مسؤولون وخبراء أميركيون: قضايا التجسس في معسكر غوانتانامو «تبخرت» ولم يبق منها سوى مزاعم الجنس ضد الواعظ يي وسوء التصرف للمترجم السوري

TT

في سبتمبر (ايلول) الماضي، ابلغ مسؤولو سجن غوانتانامو الاميركي قاضياً عسكرياً في فلوريدا ان الواعظ المسلم بالسجن، الكابتن جيمس يي ستوجه له قريباً تهم التمرد والتحريض على العصيان والتجسس ومساعدة العدو، التهم التي تتضمن حكماً بالاعدام في حال الادانة. واستنادا الى تلك المزاعم، وضع يي في سجن انفرادي داخل سفينة تابعة للبحرية الاميركية في ساوث كارولاينا لمدة 76 يوما. لكن السلطات لم تتهم يي ابداً باي من تلك التهم، وانما اتهمته بتهم اقل خطورة بكثير مثل اساءة التصرف في المعلومات السرية وممارسة الزنا. وستبدأ محاكمته في قاعدة فورت بينينغ بولاية جورجيا يوم الرابع من فبراير (شباط) المقبل.

وخلال احتجاز يي، وضع ايضاً ضابط سلاح الجو الاميركي احمد الحلبي الذي عمل مترجماً للغة العربية في غوانتانامو، في سجن انفرادي في كاليفورنيا واتهم بالتجسس ومساعدة العدو. لكن لاحقاً، سحبت من قضيته التهم الاكثر خطورة.

ويقول خبراء في القانون العسكري ومحامو المحتجزين ان الاتهامات الموجهة الى يي والحلبي مليئة بالتناقضات والامور الغريبة التي تلقي ظلالا من الشك على مخاوف الحكومة من وجود خلية تجسس في غوانتانامو حيث يحتجز معتقلو تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان.

وقال غاري سوليس المحامي العسكري السابق ومدرس قانون الحرب في جامعة جورج تاون: «اجد من الصعوبة تصديق ان متخصصين يرفعون مثل هذه القضايا بهذه الطريقة. هناك حماقة في كل خطوة اتخذت خلال توجيه الاتهام، ويبدو ان هناك رد فعل مفرطاً في التحقيق في كلتا القضيتين».

وحتى الوقت الحالي، لم يتخذ الادعاء قرارات نهائية حول ما اذا كانت بعض الوثائق التي اتهم الحلبي بحيازتها كانت في الواقع سرية. وحتى اذا كانت كذلك، فاي مستوى من الامن ينطبق عليها. ونتيجة لذلك فان محاميه المدني دونالد ريهكوبف قال انه ليست لديه سوى صورة غير واضحة عن سبب اعتقال موكله في يوليو (تموز) الماضي.

في عملية غير مألوفة، شن محققون عسكريون الشهر الماضي غارة على مكاتب يستخدمها محامو الحلبي العسكريون في قاعدة جوية بكاليفورنيا واستولوا، بصورة مؤقتة، على احد الكومبيوترات واخذوا نسخة عن المعلومات الموجودة فيه بحثا عن دليل ضد ضابط سلاح الجو. احتج ريهكوبف على البحث في رسالة الى المسؤولين في سلاح الجو واصفا العمل بانه «غريب» و«ازدراء مقصود للعلاقة بين المحامي وموكله».

ورفض سلاح الجو التعليق على قضية المترجم السوري المولد والبالغ 25 عاما، والمتهم بحيازة رسائل، بطريقة غير قانونية، من سجناء ووثائق اخرى حول سجن خليج غوانتانامو.

وعلق مسؤولون في القيادة الجنوبية الاميركية التي تشرف على خليج غوانتانامو على قضية يي، قائلين انهم يمارسون اجراءات عادلة في تعاملهم معه.

ويواجه يي، المتخرج من اكاديمية «ويست بوينت» والذي تحول الى الاسلام، تهمتين تتعلقان باساءة استخدام معلومات سرية مرتبطة بوثائق وجدت معه عندما اعتقل في فلوريدا بعد مغادرته جوا غوانتانامو في العاشر من سبتمبر الماضي. واتهم ايضا بعدم اطاعة الاوامر والالتزام بالضوابط، وتقديم تصريحات كاذبة، وممارسته سلوكا غير لائق عندما تم ضبط مواد وصور جنسية في جهاز الكومبيوتر الخاص به، وكذلك بالزنا مع ضابطة في غوانتانامو.

اما الحلبي فكان قد اتهم، اساسا، بثلاثين تهمة في الصيف الماضي، بينها التجسس ومساعدة العدو، واتهامات اخرى مزعومة تستند الى عمليات بحث في كومبيوتره بخليج غوانتانامو. لكن في الخريف اسقطت 13 تهمة، بينها التهم الاكثر خطورة المتضمنة عقوبة الاعدام. ولا يزال يواجه تهما باساءة استخدام معلومات سرية ومحاولة التجسس بشان خطة مزعومة، لم تنفذ، لايصال المعلومات الى شخص ما في سورية.

واتهم رجلان آخران بانتهاك ضوابط الامن في غوانتانامو. ويواجه المصري احمد محالبة، الذي كان يعمل مترجماً في غوانتانامو، تهما بالكذب على المحققين واساءة استخدام معلومات سرية بعد اكتشاف ملفات سرية حول السجن في كومبيوتره عندما هبط في مطار لوغان الدولي بولاية بوسطن قادما من مصر. كما اتهم عقيد الاحتياط جاك فار من وحدة غوانتانامو في نوفمبر الماضي باساءة استخدام معلومات سرية والكذب على المحققين بعد ان سافر جوا من القاعدة الى فلوريدا وعثر على وثائق سرية في حقائبه.

وفي قضيتي يي والحلبي، قدم المدعون مجموعات من الاوراق لمحاميي الدفاع على امل اعادتها لهم. وفي كل قضية قال المدعون ان الوثائق قد صنفت سرية على نحو خاطئ. كما وفر المدعون اوراقا اخرى للدفاع قائلين انها كانت سرية لكنها نشرت لاحقا، ثم تراجعوا عن ذلك الوصف قائلين ان الوثائق ليست سرية، حسبما قال محامو الدفاع.

ورفض مسؤولون الحديث حول دواعي التحقيق مع يي والحلبي. لكن مصادر مطلعة قالت ان الشكوك فيهما بدات العام الماضي عندما بدا الحلبي مساعدة يي على اقامة مركز اجتماعي في القاعدة ليؤدي المحتجزون صلاة الجمعة. وكان الحلبي قد قام، ايضا، بتناول الطعام مرتين مع يي وبمشاركة محتجزين آخرين.

وفي الوقت ذاته تقريبا، زعم ان الحلبي الذي يقوم بمهمة ترجمة الرسائل بين السجناء وعائلاتهم ارسل بعضا من الرسائل التي قام بترجمتها الى متلقين لم يكشف عنهم عبر البريد الالكتروني والى شبكة له على الانترنت.

وكان الحلبي، يتصل ايضاً بالسفارة السورية بهدف الحصول على تأشيرة لدخول سورية حتى يتزوج هناك. وكان عليه ان يعيد تحديد موعده مرات كثيرة لان جولته العسكرية مددت مرات عدة. وتقول المصادر ان المحققين كانوا يخشون من وجود صلة بين الحلبي ويي لان كلا منهما كانت لديه روابط مع سورية. فقد قضى يي اربع سنوات هناك اواسط التسعينات كامام وهو متزوج من امراة سورية.

وعند وصول الحلبي من سورية الى القاعدة البحرية في جاكسوفيل بولاية فلوريدا يوم 23 يونيو (حزيران) الماضي اعتقل بطريقة سرية وجرى التحقيق معه لمدة 24 ساعة بدون اعطائه اي فرصة نوم، وفي الشهر اللاحق وجهت اليه 30 تهمة تتضمن احداها تقديم المساعدة للعدو.

اما يي فانه عندما اراد مغادرة غوانتانامو يوم 10 سبتمبر الماضي للعودة الى منزله في واشنطن قام المسؤولون عن التحقيق في قضيته بارسال معلومة الى مسؤولي الجمارك في مطار فلوريدا لابلاغهم بوجود مواد سرية معه. وشهد شون رافتري موظف الجمارك اثناء جلسة الاستماع بانه وجد في حقيبة ظهر يي اربعة دفاتر ملاحظات واربعة ملفات وبعض الاوراق المكتوب عليها بالحبر او بالطابعة. وقال رافتري انه بعد دراسة تلك الوثائق التي تتضمن اسماء وارقاماً «تقرر اعتبارها ذات علاقة بمصلحة الامن القومي».

لكن محامي يي قالوا ان من بين الاوراق المصادرة وثائق اخذت من الانترنت حول تاريخ الشرق الاوسط بهدف دراستها كجزء من تحضيره للفصل الدراسي الذي يتابعه في الشؤون الدولية بجامعة ولاية تروي حيث يغطي الجيش تكاليف تلك الدراسة.

وقال مسؤولون عسكريون ان يي كان مراوغا في المطار، اذ عندما سئل ما اذا كانت معه حقائب اجاب بالنفي. لكن محامييه قالوا ان ذلك ناجم عن سوء فهمه للسؤال. فحقيبة ملابسه لم تكن معه آنذاك. وفي كل الاحوال لم تكن حقائبه تحوي اي وثائق بينما الاوراق التي اثارت الشكوك كانت في حقيبة الظهر التي كانت معه وهذا يدل على ان يي لم يسع لاخفاء اي شيء، حسبما قال محاموه.

وفي 10 اكتوبر الماضي، وجهت الى يي تهمتان، هما التعامل الخاطئ مع مواد سرية. وتتعلق التهمتان باوراق عثر عليها معه في مطار جاكسونفيل. وكتب محاميه يوجين فيدل رسالة الى الرئيس جورج بوش في نوفمبر الماضي مشيرا فيها بقوة الى ان الدعاوى المقامة ضد موكله من سوء التعامل مع المواد السرية تنتهي عادة بعقوبات ادارية لا في البقاء في سجن انفرادي. وفي 25 نوفمبر الماضي تم اطلاق سراح يي لكن وجِّهت اليه تهم اخرى مثل الزنا بعد اكتشاف المحققين علاقة غرامية قصيرة وقع فيها يي. وقال فيدل ان الهدف من هذه التهم الجديدة هو الانتقام فحسب. واشار محامو يي الى الشهادات والتنويهات الرسمية التي حصل عليها بسبب «حسه القوي بالروح المهنية والنضج وتكريس جهوده لاداء الواجب».

كذلك، لا يزال الحلبي في السجن بانتظار محاكمته العسكرية في كاليفورنيا. وخلال الاشهر الاخيرة كانت التهم الاكثر جدية الموجهة ضده قد اسقطت. وبين تلك التهم الاتصال عبر الكومبيوتر بالعدو. وقال محاميه ان مسؤولي القوة الجوية قد اصدروا اوامر قبل عدة اشهر تمنع الحلبي من التكلم بالعربية داخل السجن حتى مع اقاربه غير القادرين على التكلم بالانجليزية. وعبر محاموه عن استغرابهم عندما قال وكلاء الادعاء انه لم يصدر من طرفهم امر كهذا.

وقال محامو الحلبي ويي ان وكيليهم قد عوملوا بقسوة اكثر مما لاقى «فار» العسكري غير المسلم الذي وجِّهت له تهم مماثلة. وقد عاد فار بناء على رغبته الى كوبا لمواجهة التهم وواصل القيام بعمله، حسبما قال المسؤولون.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»