وزير حقوق الإنسان العراقي: نسعى لتعويض العراقيين عما عانوه

عبد الباسط تركي لـ«الشرق الأوسط» لدينا مشاكل أمنية كثيرة وأطراف خارجية تصفي حساباتها على أرضنا

TT

أكد وزير حقوق الانسان العراقي عبد الباسط تركي في حديث لـ«الشرق الأوسط» صعوبة الوضع الأمني في العراق وحذر من قيام أطراف خارجية بتصفية حساباتها داخل البلاد، وقال إن وزارته تحاول تعويض الشعب العراقي عما تعرض له من معاناة في مجال حقوق الانسان في عهد صدام حسين، ولكنه استبعد تطبيق الرؤية الأميركية في هذا المجال، كما تحدث عن حالات البطالة والسجون العراقية والمحاكمات التي ستجري لمسؤولي النظام السابق، المتهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات واسعة.

* أين حقوق الانسان في العراق اليوم؟

ـ العراق كان حافلا بانتهاكات حقوق الانسان واعمال الابادة الجماعية وانعدام الحريات السياسية، وكانت وسائل الاعلام مغلقة بأساليب محددة، وتشكيل الاحزاب كان اشبه بالمعجزة. هذه هي التركة القديمة، والآن نتطلع الى بناء جديد ولكن معالجة تركة النظام السابق في هذه الظروف وفي ظل الاحتلال غير سهلة، فالأمر يحتاج الى اعادة تكوين ثقافة مجتمع مدني خاصة.

* الا تعتقد ان ما يحدث حاليا للشعب العراقي هو أكثر مما حدث في عهد النظام السابق؟

ـ ان ما حدث في عهد نظام صدام حسين لم يحدث في التاريخ ولا يوجد وجه للمقارنة.

* هل من خطة لانقاذ حياة العراقيين المهددة، فحتى من يطالب بحقه في العيش خلال بعض المظاهرات يضرب بالرصاص؟

ـ من يلقي قنبلة يدوية يضرب بالرصاص، وهنالك عشرات المظاهرات السلمية التي تنظم يوميا من دون ان يتعرض لها أحد.

* لكن الطائرات الاميركية تقصف مواقع المهاجمين بالصواريخ؟

ـ انا اتحدث عن المجتمع المدني والمظاهرات التي تخرج من دون تعرض من قبل قوات الاحتلال، ولذلك لابد من التأكيد على عدة نقاط منها أن ما يتعرض له شعبنا من مشاكل يتحول الى ضجة، وان العراق لم يعد يتحمل المزيد منها، وأعتقد ان المطلوب من الجميع هو مد يد العون لأن هناك من يحاول أن يظهر الواقع بالطريقة التي يريدها، ونحن نعترف بأن الوضع الأمني في العراق غير مطمئن ومهدد بالانفجار اذا لم تستقر الأوضاع ويتفق على مستقبل العراق. نعم هناك صدامات مسلحة وعنف ولكن توجد قوى مختلفة تستغل هذا الظرف الاستثنائي في العراق.

* من هي هذه القوى هل تعتقد انها دول؟

ـ ربما كانت دولا، والا كيف تفسرين تفجير مبنى الأمم المتحدة مثلا، وهل يعقل أن يقوم العراقيون بذلك أو يقومون بتفجير انبوب مياه، أو يضربون الشرطة العراقية. كل هذا أتصوره ممارسات من كثيرين يحاولون تصفية حساباتهم داخل العراق واتمنى الا تكون وسائل الاعلام واحدة من هذه الأدوات. النقطة الثانية، هي أننا نواجه وضعا استثنائيا وهذا يحتاج إلى مساعدة الجميع. في الوقت نفسه نحن ننبه إلى أنه لا يمكن الاستمرار في خرق حقوق الانسان في العراق لشعب تعب بما فيه الكفاية ولهذا أقوم باتصالات يومية مع مجلس الحكم والادارة الاميركية لتجنب أية اخطاء تضر بالشعب العراقي وأنا شخصيا غير راض حتى الآن عما وصلت اليه وأتمنى ألا تكون هناك أية تجاوزات لأن هذا يعد مسؤولية اخلاقية وأدبية ومن صميم عملي. وذهبت لأبعد من ذلك حيث أجريت اتصالات مع منظمات دولية ووجهت الدعوة اليها لزيارة العراق حتى تساهم معنا في استقرار الأوضاع.

* ما هي رؤيتك لحقوق الانسان وهل تتفق مع رؤية الاميركيين لها، وماذا عن الواقع المفروض على الأرض؟

ـ لسنا معنيين بحقوق الانسان الاميركية أو برؤيتهم لها. أنا لم أغادر العراق طوال عمري وأنا واحد من الذين شهدوا انتهاكات حقوق الانسان منذ عهد طويل واعرف ماذا تعني كلمة حقوق الانسان.

* ماذا تعني؟

ـ لأول مرة تستفزني تساؤلات صحافي طوال حياتي السياسية، ومع ذلك أوضح لك ان لدي وثائق عن انتهاك حقوق الانسان لا أتمنى أن تنشر لأنها تستفز مشاعر الكثيرين.

* هل تحمل نظام صدام كل ما حدث للشعب العراقي؟

ـ نعم. لا يمكن أن يلام الشعب العراقي الذي حفرت له أكثر من مائتي مقبرة جماعية ولا يمكن ان يلام شعب غادر منه أكثر من أربعة ملايين نسمة أرض العراق، وحتى الان هناك أكثر من مليون معدوم ومفقود سياسي، ولذلك اعتقد ان العراق لا يمكن ان يستقر الا اذا توفر فيه المناخ الديمقراطي وتحققت له سيادته الكاملة والحرة.

* هل الطريقة التي يدار بها العراق حاليا تقوده الى الاستقلال؟

ـ لقد تم الاتفاق رسميا على نقل السلطات والادارة المدنية كاملة للعراقيين في نهاية يونيو (حزيران) المقبل ولدي تفاؤل كبير بتحقيق ذلك، وقد بدأنا في اعداد أنفسنا لتسلم السلطة وقمنا باعداد الكوادر القادرة على ممارسة الانشطة المختلفة في الدولة العراقية الكاملة السيادة ونعد ايضا حاليا لاصدار دستور دائم للبلاد وانتخابات حرة حتى تتشكل وزارة منتخبة وادارة عراقية مستقلة ومستقرة وعند ذلك يمكن الحديث عن مغادرة الجيوش الاجنبية من العراق.

* لكن كل شيء في العراق تهدم، كيف نقنع الشعب العراقي بالمشاركة وهو في حالة موات؟

ـ لا يمكن ان نلقي كل الاتهام على قوات الاحتلال فقد كان تقدير وزارة التخطيط في الحكومة العراقية ان عدد ما يحتاجه العراق من وحدات سكنية حتى عام 2002 هو مليونان ونصف وحدة سكنية ولكن لم يتم وضع حجر اساس لأي بناء سكني منذ عام 1980، لقد وقع ما وقع في العراق والمشاكل كثيرة، فحجم البطالة تجاوز الـ40% والآن وصل الى الـ60% وهناك من كان يعمل في الجيش الرسمي وأجهزة أمنية وهؤلاء يشكلون عددا كبيرا من المواطنين وهم الآن بدون عمل، ومرة أخرى وصل عدد المتقاعدين الى مليون وربع المليون قبل سقوط نظام صدام ومائتي ألف معلم ومدرس تقاعدوا، وكان معدل راتبهم الشهري أقل من دولارين.

* لكن كان ذلك بسبب الحصار الذي فرض 12 عاما؟

ـ هذا صحيح ولكن..

* ولكن هل تقصد ان المرتبات ارتفعت الآن؟

ـ الآن وصل الحد الأدنى الى مائة ألف دينار عراقي لأي مرتب في العمل الحكومي وهو يساوي حوالي 60 أو 80 دولارا، ومع ذلك أقول اذا لم يستقر الوضع الأمني في العراق سوف يتدهور الوضع الاقتصادي نحو الأسوأ، وسوف تصعب السيطرة على الازمات التي كانت مكتومة في السابق، الآن يمكن أن يحدث الانفجار في أي لحظة.

* كيف تتعاملون مع مسألة اعتقال قوات الاحتلال للنساء؟

ـ تابعت من صنعاء وخلال مشاركتي في مؤتمر الديمقراطية وحقوق الانسان هذا الموضوع وأكدت حرصي على اطلاق سراح النساء، وأنني اتعهد باحضارهن الى المحكمة وكلفت عددا من المحاميات بزيارتهن وكذلك وفرت لهن زيارة الاطباء، كما أنني اسعى لفتح مكتب للوزارة داخل السجن، واعتقد ان هذه التجربة لها ما يليها لأننا إما أن ننجح الان ونبني مستقبلا واعدا أو نبقى كما نحن.

* كم عدد المعتقلين في العراق؟

ـ تصلني استمارات اسبوعية لعدد المعتقلين وقد تسلمت حتى الآن ستة آلاف وستمائة استمارة لمعتقلين ولكن الاغلبية قضاياهم جنائية وليس لأسباب سياسية.

* هل ستتم محاكمة كل قيادات حزب البعث العراقي؟

ـ سوف تجرى محاكمة من اساؤوا أو من يقدم المدعي العام ضدهم دعاوى. وسوف تكون كل المحاكمات من الآن وصاعدا علنية.

* ماذا عن محاكمة صدام حسين؟

ـ البنتاغون الاميركي اعتبر صدام حسين اسير حرب. واذا استمر هذا القرار فمعنى هذا اننا نحتاج لمحاكمة أخرى في العراق لصدام، وسوف يكون لنا دور ولكن ما يشغلنا هو إجراء محاكمة عادلة لجميع من اتهموا بارتكاب انتهاكات في العراق وهناك نظام خاص في المحكمة الجنائية لمحاكمة مثل هذه الحالات وسوف نؤمن مسألة الدفاع وجمع الأدلة.

* هل أنت مطمئن الى تشكيل المحكمة الحالية التي ستحاكم القيادات العراقية السابقة؟

ـ أنا مطمئن تماما لأن كل المحاكمات ستكون علنية.

* هل هناك خبرات عراقية في مسألة المحاكمات؟

ـ هذه هي الاشكالية، لاننا لم نحاكم من قبل مثل هذه الجرائم، ومن المتوقع ان نستعين بمستشارين أجانب أو دوليين في هذا المجال لكن اتخاذ القرار سيكون للمحكمة.