روبرت جوردان السفير الأميركي السابق لدى السعودية: كانت لدي فكرة خاطئة أن السعوديين غير ودودين واكتشفت العكس بعد عملي في الرياض

سفير واشنطن لـ «الشرق الاوسط» : لم أكن أعتقد أن القضية الفلسطينية تهم السعوديين لهذه الدرجة * العرب لا يرون الأمور إلا من جانب واحد وكأننا لا نتعاون إلا مع إسرائيل * هناك سوء فهم حول دعوتنا للديمقراطية في المنطقة

TT

شارك السفير الاميركي السابق في الرياض روبرت جوردان في مؤتمر «استشراف المستقبل العربي» الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي على مدى ثلاثة ايام في بيروت اخيرا وكان احد المتحدثين في جلسة «مستقبل العلاقات العربية ـ الاميركية» التي عقدت في اليوم الثاني من المؤتمر.

جوردان محام من تكساس ولم يعين سفيرا الا لمرة واحدة وهو اليوم في تكساس يزاول مهنته من جديد.

عن اقامته في الرياض التي امتدت لسنتين، اخبرني في حوار اجرته معه «الشرق الاوسط» على هامش المؤتمر انه يبدي اعجابه بالشعب السعودي ومدى متانة علاقته بالكثيرين من السعوديين. كما انه اصر على ابداء عميق اعجابه بالرئيس الأميركي جورج بوش اذ كثيرا ما كرر «يجدر تقدير الرئيس على ذلك».

* نرى اليوم العديد من الاشكالات مع السفراء الاميركيين في مختلف البلاد العربية من الرياض والقاهرة هل هذا يعني انهم اصبحوا يتدخلون في ما لا يعنيهم ويتجاوزون ادوارهم؟

ـ في رأيي انه من المهم بالنسبة الينا كدبلوماسيين عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد التي نتواجد فيها. في الوقت نفسه يجب ان نتحدث عن الديمقراطية كمبدأ. يجب ان نتكلم عن مبادئنا الديمقراطية كمشاركة المواطنين في الحكم. كدبلوماسيين لا يجب ان ندير الحكم وعلينا احترام مؤسسات الدولة. علينا العمل لتأدية المهمة التي جئنا من اجلها. وعلينا ان نحترم كل شيء حولنا وان لا نحدد علاقة مسؤولي البلاد بشعبهم.

* هل هناك في السنوات الماضية التباس بين السفراء الاميركيين والسعودية، لا سيما ان هناك من طرد.

ـ لم يطرد سوى اثنين على مدار سنوات طويلة. طوال اقامتي كنت مرتاحا جدا وكنت اشارك المسؤولين السعوديين الحديث عن مشاريعهم وخططهم وبالمقابل اطلعهم على اهدافنا. اعتقد انه عندما يتم تجاوز هذا الخط تبدأ المشاكل. عموما ما من مشاكل بيننا وبين المملكة العربية السعودية.

* تقر ان هناك خطوط حمراء؟

ـ نعم. اعتقد بذلك.

* كنت في السعودية خلال حدوث هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 هل شعرت حينها انك شخص غير مرحب به؟

ـ وصلت بعد 11 سبتمبر 2001 بايام قليلة ولم اشعر بتاتا انني شخص غير مرحب به. حتى انني اليوم وبعد ان انهيت مهامي الدبلوماسية كسفير للولايات المتحدة لدى السعودية، اعتزم زيارة المملكة من حين الى اخر نظرا لصداقاتي الكثيرة فيها.

* هل كنت تشعر طوال فترة مهامك كسفير انه عليك بذل الكثير من الجهود لعكس الصورة الصحيحة والاهداف الحقيقية للولايات المتحدة؟

ـ نعم. مفهوم اهدافنا ملتبس لدى كثيرين وقد امضيت الوقت في تصحيحها. هناك سوء فهم للاهداف الاميركية.

ـ يعني برأيك هناك سوء فهم للولايات المتحدة من قبل العالم العربي؟

ـ نعم، كلانا يفهم الاخر خطأ. هناك فجوة عميقة.

* هناك سوء فهم وعدم حوار. هل نستطيع ان نعتبر ان احداث الحادي عشر من سبتمبر فتحت الباب للحوار؟

ـ بعد هذا التاريخ اصبحنا نتحدث مع بعضنا بوضوح ونعرف ماذا يطلب كل منا من الاخر. صحيح انه لطالما جاء الكثير من الطلاب العرب للدراسة في الولايات المتحدة، لكن ـ للاسف ـ العلاقة لم تكن تذهب الى اعمق من ذلك، ولم يكن يختلط كل من الشعبين بالاخر ليتحاورا.

* من المؤكد انك سمعت في الرياض، ان الغضب العربي على اميركا، هو من جراء الدعم اللامحدود والانحياز الاميركي لاسرائيل. ما تعليقك؟

ـ بالدرجة الاولى هناك اسباب تاريخية لمتانة العلاقة ما بين الولايات المتحدة واسرائيل. هناك التباس عربي لفهم علاقتنا باسرائيل يتلخص بان العرب لا يرون الامور الا من جانب واحد وكأننا لا نتعاون الا مع اسرائيل. للحقيقة نحن لسنا دوما الى جانب اسرائيل. ابان ازمة قناة السويس (1956) كنا الى جانب العرب بينما كانت فرنسا متعاونة مع السياسة الاسرائيلية. مؤخرا رفضنا اعطاء قروض للاسرائيليين لبناء المستوطنات والجدار العازل. ومرارا طلبنا من الاسرائيليين الكف عن بناء المستوطنات. العالم لم يفهم بعد ان الولايات المتحد ضد بناء المستوطنات. المسؤولون الفلسطينيون والاسرائيليون لا يعملون بجد للوصول الى السلام. والعالم منزعج من ذلك ومن انهم ليسوا ملتزمين بالسلام. الولايات المتحدة وجدت نفسها في وسط الازمة والعالم ينتظر منها ان تحل المشاكل بين ليلة وضحاها. ارى ان الرئيس الاميركي شجاع لانه يدعم الحل المنادي بقيام دولتين تعيشان جنبا الى جنب وتتمتعان بالاستقرار. وبرأيي ان الرئيس جدير بالتقدير للجهود التي يبذلها في هذا المجال. ما زال لدينا الكثير من الواجبات تجاه هذا العالم.

* استاذ القانون الدستوري في جامعة ييل، جاك بولكين كتب قبيل حرب العراق مقالا في «واشنطن بوست» عنوانه «حرب غير ضرورية.. فرضها رئيس غير منتخب» وقال فيه ان الرئيس بوش استمد شرعيته من هجمات سبتمبر وليس من انتخابات عام 2000»، ما تعليقك؟

والى اي مدى يساهم ذلك في تقليل فرص الولاية الثانية للرئيس بوش.

ـ معظم المحللين والكتاب ينتقدون الطريقة التي انتخب بها جورج بوش ويقولون انه لم يصبح قائدا الا بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، لان شرعيته تضاعفت كما زاد الالتفاف حوله. وهذا ربما صحيح. احترم الشعب ردة فعل الرئيس بوش حيال الهجمات على نيويورك. ما زال من المبكر الحديث عن امكانية اعادة انتخاب بوش مجددا، لكن اعتقد انه اذا كان الوضع الاقتصادي جيدا في الربع الاول من العام الحالي ـ ويبدو انه سيكون هكذا ـ فاذا كان الوضع في العراق افضل، سيلتف الناس حول بوش. اما اذا ساء الوضع الاقتصادي وحدث شيء ما في العراق ولم نتمكن من السيطرة عليه فذلك سيسيء ال بوش. لغاية الان ما من دلالات على ذلك وجميع المؤشرات ايجابية.

* الديمقراطية التي تتطلع الولايات المتحدة الى تطبيقها في العالم العربي ليست مطبقة تماما في اوروبا. فكيف تريدون اذن تطبيقها في العالم العربي؟

ـ هذا سوء فهم اخر. الديمقراطية التي نتطلع اليها تتلخص بمشاركة المواطنين بالحكم كما نطلب ان تتمتع الحكومات العربية بالمصداقية. نحن لا نطالب بتطبيق نفس الديمقراطية السائدة في الولايات المتحدة حان الوقت لأن يقرر العرب مستقبلهم ومصيرهم. وما سمعته خلال هذا المؤتمر ان العرب موافقون على ذلك.

* الولايات المتحدة تريد فرض الديمقراطية لكن الديمقراطية خيار ولا يمكن فرضها؟

ـ لا، نحن لا نسعى الى فرضها، الناس تعتقد ذلك. عملت في الحكومة الاميركية لسنتين ولم يقل مرة اي مسؤول اميركي انه يريد فرض اي شيء على العالم العربي او اية دولة. نريد خلق الظروف التي بظلها ينعم الشعب بالديمقراطية وايجاد الشروط التي تسمح للعرب بالمشاركة في السلطة. لن نفرض يوما الديمقراطية على اي مكان في الارض. لكن العراق استثناء لان وضعه مختلف وكان يهدد اميركا. الاميركيون ارادوا الديمقراطية للشعب العراقي، ولو لم يكن هناك صدام حسين في العراق لما حصل كل ذلك. من الخطأ التعميم اننا نعمل على فرض الديمقراطية. اعود واكرر ان العراق كان يهدد امننا. اليوم نحاول اعطاء فرصة للعراقيين ليختاروا حكومتهم وهذا ما حصل الان.

الاميركيون يحتاجون للوجود في العراق لخلق هذا الجو، نخاف ان تقع حرب اهلية اذا غادرنا. الوجود الاميركي يحقق الاستقرار وحينها يستطيع الشعب اختيار حكومته.

* في حوار الرئيس بوش لجريدة «الشرق الاوسط» قال: «غيرنا خططنا في العراق». هل حصل هذا بعدما واجهوا صعوبات شديدة؟

ـ عند الدخول في هكذا حرب لا تستطيعين توقع كل شيء. كنا نتوقع الكثير من الامور السيئة كتفجير ابار النفط وحروب شوارع منظمة.. كل هذا لم يحصل. لكن من ناحية اخرى هناك اشياء سيئة حدثت كتوقف الخدمات العامة وعدم وجود شرطة تحفظ الامن. وبالتالي ومن جراء ما واجهنا «على الارض» منذ مارس (اذار) لغاية اليوم اجد انه من الذكاء تغيير الخطط لنكون اكثر فعالية. والرئيس بوش جدير بالتقدير على ذلك.

* تعرضت السعودية في الاونة الاخيرة لعمليات ارهابية عديدة كيف ترى جهود السعودية في محاربة الارهاب؟

ـ منذ تفجيرات الثاني عشر من مايو (ايار) الماضي التي طالت ثلاثة مجمعات سكنية اصبحت الحكومة السعودية جادة وعازمة على محاربة الارهاب خصوصا ان من تضرر هم من العرب والمسلمين. كل الذين قضوا في تفجير مجمع «المحيا» هم من العرب. وهذا امر مؤسف حقا. اذكر انني في الثالث عشر من مايو الماضي نزلت الى المجمعات المتضررة ورأيت ما خلفه الارهاب، فأصبت بالهول. الرياض عرفت فورا ان من قام بذلك عناصر من «القاعدة» وليسوا بمجاهدين لانهم قاموا بعمل اجرامي من قتل النساء والاطفال وهذا ما جعل الحكومة تلاحقهم حتى انه تم القاء القبض على العديد منهم.

واللافت ان الجميع ساعد الحكومة للعثور على هذه العناصر لان الناس شعرت بهول ما حدث.

* تحدثنا في المؤتمر عن ان ثقة العرب بالاميركيين ضعفت. ما تعليقك؟

ـ نمط العلاقات بين اي فريقين دائما في صعود وهبوط. من مسؤولياتنا ان نتكلم مع العرب ونشرح لهم اهدافنا وبدورهم عليهم ان يسمعونا وألا يعطوا احكاما مسبقة. صدمني امر ما في المؤتمر وهو ان الاسئلة هي التي سادت ولم تكن هناك اية اقتراحات ايجابية للتغيير نحو الأفضل، كما انه لم يتم طرح حلول، وقد حان الوقت لطرح حلول لتحقيق تقدم. اعتقد انه بامكاننا القيام معا بالعديد من الأمور. السعودية مثال جيد في التعامل مع الحركات المتشددة، لأنها غيرت خططها تجاههم ويجب ان تحتذي الدول العربية الاخرى بما قامت به.

* ألا تعتقد ان الولايات المتحدة بحربها على العراق خلقت لنفسها اعداء جددا؟

ـ على المدى القصير نعم.

* ليس من قبل العالم العربي فقط انما اوروبا ايضا. ما رأيك بموقف فرنسا؟

ـ فرنسا تتطلع الى لعب دور في المنطقة للبروز مجددا. في موقف اوروبا من الحرب هناك اسباب محلية دفعتها لاتخاذ هكذا مواقف.

* وهل تعارض ان يكون لفرنسا دور في العالم؟

ـ لا اجزم انه من الضروري ان تكون الولايات المتحدة القوى العظمى الوحيدة في العالم، وأن تنفرد بلعب دور رئيسي. وضعنا في الحرب كان مختلفا ثم اننا لجأنا الى الأمم المتحدة وحلف الناتو. برأيي ان ما قاله دونالد رامسفيلد هو بمثابة شتيمة. يجب ان نحترم دور كل بلد والاستفادة منهم كحلفاء. نعم لا نتوافق وفرنسا، لكن يجب ان نحترم دورها وموقعها. لا نستطيع الاهتمام بكل الامور ونحن بحاجة للمساعدة.

* في حوار الرئيس بشار الأسد لـ«نيويورك تايمز» قال «اننا بعد الحادي عشر من سبتمبر ساهمنا في انقاذ ارواح الكثير من الاميركيين». يعني انه على الرغم من تعاون سورية مع الولايات المتحدة تم اقرار قانون لمحاسبتها؟

ـ العلاقة يمكن ان تكون افضل. السوريون لا يبذلون جهدا، وعلى سبيل المثال قضية الحدود، ما زال هناك تسلل بين البلدين.

* لكن الرئيس الأسد قال (في حديثه لـ«نيويورك تايمز») ان الحدود طويلة ولا نستطيع السيطرة عليها كليا؟

ـ في السابق الرئيس الأسد انكر ذلك، واليوم يتذرع بطول الحدود. لماذا لا يحصل تسلل من السعودية مع ان الحدود طويلة؟ لا يعني اذا سورية ساعدتنا في امور تخص «القاعدة»، انها تستطيع التغاضي عن الامور الاخرى. هناك اسلحة من ايران لـ«حزب الله» تمر عبر سورية، عندما يقررون ان يتعاونوا في كل الامور ويحترموا كل الدول حينها نقر بتعاونهم الوطيد معنا. اليوم من المبكر الحديث عن هذا الامر.

* تأسيس مؤسسة الفكر العربي، هل تعتقد ان الانسان العربي اصبح عازما على تغيير واقعه؟

ـ التقرير الذي صدر اخيرا عن الأمم المتحدة كتبه شخص عربي، نعم العرب يريدون التغيير ويتطلعون الى سكة للتقدم ويعملون معا على ذلك. يحاولون التعبير عن رأيهم ووضع حجر الأساس للمشاركة العامة في الحكم والمشاركة في القرار. لا اريد تسميتها ديمقراطية لكنها حجر الأساس للديمقراطية. ها هم اليوم من خلال مؤسسة الفكر العربي يعبرون عن آرائهم واقتراحاتهم وهذا امر جيد وصحي، وهذه جهود مجدية تفتح الطريق نحو الديمقراطية.

يجب ان يسمعوا في الولايات المتحدة مقررات هكذا مؤسسات. برأيي انه يجب ان يأتي الاميركيون ويتناقشوا مع العرب ليعرفوا ان كثيرين غاضبون من «اميركا».

* تركزت غالبية جلسات المؤتمر على محادثات بين العرب والعرب، برأيك أليس من الأجدى ان تكون بين العرب والغربيين؟

ـ هناك حاجة للاثنين. صحيح ان المؤتمر للعرب، لكن شارك فيه غربيون من آسيا واوروبا واميركا. اتمنى ان يشارك العرب في مؤتمرات كهذه، وان يشاركوا ايضا في مؤتمرات في الولايات المتحدة ليوصلوا آراءهم للأميركيين.

* قضيت سنتين في الرياض، هل انسجمت وأقمت صداقات؟ وهل كانت لديك فكرة مسبقة عن المجتمع السعودي؟

ـ انسجمت كثيرا وتلقيت معاملة حسنة من الجميع. تربطني صداقة بأفراد ورجال أعمال، اضافة الى افراد من الطبقة الوسطى. وما زلنا نتبادل الرسائل الالكترونية، وقد وعدت ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز بالتردد على السعودية من وقت لآخر، وأنوي زيارة الرياض قريبا لالتقي بأصدقائي. نعم كانت لدي فكرة مسبقة وخاطئة عن السعودية، كنت اعتقد ان السعوديين ليسوا ودودين وأن مجتمعهم منغلق ولن يكون بامكاني التعرف على احد، واكتشفت العكس تماما. تعرفت على الكثيرين وأقمت العديد من الصداقات حتى ان من يعارض الولايات المتحدة وسياستي اصبح على صداقة معي لأن الاعتبارات السياسية لا تتداخل في الصداقة. تفاجأت بالغضب والحقد تجاه اميركا بسبب القضية الفلسطينية، لم اكن اعتقد انها تهمهم الى هذه الدرجة.

*اي بلاد عربية زرت وما البلد الذي احببته الأكثر؟

ـ زرت قطر والبحرين ودبي وأبوظبي والمغرب. وهذه زيارتي الأولى للبنان وقد اعجبتني جدا بيروت، وتمنيت لو اقامتي أطول لأتعرف اليها جيدا. حقا احببت كل البلاد التي زرتها. التناقض السائد في العالم العربي جميل لأنه يشعرنا بأن كل شيء موجود، يعني التناقض جميل ما بين دبي والرياض، دبي مدينة تجارية ذكرتني بشنغهاي وهونغ كونغ والرياض مدينة دينية. سأكتب مذكراتي عن الفترة التي قضيتها في الرياض.