تجربة الفنان منير الحجي «التراث في قالب التجريد وغزارة اللوحات» تثير آراء متناقضة في مركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف

TT

الجرأة في الطرح هي الصفة التي يمكن إطلاقها على معرض الفنان التشكيلي منير الحجي الذي اختار في معرضه الشخصي أسلوباً فنياً جديداً وخطاً تشكيلياً لم يسبق له أن اعتمده في لوحاته.

فمن الكلاسيكية والواقعية التي اعتادها الحجي برز المنحى التجريدي الممزوج بخط الحداثة، وقد جاءت المحاولة لتثير الكثير من النقاش وتدفع على إبداء الآراء النقدية التي وصلت إلى حدّ التناقض، خاصة أن المعرض تميز بغزارة الإنتاج.

وكان محافظ القطيف فهد بن عبد الرحمن السكران قد افتتح معرض «زخارف» التشكيلي الخاص للفنان منير الحجي في صالة نادي الفنون بمركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف، بحضور عدد من مديري الدوائر الحكومية والفنانين التشكيليين وفعاليات المنطقة والنقاد. وقد أبدى معظم الحاضرين إعجابهم بهذه التجربة المتميزة والجديدة في مسيرة الحجي وفي الساحة التشكيلية في المنطقة، وعبّر الكثيرون عن آرائهم وانتقاداتهم.

يلاحظ المتجول في أنحاء معرض الحجي أنه يتنقل بين 124 لوحة، بقيت برغبة من الفنان من دون أسماء، تروي الكثير من الأفكار من موروث الثقافة الشعبية والتراث في إطار تجريدي وقالب من الحداثة. فكأنما العين التي تتنقل بين المساحات اللونية والفراغات والملامس التي تجذب النظر، تجول بين الجدران الأثرية لقلعة القطيف أو نقوش العمارة الشعبية والزخارف الإسلامية، لذا يعتبر الفنان الحجي أن «تسمية المعرض «زخارف» جاءت اسماً على مسمى». وقد زاد من متعة التنقل بين اللوحات ذلك التناسق في توزيعها والتناسق في عرضها ليشكلا عاملاً آخر من عوامل نجاح المعرض.

وعبّر الحجي عن «زخارفه» بنضوج وتجريد لوني عمل عليه بجهد ظاهر، بالإضافة إلى براعته في استخدام الخامات المنوعة ودمجها بالألوان وعمله على توزيع الكتل والفراغات بأسلوب تشكيلي راق. ويأتي المعرض خلاصة تجارب امتدت 3 سنوات، يشرحها الحجي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» فيقول: «عملت على الزخارف بالمعاجين وأحببت أن أظهرها بالملمس، لذلك بدأت تدريجياً بتجربة الخامات، لأن المعجون لا يساعدني على إعطاء الملمس الأكثر عمقاً وبروزاً، فاستخدمت مادة الخشب لكنها كانت تأخذ وقتاً وجهداً، فبحثت عن خامة أخرى واستعملت الفلين لكنه كان ضعيفاً وهشاً، الى أن توصلت الى فكرة تجمع بين الكرتون والفلين والمعاجين. وبعد التجربة وجدت أنه يعطي نتيجة فأنجزت به لوحاتي». لم يقتصر استخدام الحجي على خامات الكرتون والفلين، بل تجد في لوحاته مزيجاً من كل ما تقع عليه العين، بدءاً من الخيش بمستوياته المختلفة، والقماش والليف والخوص مروراً بجذوع النخيل «فالنخيل خامة فيها الكثير من الجمال» يقول الحجي، وصولاً إلى الأخشاب والمعاجين الناعمة والخشنة.

شكل معرض «زخارف» مفاجأة لجمهور المعرض «لقد طرحت التجربة، بعد أن تعود أهل المنطقة على الكلاسيكية والواقعية في أعمالي، على الرغم من أنني في معرضي السابق عرضت القليل من التجريد لكن الناس اعتادوا الأسلوب الواقعي، وهم مقتنعون بذلك» يوضح الحجي. لذا عندما قدم الفنان التشكيلي معرضه الذي يصنف في خانة التجريد والحداثة «كنت متخوفاً من ردود الفعل، لكن كانت النتيجة جيدة ورأيت الناس تعبر عن تقبلها لأعمالي، أمامي على الأقل». ونتيجة التردد الذي عاشه الحجي مع هذه التجربة الجديدة وجد أنه حاز على «الثقة بنفسي لأنني عرضت لوحاتي أمام جمهور بسيط من مختلف الشرائح ويريد رؤية لوحات بسيطة ومع ذلك تقبل هذه التجربة». وعلى الرغم من تاريخه الحافل في الفن التشكيلي يعتبر الحجي نفسه «هاوياً أتنقل بين الأساليب الفنية، وكلما دخلت أسلوباً جديداً أعطيته جزءاً من التجربة، لكن لا يوجد حد فاصل بين التجربتين اللتين خضتهما حتى الآن: الكلاسيكية والتجريدية». لكنه لا ينكر أنه وجد نفسه في الكلاسيكية «بشكل أكبر، مما جعلني في أعمالي التجريدية ألجأ إلى الكلاسيكية، وهذا ما يظهر جلياً في الزخارف مثلاً فهي كوحدة زخرفة يراها المشاهد واقعية كما هي في الطبيعة»، معتبراً أن تقبل الناس للوحاته قد يكون نابعاً من هذه النقطة. ويعتبر منير الحجي أن «التجريد متعة لأن الفنان يلجأ عبره للتفريغ عن شحنات كبيرة كما أنه لا يتقيد باللون، على الرغم من أن مرحلة نضوج اللون تكون متعبة جداً في العمل التجريدي». ويؤكد أن «عملية خلط الألوان تأخذ الكثير من الوقت لكي أعمل على تأسيس اللون الذي سأستخدمه وهذا ما حصل معي». لم يقتصر خوف الحجي على عرض الفكرة للجمهور بل كان متخوفاً أيضاً من الألوان التي قدم بها لوحاته وكانت بمعظمها ترابية وحزينة وفيها الكثير من التعتيم، «لكن التجربة على المساحات اللونية والتجريدية التي خضتها أثبتت لي أن العمل باللون على المسطح يعطي نتائج أقل نجاحاً من العمل على الملامس التي تثري اللوحة واللون وتعطي الثقة». ويؤكد الحجي أن من يرى في معرضه «لوحة واحدة يجب أن ينتبه الى الألوان المتدرجة التي تزخر بها كل لوحة على حدة». وكان بعض النقاد والزوار قد عبروا للحجي عن رؤيتهم الخاصة للمعرض بكونه يعالج موضوعاً واحداً ولكن بعدد كبير من اللوحات، حتى أن النقد وصل بالبعض الى اعتبار اللوحات المعروضة أعمالا متكررة تطرح فكرة واحدة مع ان لكل لوحة ميزة معينة. لذا يميز الحجي بين ثلاث فئات من الزوار والنقاد «فئة تقبلت المعرض وفئة رأت في المعرض لوحة واحدة فمرت مرور الكرام على اللوحات، وفئة قليلة تأتي أكثر من مرة للتمعن باللوحات المعروضة». يستمتع الحجي بأن تكون اللوحة «حلالي، فلا أكون مطالباً بنجاح اللوحة أو فشلها». وهو يصنف هذه المرحلة من حياته الفنية بأنها مرحلة غزيرة وذات مستوى متقدم «لكني أشعر أن المرحلة التي ستلي ستقضي على هذه المرحلة وأعتقد أنني لن أستمر بها، خاصة أنها مرحلة نتاج كبير». ويعتبر الحجي أنه لن يصل إلى نهاية في مسيرته الفنية «عندما أنتج فنياً أكون في طريقي للوصول، وأنا أستمتع بالطريق ولن أصل إلى نهايتها. فكلما رسمت أشعر أن الطريق أطول وهذا ما شعرت به في أول معرض لي». ويرى الفنان التشكيلي علي الصفار في تقديمه لكتيب المعرض أن «الحجي انحدر من عائلة عاشت الأصالة في محيط قلعة القطيف على ضفاف الخليج بين العمارة الشعبية والزخارف الاسلامية وأبواب ونوافذ، جسدها المزخرف القديم على جدران المباني فتشكلت أحاسيس ومشاعر الحجي المولع والعاشق للزخارف. وبعد الدراسة والممارسة الجادتين والخبرة تمكن من توظيف الزخارف والنقوش في صياغة اللوحة الحديثة وأصبحت هذه الصفة تميز أعماله». وأشار الصفار الى ان الحجي «طرح رؤية بصرية واعية ذات أبعاد جمالية في فضاءات الحركة التشكيلية وبتكتيك يتعدى الابعاد المتعارف عليها في اللوحة». من هو منير الحجي؟

يعتبر الفنان منير الحجي أحد أبرز فناني المنطقة الشرقية بالمملكة، وهو من مواليد محافظة القطيف ويعمل مدرساً للتربية الفنية. وقد أقام الحجي العديد من المعارض الشخصية والثنائية في دول عربية وأجنبية، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية. وللفنان الحجي معرض دائم في جامعة فلوريدا الأميركية يضم حوالي أربعين لوحة، وحصل على العديد من الجوائز منها نيله أربع مرات متتالية للجائزة الأولى في جامعة الملك فيصل، كما طبعت لوحاته بأحجام مختلفة ووزعت دولياً.