل ما يحدث».

وتأتي إشارته إلى خشية بعض الأسر من الإضرار بأبنائها حال الإبلاغ عنهم، لتعكس ما يتردد في الأوساط العامة، من اعتقاد بعض الأسر أن عدم الإبلاغ عن الغائب، يكون أفضل لابنهم، معتقدين أن غيابه إن كان حسبما يتصورون خارجي، بمعنى أن ابنهم ذاهب «للجهاد في العراق أو أفغانستان»، فهو بنسبة أعلى سيعود إليهم، فلا يفضلون فتح أعين الأمن على ابنهم، وهو ما تنفيه عدة مصادر أمنية بالتأكيد على أن كل من يتجه إلى هناك فهو «معلوم لديهم بالاسم».

وفي الحالة الأخرى، فإن بعض الأسر التي تعلم أن ابنها لم يبرح حدود السعودية، فهي تعتقد بأن «الله سيهديه ويعود» ولا حاجة الى رميه بالشبهة الأمنية. غير أن الأحداث الأخيرة، بدت أنها ساهمت في مسح تلك الصورة الخادعة التي كانت بعض الأسر تتصورها.