واشنطن تراجع خطتها بشأن تسليم السلطة إلى العراقيين في ضوء 4 خيارات لكنها لن تتراجع عن موعد التسليم في منتصف العام الحالي

TT

أعدت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش قائمة بتغييرات محتملة لعملية الانتقال السياسي في العراق، في وقت اعترف فيه مسؤولون أميركيون وبريطانيون للمرة الأولى بأن الخطة الأصلية يمكن أن يجري التخلي عنها تماما اذا ما كان للولايات المتحدة أن تستبق بطريقة وقائية الضجة المتزايدة بشأن الانتخابات.

وقال مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة انه في جولتين من المباحثات في نيويورك وواشنطن الأسبوع الماضي، أبلغت الولايات المتحدة ممثلي الأمم المتحدة أن كل شيء مطروح للبحث والنقاش باستثناء موعد الثلاثين من يونيو (حزيران) المقبل، وهو موعد تسليم السلطة الى حكومة عراقية جديدة.

وقال مسؤول كبير في الأمم المتحدة ان «الولايات المتحدة أبلغتنا أنه ما دام الموعد يحترم، فانهم مستعدون للاصغاء الى أي اقتراح».

وتتحدث الولايات المتحدة علنا على نحو صارم في ما يتعلق بالتمسك بنسخة «معدلة» من اتفاق الخامس عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الموقع بين سلطة التحالف ومجلس الحكم العراقي والذي يحدد شروط تسليم السلطة. ويمكن أن تتضمن التغييرات توسيع المشاركة في مجالس المحافظات الـ18 التي تختار ممثلين للجمعية الوطنية التي ستختار، بالتالي، حكومة ورئيسا للدولة، وفقا لما يقوله مسؤولون أميركيون.

ولكن في مباحثات سرية مع الأمم المتحدة والشركاء في التحالف بدأت الادارة الاميركية مناقشة الطابع العملي للتخلي عن عملية تشكيل المجالس المعقدة التي حددها الاتفاق بل وحتى اجراء انتخابات جزئية أو حتى، ببساطة، تسليم السلطة الى مجلس حكم عراقي موسع، وهو اقتراح قديم يطرح، مرة أخرى، كخيار قابل للبحث، وفقا لمسؤولين في الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

وتقول الادارة انه ليس هناك شعور بالذعر على الرغم من المعارضة المتصاعدة لخطة الانتقال الأميركية الحالية.

وقال مسؤول كبير في الادارة الأميركية متحدثا الى الصحافيين بعد القاء نائب الرئيس ديك تشيني خطابه في دافوس بسويسرا «الأمر معقد وليس سهلا، وهو شيء لم يحدث في العراق سابقا ولكننا سنقوم بالمهمة. وبينما نمضي بالعملية فمن المحتمل أن نواجه وجهات نظر متباينة. وأفترض أنكم في أي يوم يمكنكم التطلع والقول: يا الهي نحن على حافة هاوية هنا، ولكنني لا أعتقد أن الأمر على هذا النحو. أعتقد اننا في وضع أفضل بكثير مما كنا عليه في السابق».

غير أنه في اشارة الى مدى فقدان الولايات المتحدة سيطرتها منذ اتفاق الخامس عشر من نوفمبر يرى مسؤولون أميركيون بأن الحسابات الأكثر أهمية في انهاء الأزمة السياسية ستكون مواقف اللاعبين اللذين استبعدا من الاتفاق الأصلي: الأمم المتحدة وآية الله السيستاني الذي لم يغادر بيته منذ ست سنوات.

ويحتاج التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الى مساعدة من الأمم المتحدة لاعطاء العملية مصداقية، وكذلك الى موافقة المرجع الشيعي آية الله العظمى علي السيستاني من أجل انجاز عملية الانتقال في موعدها المحدد، وفقا لمسؤولين أميركيين.

وكان مطلب السيستاني اجراء انتخابات مباشرة قد تلقى تأييدا سريعا الشهر الحالي في مدن امتدت من بغداد الى النجف والناصرية. وعلى جدران صحن الامام الحسين في كربلاء، وهو واحد من أقدس ضريحين لدى المسلمين الشيعة، يعكس شعار الشعور العام: «جميعنا مع الحوزة في مطلب اجراء انتخابات لاختيار أعضاء الجمعية التشريعية الانتقالية». وتسيطر الدعوة الى الانتخابات على خطب صلاة الجمعة.

ويقول مسؤولون أميركيون ان الاهتمام بالشيعة، في الوقت الحالي، أصبح اعتبارا رئيسيا في الاستراتيجية الأميركية، غير ان الوضع السياسي في العراق يزداد تعقيدا كل يوم.

ويشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق بشأن ابعاد المسلمين السنة أو الاكراد بينما هم يسعون لارضاء السيستاني، أكبر المراجع الشيعية في العراق.

وفي الوقت الحالي اتخذت الهيئة السنية الكبيرة، وهي جمعية العلماء المسلمين، موقفا ضد الانتخابات. واستغل رجال الدين السنة خطبهم في صلاة الجمعة لايضاح أنهم لن يستسلموا لخطة تنتهي بهيمنة الشيعة، وان كل أشكال المقاومة سيكون مسموحا بها لمنع هذه الخطة.

ولكن الشيعة لا يتحدثون بصوت واحد أيضا. فرجل الدين الشاب مقتدى الصدر يؤيد دعوة السيستاني للانتخابات ولكنه أكد في خطبة صلاة الجمعة على أنه يتعين عدم اشراك الأمم المتحدة في العملية.

ولا يتخذ أعضاء مجلس الحكم الـ 25 موقفاً موحداً أيضا، كما أنهم غير راضين عن الخطة التي وقعوها قبل اسابيع عدة. وقال مسؤول عراقي عاكسا وجهات نظر عدد من أعضاء المجلس ان اتفاق الخامس عشر من نوفمبر كان «سريعا ومتعجلا. وكان هناك كثير من الضغط من الولايات المتحدة بغرض توقيعه».

ومن أجل تهدئة الأطراف المختلفة أعدت الولايات المتحدة خيارات في أربعة اتجاهات عامة.

ويهدف الخيار الأول الى توسيع مجالس المحافظات الـ 18 من أجل جلب «مجموعة هامة» من المشاركين حتى يبدو الوضع اكثر انفتاحا من هيمنة نخبة معينة. ويشار الى هذا الخيار بـ«الانتخابات الجزئية» أو «تسلسل المجالس»، كما قال مسؤولون اميركيون.

وبموجب الخطة الأصلية يقوم 15 عراقيا في لجان تنسيق (خمسة من مجلس الحكم، وخمسة من المجالس المحلية، وواحد من كل أكبر خمس مدن في المحافظة) بانتخاب اعضاء المجلس. ويتعين ان يحصل كل فائز على ما لا يقل عن 11 صوتا، وهو ما يمنح المجلس قدرة فعالة على الفيتو. وأثار هذا الخيار مخاوف من استغلال المرشحين الذين يفضلهم المجلس. ويمكن للمجالس الـ 18 بالتالي اختيار ممثلين لجمعية وطنية جديدة.

ويدعو الاقتراح الثاني الى التخلص من لجان التنسيق وفتح عملية اختيار المجالس لكل من يريد المشاركة، مع شروط تتعلق العمر والسجل الخالي من الجنايات، حسبما اوضح مسؤولون اميركيون. ويقول مسؤولون اميركيون وعراقيون انه على الرغم من أن بول بريمر، الحاكم المدني الأميركي للعراق، يفضل تكييف العملية فان هناك احساسا متزايدا في أوساط العراقيين وحتى مسؤولين أميركيين بارزين من أن هذه الأفكار لم تعد قادرة على المضي بما يكفي لحل الأزمة.

ويقول مسؤولون أميركيون ان هناك خيارا آخر يركز على الانتخابات أو الاستفتاءات المحلية. ومن المحتمل أن تدار الانتخابات المحلية في صيغة مجلس بلدي للتوصل الى قائمة من المرشحين للجمعية الوطنية ـ ربما أربع أو خمس أو ست مرات أكبر من المقاعد المخصصة ـ يجري اختيار ممثلين منها من جانب مجلس محلي.

ويدعو رأي الى اجراء الانتخابات المحلية في وقت مختلف في كل محافظة، ذلك ان ادارة الاستفتاءات في المحافظات الـ18 في وقت واحد يمكن أن يطرح مشاكل في ما يتعلق بتوفر القوة البشرية والأمن.

ويقول مسؤولون اميركيون ان المشكلة المرتبطة بهذا الاقتراح تتمثل في ان كل خيار يتطلب عمليات أكبر مما هو متصور حاليا، مع ضرورة توفر قوة بشرية وخبرة انتخابية أوسع، وربما وقتاً أطول، وهو ما قد لا يتوفر لدى سلطة التحالف التي تقودها الولايات المتحدة.

أما الخيار الثالث فهو الانتخابات العامة المباشرة التي يقول المسؤولون الأميركيون الآن انها غير واردة، على الرغم من أن الولايات المتحدة تشاورت مع خبراء في مؤسسة الصندوق القومي من أجل الديمقراطية، والمعهد الجمهوري الدولي، والمؤسسة الدولية لأنظمة الانتخابات، والمعهد الديمقراطي القومي.

وترفض الادارة الاميركية اجراء الانتخابات باعتبارها غير عملية بحلول الثلاثين من يونيو (حزيران) المقبل، لكن المسؤولين الاميركيين لا يريدون حسم موقفهم النهائي في هذا الشأن منتظرين تقديم الأمم المتحدة تقييمها المتوقع الشهر المقبل. وتشير الادارة، مرارا وتكرارا، الى أن الانتخابات من أجل اقامة حكومة دائمة ستجري العام المقبل. ولكن بعض المسؤولين الأميركيين المعنيين بهذه الخطط يخشون مواجهة الضغوط التي تدعو الى اجراء الانتخابات في العام الحالي.

وأدت تلك الضغوط الى الخيار الرابع. فاذا ما وجدت الأمم المتحدة والولايات المتحدة أنه يتعين اجراء الانتخابات كجزء من عملية انتقال عاجل، فان الخيار الرئيسي هو تسليم السلطة الى مجلس الحكم أو نسخة موسعة الى أن تتوفر امكانية اجراء الانتخابات، وبالتالي فان الولايات المتحدة يمكن، ايضا، أن تنهي الاحتلال يوم الثلاثين من يونيو المقبل.

وقد ظهر هذا الاقتراح الذي يفضله كثير من أعضاء المجلس ممن لا يريدون تأييد بديل آخر في الصيف الماضي لكنه وضع على الرف.

ويقول مسؤولون أميركيون ومن الأمم المتحدة ان المنظمة الدولية بدأت، أيضا، بتطوير أفكارها بشأن اختيار حكومة عراقية. ويقف على رأس قائمة غير مكتملة اقامة مؤتمر وطني، يماثل اللويا جيرغا (الجمعية الوطنية) في أفغانستان يضم ممثلين من الأحزاب السياسية والجماعات العشائرية والأطراف الاثنية والمختصين لاقامة حكومة انتقالية.

وقد حاولت الولايات المتحدة تطبيق هذا الخيار في أعقاب انتهاء الحرب، ولكنه أجهض بسبب صعوبة التدقيق في خلفيات المشاركين وتشخيص أفراد موثوقين، كما يقول مسؤولون أميركيون.

وقال مسؤولون عراقيون وعرب انه في غضون ذلك يتفحص آية الله السيستاني الخيارات أيضا استعدادا لقرار الأمم المتحدة بشأن الانتخابات. واذا ما قررت المنظمة الدولية، التي يتوقع أن تعلن أوائل الأسبوع الحالي بانها سترسل فريقا الى العراق، أن اجراء الانتخابات غير عملي، فانه يدرس مع مستشاريه البديل الذي يمكن أن يدعمه، وفقا لما أوردته المصادر المذكورة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»