مدارس العراق استعادت الحرية والمباني المرممة بعد زوال صدام.. لكن الوضع الأمني يثقل على الطلبة والمعلمين

TT

بدلا من ان تتذمر من الواجبات المدرسية او ان تنصرف الى الضحك مع زميلاتها، فان التلميذة العراقية أسيل حازم، 16 سنة، تشتكي من انتشار العنف والقتل.

وتقول اسيل، الطالبة بالمرحلة الثانوية والتي تضع على رأسها هذه الايام وشاحا اسود حزنا على ابن عم لها قتل في حادث انفجار قنبلة في الشهر الماضي، «اثناء الدرس لا يمكنني التركيز على الاطلاق» وتضيف «في المساء لا يمكنني النوم جيدا بسبب اصوات الانفجارات القريبة. اشعر بالخوف طوال الوقت. وبالرغم من انني محاطة بالناس، فانني اشعر بالوحدة».

وبالنسبة لشباب العراق فان إسقاط الولايات المتحدة لصدام حسين جلب معه ترميم المدارس المهملة وحرية التعبير والتطلع الى مستقبل مشرق. لكن العملية نفسها ادت ايضا الى عنف يومي في الشوارع، ونقص في الطاقة، واكتئاب بسبب البطالة التي يعاني منها الآباء. واصبحت الحياة غير مستقرة وخطيرة لدرجة ان معظم الشباب في المدن يجد حياته محددة بين المدرسة والبيت.

واشار التلاميذ والمدرسون الذين قابلناهم في الاسابيع الاخيرة انهم شعروا بالسعادة عندما تم القبض على صدام في الشهر الماضي. ولكن بالنسبة للكثير من الاولاد والبنات فان الحياة كانت افضل في بعض الجوانب. وتقول سارا عبيد، 14 سنة، وهي زميلة لأسيل في مدرسة فاطمة الزهراء الثانوية للبنات «كنا نذهب في رحلات مدرسية، ونتناول الطعام خارج البيت، ونتجول في الشوارع، والآن لا يمكننا الذهاب الى السينما ولا الى المطاعم، ولا نخرج على الاطلاق، اشعر ان ايامي تذهب سدى».

وتنعكس المعاناة من الحرب، والمرحلة التي اعقبتها، على كل اسرة وكل مدرسة في بغداد. فقد صدمت تلميذات مدرسة فاطمة الزهراء في الشهر الماضي عندما قتل ابن عم أسيل، واسمه حسين فائز، 22 سنة، في انفجار قنبلة من الواضح انها كانت تستهدف قافلة للجيش الاميركي، فيما كان هو ينتظر بسيارته في واحد من طوابير الوقود اليومية في بغداد.

واصيب الحي الذي تقع فيه المدرسة، وهو حي الدورة الذي تقطنه بعض شرائح الطبقة المتوسطة، بالفزع قبل ثلاثة اشهر عندما اختطف المجرمون، الذين ربما ينتمون الى واحدة من العصابات التي ظهرت في مرحلة ما بعد صدام، صبيا من سكان الحي، وهددوا باختطاف اخته ايضا وطالبوا اسرته بفدية 40 الف دولار. ودفعت الاسرة الفدية ومنعت ابنتها من الذهاب للمدرسة.

وفي مدرسة فاطمة الزهراء افزعت تلك الانباء اولياء الامور والمدرسين والتلاميذ. وتم في النهاية الافراج عن الصبي بدون التعرض لأذى. ولكن حارسا يحمل بندقية من طراز كلاشنيكوف اصبح عليه ان يقف على مدخل المدرسة.

ومع تدهور نظام التعليم المدرسي في العراقي، وانتشار الفساد الناجم عن 30 سنة من السيطرة الشمولية لنظام صدام، فان خبراء التعليم يقولون انهم مشغولون بتعديل المناهج وترميم المباني واصلاح الجهاز الاداري وتدريب المدرسين على التركيز على علاج معاناة الاطفال.

وقال نصير كامل الجادرجي، عضو مجلس الحكم العراقي، ان الامراض النفسية ستختفي مع الوقت. واوضح «يمكننا وصف الصبية بأنهم جيل مفقود لأنهم كبروا في بيئة غير متوازنة تعلموا فيها ان كل شيء يتعلق بصدام، والآن يشعرون بالفراغ الداخلي. ويجب ايجاد اشياء جديدة لتعبئة هذا الفراغ، مثل الديمقراطية وحب الوطن والآخرين والسلام».

وبالاضافة الى العنف يواجه التلاميذ البرد. فقد ادت عمليات التخريب التي يقوم بها المهاجمون الموالون لصدام وعمليات التهريب الى خفض امدادت النفط الابيض والزيوت لاشعال المدافئ الصغيرة المستخدمة في البيوت والمدارس خصوصا في الشتاء الذي تنخفض درجة الحرارة فيه من السنة الى الصفر.

وقد وزعت سلطات الاحتلال الاميركي مدافئ كهربائية على العديد من المدارس، ولكن شبكة توليد الكهرباء العراقية التالفة تدهورت اكثر بعد افتتاح المدارس. ومع توفر الطاقة الكهربائية لعدة ساعات يوميا، فان التلاميذ والمدرسين يجلسون في الفصول الدراسية وهم يرتدون المعاطف والقبعات.

وقالت ناظرة مدرسة فاطمة الزهراء، هدى وحيد عبد الكريم العاني، «كل الفتيات يعانين، بل ان بعضهن يصاب بالغثيان».

وقالت الباحثة الاجتماعية في المدرسة، سميرة ماهر، ان نسبة الغياب والتأخير وسوء التركيز زادت بين التلميذات، ولا سيما عندما يكون القصف المدفعي الاميركي ثقيلا. وبسبب القصف فان الطالبات اما لا يحضرن الى المدرسة او يحضرن ويبدأن في الصراخ ويمتنعن عن الذهاب الى الفصول».

وتقول التلميذات ان المدرسة لا تقدم ضمانات كافية ضد تلك المتاعب. وقالت سارة عبد «يواجه المدرسون مشاكل اكبر من مشاكلنا. وكل الاحاديث التي نتبادلها مع زميلاتنا هي الاخبار السيئة من هذه الصديقة او تلك».

وبالنسبة لسارة، كما بالنسبة للاخريات، فان البيوت اصبحت مكانا تعيسا. فقد امرت الولايات المتحدة بحل قوات الجيش والشرطة العراقية، بالاضافة الى طرد اعضاء حزب البعث من الوزارات والمؤسسات، وهو الامر الذي ادى الى معاناة اقتصادية وعاطفية بالنسبة لعشرات الالوف من الاسر.

وفي كل ليلة تتجمع سارة واختاها حول مصباح نفطي للدراسة. وتقول «الضوء خافت للغاية لدرجة انه لا يمكننا القراءة».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» - «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»