تحقيق باكستاني حول نقل التكنولوجيا النووية إلى إيران: الإبقاء على احتجاز عالم ومنع آخرين من التوجه للحج وعدم استبعاد محاكمات

TT

خلص المحققون الباكستانيون الى ان اثنين على الاقل من كبار علماء باكستان في المجال النووي، بينهم عبد القدير خان الذي يعد أبو القنبلة النووية الباكستانية، قدما مساعدة تقنية غير مرخص بها الى ايران كي تطور برنامج اسلحتها النووية في اواخر الثمانينات، حسبما قال مسؤولون باكستانيون كبار.

ويضيف المسؤولون الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم ان العلماء قدموا المساعدة المفترضة تحت غطاء اتفاق سري بين باكستان وايران يسمح للبلدين بالمشاركة في امتلاك التكنولوجيا النووية الموظفة لاغراض سلمية.

ويتوقع ان تشكل نتائج هذه التحققيات مأزقا للرئيس الباكستاني برويز مشرف، في وقت بدأ الاصوليون المتشددون حشد قواهم للدفاع عن العلماء الذين ينظر اليهم كأبطال وطنيين واتهموا الحكومة بانها تجري هذه التحقيقات لارضاء لكسب دعم ادارة الرئيس الأميركي جورج بوش.

وتحدث المحققون عن عالم آخر يدعى محمد فاروق ويشغل موقعا متقدما في مختبر الاسلحة النووية الباكستانية والذي اطلِق عليه اسم العالم عبد القدير خان نفسه. وأوصى بعض المحققين بتوجيه التهمة الى فاروق وفقا لقانون الاسرار الرسمية الباكستاني الذي قد يترتب عنه حكم بالسجن. ولا يزال فاروق محتجزاً منذ 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ويتوقع ان يتخذ الرئيس مشرف القرار النهائي بشأن التصرف مع العالمين وربما غيرهما بعد عودته من مدينة دافوس السويسرية التي يشارك فيها في «المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس».

وقال مسؤول استخباراتي باكستاني ان «التدقيق القانوني للتحقيق جار حاليا، لكن يبدو ان الدكتور فاروق ستوجه له تهمة انتهاك قانون الاسرار الرسمية». واضاف المسؤول ان فاروق اشار الى خان خلال التحقيق معه.

وبدأت باكستان باجراء هذا التحقيق في نوفمبر الماضي بعد ان زودت الوكالة الدولية للطاقة الذرية باكستان بمعلومات تشير الى ان علماء باكستانيين قد ساعدوا ايران في تطوير اجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم والمطلوبة لصناعة قنابل نووية.

ويقول مسؤولون اميركيون ان باكستان قدمت طيلة عدة سنوات نفس المساعدة الى كوريا الشمالية ويعتقدون ان علماءها قاموا بالشيء نفسه مع ليبيا. وقالوا ايضا انهم يقبلون بضمانات الرئيس مشرف بأن أي تعاون مع كوريا الشمالية قد توقف.

واعترف أحد مساعدي مشرف ان اي محاكمة علنية لفاروق او خان قد تسبب احراجا كبيرا للحكومة الباكستانية في حال كشف حقائق اخرى خاصة ما يتعلق منها بدور محتمل للجيش الباكستاني الذي يعتبر القوة السياسية الرئيسية في البلاد وظل لعدة عقود مشرفا على البرنامج النووي الباكستاني.

وتمكنت المؤسسة العسكرية الباكستانية من الافلات من التحقيق الذي تقوم به وكالة الاستخبارات المتبادلة التابعة للجيش وقيل انها على وشك اكمال تحقيقاتها بشأن هذه القضية. واعترف المسؤولون انه يتعين مثلاً التحقيق مع الجنرال المتقاعد ميرزا اسلام بيغ الذي كان من الدعاة العلنيين للتعاون العسكري مع ايران خلال فترة عمله كرئيس لأركان الجيش ما بين 1988 و1991.

وقال تشودري نزار علي خان احد مساعدي رئيس الوزراء الاسبق نواز الشريف في مقابلة اجريت معه يوم الخميس الماضي ان بيغ اتصل به عام 1991 واقترح عليه بيع التكنولوجيا النووية الى ايران. وقال روبرت اوكلي، أحد السفراء الأميركيين السابقين لدى باكستان، ان بيغ ابلغه شخصيا عام 1991 انه توصل الى تفاهم مع رئيس الحرس الثوري في ايران لمساعدة ايران في برنامجها النووي مقابل الحصول على اسلحة تقليدية ونفط.

لكن اوكلي قال لاحقا ان نواز الشريف والرئيس الباكستاني آنذاك غلام اسحاق خان ابلغا الرئيس الايراني السابق علي اكبر هاشمي رفسنجاني انه ليس في نية الحكومة الباكستانية تنفيذ الاتفاق، لكن ذلك «لا يعني بالضرورة ان بيغ وعبد القدير خان لم يتقدما في مجال المساعدة».

ومن جانبه اعترف بيغ انه توصل الى اتفاقية مع ايران للمشاركة في الخبرة ضمن عدة ميادين تخص الاسلحة التقليدية لكن التعاون المخطط له لم يتم تنفيذه على ارض الواقع.

وعلى الرغم من ان العديد من الضباط العسكريين المتقاعدين من مراتب اقل قد تم اعتقالهم ضمن اجراءات التحقيق الحالي، فان التركيز ظل موجها على الشخصيات البارزة في المؤسسة النووية الباكستانية، الامر الذي دفع الكثير من الشخصيات السياسية المعارضة واقارب العالمين الى اتهام الحكومة بأن العلماء النوويين الباكستانيين قد تم اختيارهم دون غيرهم في هذا التحقيق نتيجة للضغط الأميركي.

وقال الطبيب عاصم فاروق، ابن العالم المعتقل عبر مكالمة هاتفية اجريت معه أول من امس انهم «جعلوا من والدي كبش فداء. انه ليس سوى عالم وليس متخذ قرارات. انه لا يقوم الا بما فيه مصلحة لباكستان». واضاف ان اي محاكمة له «ستكشف الحقيقة بكاملها».

اما عبد القدير خان الذي تم استجوابه بدون ان يؤدي ذلك الى اعتقاله فانه لم يرد على رسالة تركت له على هاتفه اول من امس. ومعروف عن خان انه وطني الى درجة عالية وسبق ان انتقد «العداء الغربي للاسلام» وقد اقيل من منصبه كمدير للمختبر النووي الباكستاني عام 2001 تحت ضغط أميركي، وهو يعمل حاليا مستشاراً لرئيس الوزراء ظفر الله خان جمالي.

وقال وزير الاعلام الباكستاني رشيد احمد في مقابلة اجريت معه الخميس انه ليست هناك حاجة لاستجواب بيغ او أي عسكري كبير آخر لأن برنامج باكستان النووي لم يكن تحت سيطرة الجيش عندما كان بيغ رئيسا لهيئة الاركان. وتزامنت غالبية فترة خان كرئيس للاركان مع الفترة التي كانت تشغل فيها بي نظير بوتو منصب رئيسة الوزراء قبل اطاحتها عام 1990 من قبل الرئيس خان واستخلافها بنواز شريف.

وزعمت بوتو ان الجيش كان وراء اخراجها من الحكم لأنها حاولت ان تفرض سيطرتها على انشطته بما في ذلك البرنامج النووي. وفي رسالة الكترونية ارسلتها بوتو التي تعيش في المنفى قالت انها عندما كانت رئيسة للوزراء لم يكن لديها نفوذ على نشاطات مختبر خان النووي وان ذلك المختبر كان «تحت سيطرة الجيش» وان محاولاتها «للسيطرة على اتجاه السياسة النووية قد تمت مقاومتها كثيرا».

وفي واشنطن، اشار مسؤول أميركي كبير الى انه مع تصاعد الضغط العالمي على باكستان بعد ان تم الكشف عن تعاملاتها النووية مع كوريا الجنوبية والتي جرى بعضها في فترة متأخرة مثل عام 2001، فان مشرف وجد، فيما يبدو، انه لا يملك خياراً غير الاستمرار في البحث عن المزاعم المتعلقة بايران حتى اذا كان ذلك خاصاً بفترة تسبق تاريخ انقلاب 1999 الذي جاء به الى الحكم. وقال المسؤول الأميركي: «انهم لا يستطيعون ابقاء رؤوسهم في الرمال اكثر لأن الضغط الخارجي اصبح كبيرا جدا عليهم».

واعترفت السلطات الباكستانية انها اعتقلت 11 شخصا يعملون حاليا او عملوا سابقاً في مختبر خان. وقد اطلق سراح غالبية هؤلاء الا انه ابقي على فاروق قيد الاحتجاز. وخلال هذا الاسبوع، منع عالمان نوويان من التوجه الى البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج.

ويصف مسؤولون باكستانيون فاروق بأنه واحد من اكثر المؤتمنين على اسرار خان وانه عمل في المختبر النووي منذ الثمانينات. وهو مثل خان خبير في تكنولوجيا الطرد المركزي الخاص بتخصيب اليورانيوم. وقال مسؤول استخباراتي باكستاني كبير ان فاروق اعتقل مع نظير احمد المدير السابق للمختبر بهدف «فحص مدى نشاطات خان بأكملها خلال الخمسة عشر عاما السابقة».

ويعود نقل تكنولوجيا الاسلحة النووية الى ايران حسبما قال مسؤولون باكستانيون الى عام 1987 عندما وافق الرئيس الأسبق محمد ضياء الحق، وبشكل سري، على طلب من الحكومة الايرانية بالتعاون في مجال البرامج النووية غير العسكرية.

وقال عالم سابق كان يعمل ضمن البرنامج النووي الباكستاني شرط عدم كشف هويته ان العلماء الايرانيين قد عبّروا عن رغبتهم في التعاون «ضمن المسائل النووية غير السلمية». واضاف هذا العالم ان ضياء الحق الذي قُتل عام 1988 في حادث تحطم طائرة «قد طلب مني مواصلة المباحثات لكن بدون تقديم اي شيء اساسي مهما كان السعر المعروض». وقال العالم ان الايرانيين واصلوا المشوار مع بيغ لكنه لا يعرف ما اسفرت عنه جهودهم من نتائج.

وقال نزار علي خان وزير الدولة في حكومة نواز الشريف ان رئيس الاركان قد حاجج بعد حرب الخليج عام 1991 انه «اذا كانت اميركا قادرة على هزيمة العراق فان الدور سيكون لباكستان وايران». واقترح بيغ انه لمنع وقوع ذلك، فانه يتعين على باكستان ان تبيع التكنولوجيا النووية الى ايران كجزء من تحقيق «تحالف كبير» ضد الولايات المتحدة.

وقال نزار علي خان انه «كان يقول اذا تشددت الولايات المتحدة تجاهنا فيجب علينا الاستفادة مالياً من التكنولوجيا التي بحوزتنا». لكن نزار علي خان قال انه لا هو ولا نواز الشريف قد اخذا تلك المقترحات محمل الجد.

لكن بيغ انكر ان يكون نقاش من هذا النوع قد جرى بينه وبين خان، وقال: «كان البرنامج النووي الباكستاني دائما تحت سيطرة الرئيس التنفيذي. واذا جرى التفكير في ان الدكتور عبد القدير خان او انا قد نقلنا التكنولوجيا الى أي بلد آخر فان ذلك ليس سوى زعم كاذب».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»