بلير يقبل اعتذار الـ«بي. بي. سي» الشامل بعدما أطاح تقرير هاتون بمديرها العام

تحفظات واسعة على نتائج التقرير ـ التحقيق الذي اعتبر «مسرحية» لتبييض صفحة الحكومة

TT

بدت امس بريطانيا «على قلق» بعد يوم من إطلاق القاضي اللورد برايان هاتون تقريره حول ملابسات وفاة خبير الاسلحة الجرثومية ديفيد كيلي. فالحكومة تتمايل متبخترة لأن القاضي المتقاعد برأ ساحتها تماماً من كل التهم الموجهة لها. وقد اعلن أمس عن قبول رئيس الوزراء توني بلير «اعتذار البي بي سي (هيئة الاذاعة البريطانية) الشامل» بعد ساعات معدودات من تشديد الناطق الرسمي باسمه بانه بانتظار «اعتذار» كامل من الهيئة. أما على صعيد الرأي العام الشعبي فتشير الدلائل بوضوح الى ان قلقه عائد الى قلة اقتناعه بنزاهة التحقيق الذي ترأسه هاتون او بتقريره الذي اتهم بانه هدف الى «تبييض صفحة الحكومة» واجحف بحق البي بي سي. التي أدانها اللورد الايرلندي الشمالي المحافظ إدانة تامة، كانت معها تترنح كأنها على وشك السقوط بعد أعلان مديرها العام غريغ دايك عن استقالته. وجاءت الاستقالة بعد تنحي رئيس مجلس إدارتها غافين ديفيز اول من امس اثر اعلان هاتون تقريره، وذلك بعدما أبدى (اي ديفيز) تحفظات قوية على التقرير. ويعتقد ان الاجتماع الطارئ لحكام الهيئة لن ينتهي في وقت لاحق من ظهر امس من دون أن تتدحرج رؤوس كبيرة. ومن جانب آخر أعلن، أمس ايضاً، ان القاضي امر بفتح تحقيق في تسريب البعض اجزاء من تقريره لصحيفة «الصن» الشعبية اليمينية أول من امس، وسط أنباء عن قرب مثوله امام لجنة برلمانية. وفي أول استطلاع للرأي بعد إطلاق التقرير نشرته امس صحيفة «ايفنينغ ستاندارد» اللندنية، قال 49 في المائة من المشاركين إن أحكام اللورد هاتون كانت بمثابة «تبييض لصفحة الحكومة»، بينما رأى 40 في المائة فقط انها كانت أحكاماً عادلة. وقال 33 في المائة من المشاركين إن قضية كيلي جعلتهم اقل استعداداً للتصويت لصالح حزب العمال الحاكم في الانتخابات القادمة، في حين اشار 3 في المائة الى ان القضية شجعتهم على التصويت للعمال. وأوضح 63 في المائة ان القضية لن تؤثر في اتجاه تصويتهم. الى ذلك، جاءت آراء نواب في مجلس العموم، سألتهم أمس «الشرق الأوسط» عن رأيهم بتقرير هاتون، منسجمة في اغلبها مع نتائج الاستطلاع آنف الذكر. فقد كانت عبارة «تبييض الصفحة» على شفاه عدد من النواب العماليين المعارضين للحرب على العراق. ولفت النواب الذين رغبوا باغفال ذكر اسمائهم الى ان التقرير لن يكفي لإقناع أحد بطي صفحة القضية، وذلك بسبب «قسوته البالغة على البي بي سي في الوقت الذي بدا حريصاً على القبض على اي فتات أدلة يصب في طاحونة الحكومة». وانتقد هؤلاء المعارضون اسراع بلير للقول اول من امس ان التقرير يبرئ ساحته من تهمة «الكذب» على مجلس العموم بشأن دوافع الحرب على العراق. وقالوا إن «هاتون أوضح بصراحة انه لم يتعرض لاسباب الحرب وبطلان المعلومات الاستخباراتية التي وصلت الحكومة عن اسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة». واعتبروا ان التساؤلات عن سلامة القرار بالذهاب الى الحرب ستبقى ملحة الى ان «تعتذر الحكومة رسميا» عن تصديقها تقارير غير دقيقة، خصوصاً ان الامل بات مقطوعاً تقريباً بإمكانية العثور على ادلة تدعم التقارير الاستخباراتية التي زعمت أن العراق كان يمتلك اسلحة دمار شامل. أما النواب الذين ايدوا قرار الحرب، فشددوا على نزاهة اللورد هاتون معتبرين ان «من الضروري قراءة التقرير واستيعابه تماماً قبل القفز الى النتائج وتوجيه الاتهامات لرجل قانون بارز بهذا المستوى، كما فعل البعض في صحف اليوم».

وفعلاً غصت امس الصحف البريطانية بالتحفظات الممزوجة بالدهشة على التقرير «لوقوف هاتون بقوة» الى جانب الحكومة و«ضد البي بي سي بوضوح». وكتبت صحيفة «الديلي ميرور» ـ المؤيدة عموماً لحزب العمال ـ في صفحتها الاولى تحت صورة بلير ووزير الدفاع جيف هون ومدير الاتصالات السابق بمكتب رئيس الوزراء آليستر كامبل «لم يعثر بعد على اسلحة الدمار الشامل التي اخذونا بسببها الى الحرب» . وأوضحت إن «رائحة الظلم البشعة تنبعث من نتائج اللورد (هاتون)».

أما صحيفة «الاندبندنت» الوسطية فتركت الشطر الاكبر من صفحتها الاولى فارغاً تحت مانشيت جاء فيه «تبييض صفحة؟». ورأت صحيفة «الديلي اكسبرس» المحافظة ان «خنق القضية ترك الكثير من علامات الاستفهام عالقة من دون اجابات». وبدورها سلطت «الغارديان»، التي تمثل يسار الوسط، الضوء بقوة على التقرير الذي اعتبرته «تبييض صفحة» للحكومة، معتبرة ان الامر كان بمثابة «المسرحية». ولفتت الى ان اللورد هاتون غض الطرف عن كثير من الادلة، مما يجعله «عرضة للاتهام بانتقاء الادلة التي تدعم قضية الحكومة». على صعيد ثان، قبل الاعلان عن قبول بلير اعتذار «البي بي سي»، كان الناطق الرسمي باسمه قد اكد في مؤتمر صحافي عقده بمقر «جمعية الصحافيين الاجانب» في لندن امس، ان الحكومة ما تزال تصر على حصولها على الاعتذار الذي طالبت به «البي بي سي» قبل انفجار الازمة وبدء تحقيق هاتون. واوضح الناطق توم كيلي ـ وهو ايرلندي الاصل لا يمت بصلة للخبير الراحل ـ «ما زلنا نريد الاعتذار لإذاعة مزاعم لا اساس لها (على حد تعبير هاتون)». واضاف ان استقالة ديفيز وحدها لا تكفي، لافتاً الى ان اعتذار دايك أول من امس الذي اكتفى بإبداء اسفه لوقوع أخطاء في التقرير الاذاعي المثير للجدل، «لا يمثل اعتذاراً معتبراً من الحكام». وعلى رغم مطالبته «البي بي سي» بالمزيد، فهو رفض الافصاح عن تفاصيل هذا الطلب، قائلاً «إنني لا أرغب بالظهور بمظهر من يملي على البي بي سي ما ينبغي عليها أن تفعله او تقوله».

في المقابل اقر الناطق بان بلير يرى أن «هناك دروساً ينبغي استخلاصها من القضية، كتلك التي سلط عليها (هاتون) الضوء بالنسبة لوزارة الدفاع التي قال إن لها اسبابها المخففة». وسُئل عن رد فعل الوزراء خلال اجتماع مجلس الوزراء الاسبوعي في وقت سابق من صباح أمس، فقال «لقد هنأوا رئيس الوزراء خصوصاً على الطريقة التي استجاب بها للتقرير (ظهر امس)». ولدى استيضاحه عن موقفه الشخصي من تبرئة اللورد هاتون له، لا سيما انه اثار جدلاً واسعاً عشية بدء هاتون تحقيقه اواخر يوليو ( تموز) الماضي حين اعتبر الدكتور كيلي شخصاً مغروراً يفتقر الى الواقعية. واختتم الناطق كلامه بالقول «انا ممتن لأن اللورد هاتون كان كريماً (معي) ولاحظ أنني اعتذرت غير مرة لعائلة الدكتور كيلي، وانه لم يكن لي دور في استراتيجية خفية للكشف عن اسمه (مصدراً لتقرير إذاعي مثير للجدل) او استراتيجية خفية إساءة له والتقليل من أهميته».