ربات منازل يتحولن إلى سيدات أعمال ومشاريع منتجة تعبر عن مواهب وقدرات متميزة

TT

المحاولات التي يقوم بها المرء للتعبير عن ذاته قد تقوده الى أبعد مما يتصور في بعض الاحيان، وهذا ما حصل عندما تغيرت صفة أم محمد من مجرد ربة منزل سعودية الى سيدة أعمال تدير مشروعاً صغيراً. هي محاولة بسيطة لتأسيس عمل منتج تديره أم محمد، وتعيش هي وعائلتها من مردوده الذي اصبح وفيراً بفضل اتقانها لعملها.

لم تكن أم محمد تتوقع أن يتحول العمل الذي بدأته من زاوية صغيرة في منزلها الى مصدر رزق وحيد للعائلة. فقد كانت هوايتها في خياطة الازياء النسائية مصدر تسلية لها، كان هذا في البداية، لكن مع مرور الايام وتعثر ظروف أسرتها كان لا بد من ان تتحول الهواية الى مهنة تعيل الجميع، «نعم اعيل الجميع بمن فيهم زوجي المريض وولدي اللذين يتابعان دراستهما»، تقول أم محمد. كانت اصابة الزوج بمرض مستعص مصدر قلق لأم محمد اذ لم تكن تعرف الى من تلجأ لتتقي شر العوز، الى ان خطرت ببالها فكرة، «فكرت ان استغل هوايتي في تفصيل وتصميم الازياء النسائية لتصبح عملاً ثابتاً»، وهذا ما حصل اذ باتت أم محمد تفصل الثياب لقريباتها وجاراتها. وقد حظيت التصاميم بإعجاب كل من رآها مما شجع أم محمد على التوسع في نشاطها. خصصت زاوية في المنزل للعمل، ومع ازدياد مدخولها استأجرت محلاً وحولته الى مركز للخياطة النسائية. وهكذا تحول المركز الى مقصد للسيدات اللواتي يشهدن لأم محمد بأنها من امهر المصممات في المنطقة الشرقية. في البدء حاول زوجها ثنيها عن العمل كي لا يحملها فوق طاقتها لكنها ارادت ان تثبت له انها قادرة على القيام بهذه المهمة لتنقذ عائلتها من الحاجة وطلب المعونة من الناس، «كنت مصممة على العمل خاصة أنني كنت واثقة من براعتي في مجال الأزياء وعملي الذي زاولته منذ صباي».

* صابون يدوي لجمال طبيعي

* اما ماجدة العمران فلم يكن لديها أية نية لافتتاح مركز نسائي، لكن اتساع عملها في صناعة الصابون اليدوي وتصاميم الازياء النسائية جعلها تفكر بهذا المشروع المثمر. فالمنتجات اليدوية ومنها الصابون المصنع من الزيوت الطبيعية والشامبوهات والكريمات المصنعة يدوياً تحوز على اهتمام السيدات السعوديات كونها تؤمن لهن العناية ببشرتهن من دون اللجوء الى المواد الاصطناعية والكيماوية، فكيف اذا كانت من تصنع هذه المواد سيدة تعرف متطلبات بنات جنسها.

أحبت العمران الأشغال اليدوية والغريبة منذ زمن طويل، ولفت نظرها «كتاب عن تصنيع الصابون في وقت لم يكن من السهل الحصول على الكتب». كان هذا منذ عشر سنوات، «قرأت الكثير من المعلومات من الكتب والمجلات التي كنت اراسلها» تقول العمران وقد تكونت لديها خلفية غنية حول هذه الصناعة. ولأن التجارب المتواصلة هي الطريق الصحيح للوصول الى النتائج المرجوة «اجريت التجارب كما قرأتها في الكتب، ورميت الكثير من الخلطات قبل ان اصل الى التركيبة الصحيحة والدقيقة للصابون على الرغم من صعوبة الحصول على الخامات» توضح العمران. وجربت العمران الصابون الطبيعي بنفسها وعلى أفراد عائلتها وكانت تسجل الملاحظات التي تخلص اليها لعمل التعديلات اللازمة على التركيبة، الى ان توصلت الى الصيغة النهائية التي حققت الفوائد المرجوة منها، «اصبح أهلي يميزون بين الصابون الموجود في الاسواق وبين الصابون الطبيعى الذي اصنعه وميزوا الفرق بينهما». مضى على عمل ماجدة في صناعة الصابون الطبيعي حوالي تسع سنوات لكنها بدأت تصدر نتاجها الى السوق منذ ثلاث سنوات فقط «في البدء كنت أوزع ما اصنعه مجاناً على الناس مع كتيبات تشرح المكونات والانواع التي اصنعها، وعندما يجربونه ويرون نتائجه الجيدة على البشرة فانهم يطلبون مني كميات كبيرة»، تشير العمران. وبات لماجدة زبائن من مختلف المناطق حيث انها لم تصادف أية شكاوى من منتجاتها بل على العكس النتائج الجيدة التي تحققها تجعل زبائنها يزدادون «هناك أطباء يأتون اليَّ خصيصاً للحصول على الصابون ومنهم طبيبة كان أطفالها يعانون من الحساسية لكن الصابون الطبيعي شفاهم منها». وطورت ماجدة صناعتها مع الوقت و«ابتكرت انواعاً جديدة من الشامبوهات المصنعة من دون مواد كيماوية والصابون السائل الذي اصنعه يدوياً وأضيف إليه المواد الطبيعية كالزهور والبابونج والعسل والنخالة وغيرها». ولكل نوع من انواع البشرة الصابون الملائم له كما تؤكد العمران «فالسدر والطين ينفعان للتخلص من البثور وازالة الترسبات، بينما البابونج يفيد البشرة الحساسة». تلقى العمران التشجيع من زوجها وعائلتها «ينصحونني بعدم الشراكة مع أحد في عملي»، لكن هذا غير كاف اذ ان المشكلة الابرز التي تعترض عملها تبقى في رغبة الكثيرين استغلال جهد العمران لتحقيق الكسب من خلال الشراكة غير العادلة معها «البعض يطلب مشاركتي ولكن بنسب خيالية تضيع جهدي وتعبي لكني أرفض». ولا يتوقف طموح العمران عند مركز نسائي اذ انها تطمح لتأسيس مصنع صغير للصابون الطبيعي والمنتجات المتفرعة منه «لكن المشروع يتطلب مبالغ مالية كبيرة لذا أتريث قبل تنفيذه». ومن اهداف ماجدة ايضاً تشغيل بنات منطقتها القطيف في المصنع بعد تعليمهمن هذه المهنة لكن مع التشديد على انها لا تعلم الا من تجد لديه الكفاءة «لأن الصابون قد يسبب الأذية للبشرة اذا لم يكن متقن الصنع».

* لوحات فنية «بيئية»

* أمل الشيوخ بدأت عملها الخاص منذ سنة تقريباً، حيث شكلت دراستها للتربية الفنية منطلقاً لعملها الذي يتلخص في تصميم لوحات فنية من لحاء الاشجار. صحيح أن الفكرة سبق ان تم تنفيذها لكن أمل ادخلت عنصراً جديداً الى اسلوب عملها يكمن في عدم اعتمادها على الكتابة بأسلوب الحرق المعتاد بل تلجأ الى الكتابة على ورق البردى ومن ثم تلصقه على اللحاء. «لقيت صعوبة في الكتابة لأن الورق فيه خطوط لكن منظره الجميل دفعني للاستمرار في عملي، وكنت ألصق الورق على اللحاء فأحصل على نتيجة جميلة جداً» تقول الشيوخ التي تركز على كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وتؤكد الشيوخ ان فكرتها مستقاة «من بيئتنا وثقافتنا الاسلامية، فالبيوت الشرقية غنية بالآيات القرآنية وهذا ما يشجعني على الاستمرارية في عملي لأن الاقبال على أعمالي كثيف».

وتؤكد الشيوخ ان دعم زوجها ومحيطها كان سبب استمراريتها في عملها، «لزوجي نظرة فنية وهو ينتقد أعمالي ويساعدني على تصحيح بعض الاخطاء، كما انه يساعدني في عملي خاصة في الامور الصعبة». نظمت الشيوخ معرضاً لمنتجاتها في المنزل ووجدت التشجيع من الزوار وهكذا توالت المعارض التي حازت اعجاب الكل لأن الفكرة جميلة ومبتكرة. ولم يقتصر عمل الشيوخ على الكتابة بل قامت بتعتيق اللوحات التي تصنعها بالألوان الجميلة وصممت لها الاطارات الخشبية. وتركز الشيوخ على أن عملها قائم على البيئة «البيئة تعطينا كل شيء، لذا فكل المواد التي استخدمها طبيعية ولا استخدم خامات صناعية باستثناء الالوان والمعاجين». تشعر أمل ان «المرأة في مجتمعنا لها كيانها وتستطيع القيام بأشياء كثيرة» لذا تشجعها على ممارسة الأشغال اليدوية والصناعات الحرفية «فعلى المرأة ان تخرج ما لديها من طاقات الى المجتمع طالما المجال مفتوح لذلك».

* ديكورات مميزة لمنزل مبتكر

* اما هدى القطري فقد استطاعت ان تقدم الديكور بأسلوبها الخاص والمبتكر «بطريقة جديدة وعريقة وجذابة» كما تقول. فانطلاقاً من طبيعة عملها القائمة على الفنون التطبيقية المتنوعة والتصاميم الداخلية، عملت على تصميم منزلها وتحويله الى مساحة للتعبير عن فنها «منزلي هو قطعة فنية من عملي الخاص، انجزته في اربعة اشهر وعلقت فيه أعمالي كالثريات كما عملت فيه الاقواس».

وتؤكد القطري أن تعاون وتفهم الأسرة والزوج بالدرجة الأولى هو الذي فتح لها الابواب على مصراعيها لتعبر عن نفسها فنيا،ً «فزوجي هو الذي شجعني ولم يمانع في عملي بل يشعر ان هذا عمل حضاري وهذا ما حفزني لأطور نفسي وعملي، وأنا سعيدة بوقوف زوجي معي، فالانفتاح الذي لديه يجعله مشجعي الأول للخروج الى المجتمع». وتشدد القطري على اقبال الناس على أعمالها لأنهم يهتمون «بالعودة الى التراث وأنا اخرج أعمالي بين القديم والحديث، فأقوم بأعمال فنية قديمة عبر تعتيقها كما أقوم بالأعمال المودرن»، وتعتمد في عملية التعتيق على تقنيات حديثة وتبرع فيها وتشهد أعمالها على ذلك، «استخدم مواد الاكسدة وتعطي نتائج جميلة جداً، وكلها من ابتكاراتي الخاصة الناتجة عن الخبرة والاطلاع». بدأت القطري ممارسة هذه الهواية منذ الصغر ولكن على نطاق محدود جدا، وهي تعتقد ان «الفن ولد معي، فمنذ طفولتي كنت كثيرة التأمل للأشياء المحيطة بي وكنت أعشق الطبيعة واجمع الخامات البيئية من اوراق الاشجار والاخشاب الصغيرة والصخور وغيرها». وتعتبر ان الظروف آنذاك لم تساعدها على الظهور «لم تكن الظروف مهيأة لنا للعمل كما هي في الوقت الحالي ولم يكن أهلنا يهتمون بابراز مواهبنا وطاقاتنا». كانت انطلاقة القطري الأولى خلال العام الماضي عندما اقامت معرضاً شخصياً في المنزل لمنتجاتها ضم الفخاريات واللوحات والزهريات والثريات، والاسطح المعتقة والمعالجة، «كان معرضاً شاملاً ضم العديد من انواع واشكال الفخار وكل ما يتعلق بالديكور المنزلي من اباجورات وثريات وغيرها»، وهي تعتبر ان هذا المعرض شكل نقطة انفتاح لها على المجتمع لتبدأ بعدها مشاركاتها المتعددة في المعارض والمراكز والصالات الفنية.

تلبي القطري رغبات السيدات بأن تصمم لهن اشياء مميزة وغير متواجدة في السوق لينفردوا بها، «فالسوق يقدم للناس الأشياء التجارية المستنسخة، بينما أنا اعمل على الذوق الفني فأقدم لهم عملاً فيه حس فني». وعن الدافع الذي يحثها على العمل تقول القطري «لن اقول ملء أوقات الفراغ، فأنا لم اعرف الفراغ في حياتي، ودافعي هو حبي للعمل وللفنون تحديداً التي اعتبرها نعمة من الله، وكم من فنان ومبدع رحلوا بأجسادهم لكن آثارهم وفنونهم بقيت شاهدة عليهم». كما أن حب القطري للتجديد في حياتها هو الذي يدفعها لممارسة العمل الفني «فهو يخلق مني انسانة متجددة ومتألقة». ولا يقتصر طموح هدى القطري على الوقت الحالي بل تسعى لأن تكون «فنانة عظيمة وملمة بجميع انواع الفنون والثقافة وان تكون لي مشاركات في نشاطات دولية».

وتنصح هدى السيدات السعوديات «باكتشاف أنفسهن وطاقاتهن وان يعملن على استغلالها في ما هو مفيد لهن»، ومن وجهة نظرها «المرأة في مجتمعاتنا محتكرة في منزلها ويجب اخراجها عبر هذه النشاطات». وترى القطري ان الفن والأعمال اليدوية تشعر الانسان بالاستقلالية وبالتفرد في العمل ويجعله هذا الامر يعيش في جو خاص به وانه يعمل ويتجدد ويخلق اشياء جديدة.

* مفارش ووسادات للزينة

* صديقة القطري ربة منزل ابعدتها ظروف عملها في التدريس عن عائلتها لفترات طويلة فكانت تبحث عن هواية تملأ وقت فراغها فوجدت في صناعة المفارش والوسادات الخاصة للزينة والصالونات ما تبحث عنه. ولأن في داخلها الكثير من الفن ظهرت هذه الحرفة «وصرت أطور نفسي منذ سنة تقريبا». وتجد السيدات الراغبات في تزيين غرفهن بأجمل القطع الفنية اليدوية الصنع لدى القطري الكثير من القطع الفريدة المصنعة بإتقان. وتشير صديقة ان عملها لاقى اقبال السيدات وخاصة اللواتي يتذوقن الفن ويقدرن العمل الحرفي اليدوي المتقن، «فهناك الكثير من الأعمال المشابهة لأعمالي في السوق لكنها مصنعة آلياً وهنا يكمن الفرق». شعرت صديقة ان الفن ساعدها على اثبات ذاتها، على الرغم من أنها موظفة. ويلعب الزوج دوراً مهماً في حياة صديقة «هو الذي يدفعني الى تحقيق ذاتي ولم يقف في طريقي أبداً، بل على العكس فزواجي لم يكن يوماً عائقاً امامي فأنا درست وانتسبت الى الجامعة وكان لدي أطفال». وتستطيع صديقة التوفيق بين وظيفتها وعملها الخاص وواجباتها المنزلية بفضل التنظيم والتنسيق مع الزوج «الجهد يكون مضاعفاً لكن الراحة النفسية تساعدني وتزيل العقبات من أمامي فزوجي يساعدني وأولادي متفهمون لعملي»، وهي ترى أن من واجبات الأم تعريف أولادها على اهمية العمل. وتتشجع القطري بنظرة المحيطين اليها كامرأة عاملة «انهم يحبون عملي ويجدون فيه ابداعاً وفناً مميزاً ويقدرون الطاقات الموجودة لدي وهذا ما يشجعني لمواصلة عملي». بدأت صديقة تسوق أعمالها بين الأهل والأصدقاء وزميلات العمل واليوم اتسعت دائرة الراغبات باقتناء اشغال صديقة. وتنصح القطري السيدات اللواتي يجدن في أنفسهن الفن والابداع والطاقة «لاظهارها بأي شكل من اشكال الفنون دون خوف من المجتمع بل على العكس الناس سيتفهمونها وهناك الكثيرون من الذين يقدرون عمل المرأة».