وزيرة فرنسية سابقة: قانون حظر الحجاب سيقوي التطرف وأهداف سياسية وراءه

مارتين أوبري قالت لـ «الشرق الأوسط» إن المسلمين الذين يعتبرون القانون المرتقب موجها ضدهم «محقون»

TT

اعلنت مارتين اوبري، وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة واحدى الشخصيات البارزة في الحزب الاشتراكي الفرنسي المعارض انها ضد سن قانون جديد يمنع ارتداء الشارات الدينية في المدارس العامة وعلى رأسها الحجاب. وحذرت، في لقاء مع «الشرق الأوسط» في مقر بلدية ليل التي ترأسها، من النتائج المترتبة على هذا القانون الذي لن يحل مشكلة الحجاب بل سيقوي التيارات المتطرفة سواء وسط الجالية الاسلامية في فرنسا او احزاب اليمين المتطرف واولها الجبهة الوطنية.

واشارت اوبري، وهي ابنة رئيس المفوضية الاوروبية السابق، الى ان الحكومة الفرنسية تسعى للحصول على مكاسب سياسية من هذا القانون الذي يرضي جانبا من الرأي العام الفرنسي عشية استحقاقات انتخابية، في اشارة الى الانتخابات الاقليمية التي ستجري في ابريل (نيسان) المقبل وتليها الانتخابات الاوروبية في يونيو (حزيران) المقبل.

كذلك عبرت اوبري عن استيائها من المستوى المتدني للنقاش الجاري في فرنسا حول هذه المسألة ومن «الانحرافات التي ترافقه» مثل قول وزير التربية لوك فري، الذي كلف صياغة مشروع القانون والدفاع عنه، ان القانون قد يصل الى تحريم اللحى باعتبارها هي الاخرى رمزاً دينياً.

وتأتي تصريحات اوبري قبل اربعة ايام من عرض مشروع قانون حظر الشارات الدينية على مجلس الوزراء، فيما يبدأ البرلمان الفرنسي مناقشة المشروع بداية فبراير (شباط) على ان يتم التصويت النهائي عليه اواسط هذا الشهر.

وترى اوبري التي تستضيف مدينتها جالية عربية واسلامية وتحديدا من المغرب والجزائر وتونس ان موجة ارتداء الحجاب «ظاهرة معقدة لها اسباب بعضها ديني وبعضها ثقافي وبعضها اجتماعي وبعضها شخصي وبالتالي لا يجوز التعامل معها بشكل تبسيطي كما تفعل الحكومة الحالية». وتؤكد اوبري ان بعض المسلمين الذين يرون ان القانون موجه ضدهم، بعكس ما تدعيه الحكومة من انه يتناول كل الشارات الدينية في المدارس، «محقون» لان مشروع القانون الذي «يسن تحت شعار العلمنة ليس المقصود منه لا الصلبان المسيحية ولا القلنسوة اليهودية بل انه يقصد حقيقة الحجاب». وتسارع اوبري الى القول انها ضد ارتداء الحجاب لكنها ترى، في الوقت عينه، ان القانون المنتظر «ستكون له نتائج عكسية تماما للغرض المنشود منه».

وتقول اوبري ان الطريقة المثلى لمعالجة هذه القضية هي «الحوار والاقناع وايلاء الثقة للمؤسسات المدرسية بدل فرض قانون يرى فيه كثيرون تنديدا بالاسلام والجالية المسلمة». واستطردت اوبري ان النقاش الحالي دخل في متاهات جنونية. اذ انه يتركز على اختيار الكلمات التي ستنعت بها الشارات الدينية الممنوعة في المدرسة فيما التحدي الحقيقي هو مساعدة المتحدرين من اصول اجنبية على الانخراط في مجتمعنا من خلال برامج اجتماعية في ميادين السكن وتكافؤ الفرص في العمل والرعاية الاجتماعية.

وبحسب اوبري التي ينتظر لها الكثيرون ان تلعب دورا رئيسيا في الحياة السياسية في فرنسا في السنوات اللاحقة وهي احد الاسماء الممكنة للانتخابات الرئاسية القادمة المنتظرة بعد ثلاث سنوات، فان القانون الجديد «سيكون غير فعال ولن يحل مشكلة الحجاب في احسن الاحوال وسيكون مضرا في اسوأها». ولعل اكبر خطر مترتب عليه، بحسب اوبري التي يتناقض موقفها جذريا مع موقف الحزب الاشتراكي الذي تنتمي اليه والذي يؤيد بشكل ساحق القانون الجديد، يتمثل في توفير بالون اوكسجين لليمين المتطرف وتحديدا للجبهة الوطنية التي وصل رئيسها جان ماري لوبن الى الدورة الثانية في انتخابات الرئاسة عام 2002.

وقالت اوبري: «ليس من قبيل الصدف ان تسعى الحكومة لاستصدار القانون الجديد قبل فترة قليلة من الانتخابات الاقليمية، وهذا امر خطير لانها تلعب على مشاعر الفرنسيين لغرض تحقيق مكاسب انتخابية». وتؤكد اوبري انها «تعي وجود دوافع سياسية وراء اثارة قضية الحجاب» في الوقت الحاضر، لكنها تشدد على كونها دأبت على محاربة هؤلاء المتطرفين ولكن محاربتهم لا تعني مناهضة المسلمين.

وترى اوبري ان معالجة مسألة الحجاب بالطريقة الحالية وعبر استصدار قانون ستؤدي لا محالة الى تشجيع المتطرفين في اوساط الجالية الاسلامية في وقت كان يتعين ان تسعى الحكومة لتشجيع تيارات الاعتدال الداعية الى الاندماج في المجتمع الفرنسي. والنتيجة الثانية للقرار المرتقب هي ظهور المدارس الخاصة الاسلامية التي تقوم على اساس ديني. وترى اوبري في ذلك «فشلا اضافيا للمدرسة الفرنسية».

وحول البعد الخارجي المترتب على سن القانون المرتقب، تقول اوبري انه حان الوقت كي تهتم فرنسا بانعكاسات ما تقوم به على علاقاتها الخارجية الى درجة ان دولا عربية صديقة اعربت عن عدم فهمها لما تقوم به فرنسا. وتضيف اوبري ان فرنسا لا توجه اليوم الى العالم العربي والإسلامي رسالة ايجابية بل انها على عكس ذلك توصل رسالة ابعاد وتهميش وغياب الحوار والتفهم وهذا كله مسيء لصورة فرنسا ومصالحها.

يشار الى ان وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان نقل عنه خلال الايام الماضية قوله ان القانون الجديد قد يبدد الرصيد الايجابي الذي جنته فرنسا من مواقفها بخصوص العراق.