الرياح والأمواج تؤجل فرحة حجاج السودان 30 دقيقة في ميناء جدة

طفلة السرطان يحضرها والداها من السودان ليدعوا لها بالشفاء من عرفات

TT

رغم ان العبود (سفينة الحجاج المقبلة من السودان) معتادة على الرسو في ميناء جدة في كل وقت لكنها واجهت في الرسو على الميناء لانزال ركابها الذين يتجاوزون 600 حاج ولمدة تجاوزت ثلاثين دقيقة، ظلت السفن الصغرى تحاول سحبها بواسطة الحبال وهي ترفض وسبب ذلك بالتأكيد ليس عطلا او مشكلة فنية بل كانت الرياح الشديدة التي شهدها ميناء جدة امس والتي اجبرت العبود على ان تستغرق نصف ساعة لقطع 200 متر لترسو في الميناء لانزال ركابها، في هذه اللحظات كان الركاب يتابعون هذا المشهد وهم على قمة السفينة فرحين بوصولهم الى ميناء جدة بوابة مكة المكرمة متابعين سفينتهم حتى وقوفها في المرسى. وبمجرد ان فتح الباب بدأ خروجهم واحدا تلو الاخر نساء ورجالا واطفالا، كان منظر شبه مألوف اعتدناه خلال الايام الماضية ولكن الجميل ان بين هؤلاء عددا من الاطفال الصغار بعضهم لا يتجاوز الستة اشهر، اقتربنا من بوابة السفينة بانتظار انهاء اجراءات فحصهم الطبي.

(اريد ان احج مع والدي ووالدتي واريد ان ارى الكعبة التي اشاهدها في التلفزيون) تلك هي العبارة التي اختارتها طفلة السودان عائشة ذات الثماني سنوات لتجيب على سؤالي لماذا اتيت؟ ولكن حين كانت عائشة تنطق هذه الاجابة كانت عيون والدها ووالدتها تذرف بالدموع وهما يقفان خلفها بجوار باب السفينة العبود... ظننت انا في الوهلة الاولى انها دموع الفرح بوصولهم الى مدينة جدة المدخل الغربي لمكة المكرمة حيث المشاعر المقدسة ولكن والد (عائشة) اقترب مني وهمس في اذني قائلا (عائشة مصابة بمرض سرطان الدم منذ فترة واكتشفنا ذلك وقررنا هذا العام ان نأتي بها لنؤدي مناسك الحج وندعو الله ان يشفيها ويحفظها لنا من عرفات فهي ابنتي الصغرى ولديها اخ اكبر منها). كان والد الطفلة يتحدث وهو يبكي (كان المنظر مؤثرا ومؤلما وحزينا ومخيفا في نفس الوقت) لم تكن عائشة تدرك لماذا اختار والدها الحضور بها في هذا الوقت الى هذا المكان بالذات؟ ولماذا هي الطفلة الوحيدة من بين افراد قريتها التي تحج فلم تحضر معها صديقتها سلوى ولا رفيقة دربها عبير؟

كان منظر عائشة مؤثرا وهي تحمل حافظتها السوداء الصغيرة في يدها وترتدي معطفها الاحمر وتضع قبعتها السوداء على رأسها، غادرت مع والدها باتجاه الحافلة التي ستقلهم الى مكة المكرمة بينما وقفت انا في مكاني ودمعة وقفت في عيني لم استطع حتى التحرك من ذلك المكان حزنا على تلك الطفولة السجينة خلف قضبان ذلك المرض الخبيث.

كانت تلك الطفلة بين المقبلين على الفوج الاخير من ميناء جدة الاسلامي والذين استقبلهم مدير حرس الحدود السعودي الفريق طلال عنقاوي الذي قال: «ان قطاعه يقوم باستقبال الحجاج في الميناء ويتولى عملية متابعة دخول الحجاج ويقف حاجزا لمنع التسلل في موسم الحج».

في مكان اخر على متن سفينة العبود كانت ام محمد تحمل ابنها الذي يبلغ من العمر 6 اشهر وتقول: «اخترت ان احضر ابني معي لاداء مناسك الحج حتى يبدأ حياته منذ صغره بعبادة الله وحتى عندما يكبر سأخبره انه قد ذهب الى مكة المكرمة وادى فريضة الحج وهو طفل صغير»، وتضيف «انا خائفة عليه من ان يصاب بأي عدوى او مرض في الحج ولكن قمت بتطعيمه واجراء فحوصات له قبل مجيئي واذا اصابه شيء كتبه الله عليه فلن استطيع منعه وكانت عائلتي كلها قد طلبت مني ابقاء صغيري محمد معها ولكن لم استطع تركه ولن اطمئن عليه فهو طفل رضيع ولا يستطيع رعايته بشكل جيد أي شخص اكثر مني لذلك قررت ان يرافقني مهما كانت الظروف».

احمد صديق طفل ثالث كان على متن العبود مقبلا مع والدته التي ظلت تضعه فوق ذراعها طوال رحلتهما البحرية الشاقة حيث تقول اشعر انني سأطير من الفرح بوصولنا الى جدة واقترابنا من بيت الله الحرام الذي طالما انتظرته، ويزيد شعوري بالفرح وطفلي الوحيد احمد معي، فقد حرصت وصممت ان يرافقني انا ووالده في هذه الرحلة خاصة انه ابننا الوحيد وكنت اعلم سابقا ان هناك صعوبات سنواجهها اثناء اداء مناسك الحج سواء في مكة المكرمة او في اثناء الطريق وقبل وصولنا الى المشاعر المقدسة ولكن برغم ذلك حرصت على ان يأتي معنا حتى تكون بداية طفولته بداية اسلامية يقف فيها في بيت الله الحرام ويزرع ذلك في داخله فعندما يبلغ من عمره ما شاء الله اخبره انه كان من الاطفال القلة الذين ادوا مناسك الحج وهم في احضان امهاتهم وسأخبره ماذا حدث وكيف كانت تلك الرحلة الجميلة الى بيت الله الحرام.