مسؤولون أميركيون: برامج التسلح الليبية كشفت «سوبر ماركت» للمواد النووية

طرابلس سلمت مفتش وكالة الطاقة الذرية مخططات تصنيع قنبلة نووية

TT

قال دبلوماسيون وخبراء مطلعون على برامج التسلح الليبية ان مساعي ليبيا للحصول على اسلحة نووية تمت بمساعدة السوق السوداء المتقدمة في المجال النووي التي تقدم تصميمات للاسلحة واستشارات تقنية وآلاف القطع الحساسة التي يستخدم بعضها في مصانع سرية.

ويتعدى مدى نشاط السوق السوداء، التي وصفها احد الخبراء بـ«سوبرماركت دولي» للمكونات النووية، كل ما كان معروفاً من قبل ولم تكتشفه وكالات الاستخبارات الغربية الا في الاشهر القليلة الاخيرة، حسبما قال المسؤولون الذين اعربوا عن اعتقادهم ان نفس الامر قد ساعد ايران.وقد ساعدت عمليات التهريب ليبيا على الحصول على آلاف الاجزاء الخاصة باجهزة الطرد المركزي الغازية الخاصة بتخصيب اليورانيوم المستخدم في الاسلحة النووية اضافة الى معدات الآلات المستخدمة في تصنيع اجهزة طرد مركزية اضافية، طبقا لما ذكرته نفس المصادر. وكشف مسؤولون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان تلك العملية ساعدت ليبيا في الحصول على تصميمات لصناعة قنابل نووية.

ويعتقد محققون ان بعض مكونات اجهزة الطرد المركزي اتت من مصانع اقيمت خصيصا لصناعة مكونات نووية للسوق السوداء، وهي خطوة اعتبرها الخبراء اشكالية جديدة في عمليات الانتشار النووي.

ويحقق مسؤولون في الولايات المتحدة وفي وكالة الطاقة الذرية موقعا محتملا للتصنيع في ماليزيا، بمساعدة من حكومة ذلك البلد، حسبما قال مسؤول مطلع. واوضحت المصادر ان مسؤولين اميركيين زاروا المصنع في الاسبوعين الماضيين.

ولم يجر الكشف عن هوية الاشخاص او الجهات التي تقف وراء عمليات التهريب، لكن المحققين اشاروا الى ان اجهزة الطرد المركزي التي حصلت عليها ليبيا هي من نفس التصميمات المستخدمة في برنامج التسلح النووي الباكستاني. وقد بدأت الحكومة الباكستانية خلال الاسابيع الاخيرة تحقيقات حول ما اذا كان علماؤها النوويون باعوا معلومات حساسة الى ايران او دول اخرى.

وغالبية المساعدات التقنية ساعدت ليبيا على انتاج اليورانيوم المخصب الذي يمكن استخدامه في الاسلحة او في مصانع الطاقة النووية. غير ان اكتشاف تصميمات ومخططات لقنابل نووية يشير بقوة الى النية لتصنيع اسلحة نووية. وكانت وكالة الطاقة الذرية قد كشفت ان علماء ليبيين سلموا تلك التصميمات وانه سيجري نقلها قريباً من البلاد. واوضح المتحدث باسم الوكالة الدولية للطاقة مارك غوزدكي ان «مخططات تصميمات القنابل النووية ختمت بالشمع الأحمر (منعاً لاستخدامها) في ليبيا».

وقد ظهرت تفاصيل بخصوص المجموعات التي تتولي امداد البرنامج النووي الليبي باحتياجاته، بعد تحقيقات استمرت شهرا لمفتشين اميركيين وبريطانيين وتابعين للامم المتحدة حصلوا خلالها على حق دخول التسهيلات النووية السرية الليبية في طرابلس وحولها. وقد بدأت تلك الزيارات في ديسمبر (كانون الاول) الماضي بعد الاعلان المفاجئ للزعيم الليبي معمر القذافي اعتزامه التخلي عن اسلحة الدمار الشامل.

وفي الوقت الذي وصف فيه البرنامج النووي الليبي بالمتواضع، فإن معظم الاجزاء التي حصلت عليها ليبيا كانت لا تزال في صناديقها. وقد ادت مساعي ليبيا للحصول على اسلحة نووية الى اصابة المسؤولين في الولايات المتحدة واوروبا بالدهشة. ولم تعلق الحكومتان الاميركية والبريطانية على نتائج التحقيقات، واصر المسؤولون الذين وافقوا على اجراء مقابلات صحافية، على القيام بذلك شريطة عدم الافصاح عن هويتهم.

وقال دبلوماسي في اوروبا على معرفة بالتحقيقات الليبية «لقد تم اختراق الحاجز الاخلاقي. كنا في الماضي نرى دولاً تتحرك بمفردها من اجل مصالحها وتسعى لصناعة اسلحة نووية، اما الآن فقد اصبح لدينا مصانع لصناعة قنابل نووية».

وقال ديفيد اولبرايت، الذي عمل سابقاً ضمن المفتشين الدوليين في العراق وتابع اخيراً التحقيقات الليبية، ان شبكة امداد ليبيا بأجهزة الطرد المركزي مشابهة لتلك التي طورها صدام حسين في اواخر الثمانينات، لكنها اكبر بكثير. واضاف اولبرايت الذي يرأس «معهد العلوم والامن الدولي» ان «حقيقة امكانية شراء ليبيا لمصنع كامل للطرد المركزي بدون اكتشاف احد لذلك امر مفزع. ذلك يمثل فشلا لنظام رقابة الصادرات والواردات، ومما لا شك فيه فشلا للاستخبارات».

وتم الحصول على معظم المعلومات الخاصة بامدادات ليبيا من السوق السوداء من مقابلات مع العلماء الليبيين ومن عمليات التفتيش التي جرت على الصناديق الخاصة بالمكونات النووية. وكشفت المقابلات وعمليات التفتيش عن جهود استمرت لعقد من الزمن لاتقان عملية تخصيب اليورانيوم الصعبة وتصميمات الاسلحة، بمساعدة متزايدة من الخارج. ومعروف ان اجهزة الطرد المركزي التي حصلت عليها ليبيا معقدة تدور بسرعة تصل الى سرعة الصوت للحصول على كميات ضئيلة من المواد القابلة للانشطار المستخدمة في القنابل، من اليورانيوم. ويحتاج الامر الى عمل مئات من اجهزة الطرد المركزي تعمل معا لعدة شهور لتكوين كمية كافية من اليورانيوم المخصب لصناعة قنبلة واحدة.

وكانت ليبيا قد بدأت في اواخر التسعينات في شراء مكونات لجهاز طرد مركزي بسيط مصنوع معظمه من الالومنيوم. لكن بعد الحصول على اجزاء لحوالي 100 جهاز، قرر العلماء الليبيون التحول الى استخدام تصميمات اكثر تقدما لاجهزة الطرد المركزي مصنوعة من مادة معدنية قوية من الصلب تتميز بنسبة ضئيلة من الكربون، طبقا لما ذكره مسؤولون مطلعون على الموضوع. ويشار الى ان النوعين من تطوير العلماء الباكستانيين في السبعينات والثمانينات.

واشار مسؤولون على معرفة بالتحقيقات ان ليبيا رتبت شراء 10 آلاف من اجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وهي كافية لصناعة وقود لعدة قنابل نووية سنوياً. واحتوت بعض الصناديق التي فحصها المفتشون هذا الشهر في طرابلس على ما وصفوه بأنها اطقم جاهزة للتجميع لاجهزة الطرد المركزي. وقال مصدر: «كل شيء مطلوب كان هناك. لقد جمع شخص ما الاجزاء ووضعها معا. وتحمل الصناديق اسماء الشركات واختام ضبط الجودة».

واضاف المسؤولون ان بعض الصناديق الاخرى تحتوي على اجهزة ومعدات خاصة بالدقة تحتاجها ليبيا لو أردات صناعة اجهزة الطرد المركزي الخاصة بها، بما في ذلك آلات التشكيل الانسيابية ومخارط للاعمال المعدنية.

وابلغ العلماء الليبيون المفتشين ان تلك الاجزاء كانت تحمل معها خدمات دعم العملاء، اذ حصل العلماء على اسماء الاشخاص الذين يمكنهم تقديم مساعدات تقنية حول أي موضوع وفي أي وقت. وقال اولبرايت: «كان يمكنهم الحصول على اجابات على الاسئلة، ليس مباشرة ولكن عن طريق وسطاء».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»