انتحاريا أربيل وجها رسالة مناهضة لاستعادة السيادة والاستقرار في العراق

TT

حينما فجّر انتحاريان نفسيهما داخل مقرين للحزبين الرئيسيين لاكراد العراق اول من امس فان فعلتهما لم تقتصر فقط على قتل عشرات من المدنيين واصابة نحو 200 آخرين بجروح بل ألحقت أيضا ضرراً اضافياً بجهود العراق للتحرك صوب استعادة السيادة والاستقلال.

ومن المرجح أن تحد اعمال العنف كثيرا من الفرص لإجراء انتخابات لاختيار حكومة عراقية قبل انتهاء يونيو (حزيران) المقبل. وكلما تأخرت الانتخابات فترة أطول زادت قدرة المتمردين على خلق وضع غير مستقر في العراق.

وتكتيك المتمردين الأخير هو ضرب أعضاء محتملين في الحكومة العراقية المستقلة، ومن المتوقع أن تلعب الأحزاب الكردية دورا مهما في هذا المجال. ويدير الأكراد الذين ظلوا حلفاء للولايات المتحدة منطقة في شمال العراق اداروها بانفسهم، وبين زعمائهم عدد من الأعضاء الأقوياء في مجلس الحكم الانتقالي، وهم من العناصر الاساسية لمساعي العراق لاستعادة السيادة، إذ بدون تعاون الأكراد فإن البلد على الأرجح سيتفكك. وقال تشارلز هيمان المحلل العسكري الرفيع من مؤسسة «جاين» الاستشارية إن التفجير «يبعث برسالتين، الأولى هي: أننا هنا ونحن خطيرون; والثانية هي: أنكم إذا تعاونتم مع قوات التحالف فستصبحون هدفاً شرعياً وعليكم أن تتحملوا عواقب ذلك».

وقال الخبراء إن التفجيرين سيتردد صداهما في ما وراء المعاقل الجبلية الكردية ليؤثرا على القوى السياسية العراقية التي تدعم قوات التحالف. وفي الوقت الذي لا يعرف أحد من هو المسؤول عن العملية فإن المتهمين لديهم نفس الهدف: إضعاف أولئك الطامحين لقيادة العراق الجديد. وقال توبي دودج الخبير في شؤون العراق في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إن «هذا الهجوم هو سياسي تماماً. إنه ليس عملا عبثيا. إنهم يستهدفون سياسيين بارزين... التمرد يهاجم أناسا سيكونون هم الوارثين للدولة لأنهم من النخبة السياسية الجديدة. والرسالة من الناحية السياسية والأمنية هي لجعل العراق بلدا غير قابل للحكم».

وسيجعل الهجوم الاستقرار عسيرا إن لم يكن مستحيلا لإجراء الانتخابات التي من شأنها التقليل من اهمية التمرد. فحتى الآن كانت الولايات المتحدة قد خططت لإجراء مؤتمرات انتخابية لاختيار أعضاء المجلس التشريعي الجديد، وهذا بدوره سيختار الحكومة الوطنية الانتقالية. لكن هذه الفكرة، واجهت اعتراضا قويا من الزعماء الدينيين الشيعة الذين يريدون انتخابات مباشرة.

وأي حكومة منتخبة حتى لو أنها اختيرت عبر انتخابات غير مثالية ستكون بإمكانها أن تعيِّن سياسيين أكثر مصداقية وتقبلا من سلطة قوات التحالف أو مجلس الحكم الانتقالي المتكون بالدرجة الأساسية من الأكراد ومنفيين سابقين. وقال هيمان إنه «من مصلحة المتمردين أن يسعوا لتأخير الانتخابات المقرر إجراؤها في منتصف السنة المقبلة وهم يقومون بعمل فعال حاليا لتحقيق هذا الهدف». ويبدو أن القنابل قد وقِّتت كي تتزامن مع وصول مسؤولين من الأمم المتحدة سيحاولون تقديم إجابة على أكثر الأسئلة إلحاحا في النقاش الدائر داخل العراق: هل من الممكن إجراء انتخابات قبل انتهاء شهر يونيو المقبل لاختيار مجلس وطني انتقالي؟

وهناك حالة جمود حالية بين القوى الدينية الشيعية في جنوب العراق التي تريد إجراء انتخابات مباشرة لاختيار الحكومة الانتقالية وبين الإدارة المؤقتة لقوات التحالف، إذ ترى الأخيرة مع العرب السنّة والأكراد أن البلاد غير مهيأة لانتخابات مباشرة. وتفضل الولايات المتحدة ومؤيدوها حكومة انتقالية يتم اختيارها عبر مهيأة انتخابية يكون لسلطة قوات التحالف قدر من التأثير عليها.

وكل طرف يدعم الطريقة التي تعطيه أكبر فائدة سياسية، فالزعيم الشيعي آية الله علي السيستاني يدفع بقوة باتجاه الانتخابات لان الشيعة المسلمين يشكلون الأكثرية في العراق، إذ يمثلون ما يقرب من 60% من عدد سكان العراق، وهو يدرك أنهم قادرون على الحصول على أكبر عدد من المقاعد الانتخابية في أي مجلس وطني.

على العكس من ذلك تفضل الأقلية السنية نظاما يعطيهم سيطرة على ما ينتج عن أي انتخابات. فمن خلال نظام المؤتمرات الانتخابية قد يتمكنون على سبيل المثال من فرض تمثيل سني حتى في المناطق التي فيها أغلبية شيعية.

والعامل الحاسم في تقييم الأمم المتحدة عن مدى جاهزية العراق لانتخابات على مستوى كل الوطن هو الوضع الأمني. وإذا كان الناخبون والمرشحون معرضين لاحتمال وقوع اعتداءات ضدهم فان الأمم المتحدة لن تكون قادرة في هذه الحال على الإشراف على الانتخابات. ومع وقوع الهجوم الانتحاري في أربيل التي كانت تعد سابقا مكانا هادئا نسبيا يبدو أنه ليس هناك أي مكان في البلد آمن من وقوع هجمات ضد المدنيين.

وإذا أصبح وضع العراق مزعزعا الى الدرجة التي يصعب فيها إجراء انتخابات فإن ذلك سيغذي روح الغضب في الجنوب. وهذا على الأكثر سيدفع الزعماء الدينيين الشيعة الى تنظيم احتجاجات واسعة مما سيزعزع الوضع الأمني في القسم الأكثر كثافة من حيث السكان في العراق.

يمكن القول إن فريق الأمم المتحدة قلق بخصوص أمنه لأن مقر الأمم المتحدة في بغداد قد تعرض في أغسطس (آب) الماضي إلى تفجير أدى إلى مقتل اكثر من 20 شخصا بينهم ممثل الأمم المتحدة في العراق سيرجيو فييرا دو ميلو. وكان كوفي انان الأمين العام للأمم المتحدة واضحا في الاعلان أنه غير مستعد لتعريض موظفيه إلى الخطر. وبدون حضور قوي للأمم المتحدة سيكون من الصعب تصور العراق قادرا على إجراء انتخابات لأنه لا مجلس الحكم الانتقالي ولا الإدارة المدنية لقوات التحالف يحظيان بثقة العراقيين للقيام بالانتخابات والإشراف عليها.

ويشكل التفجيران الأخيران في المنطقة الكردية تحذيرا من أن أصدقاء الولايات المتحدة معرضون للخطر وأن التحالف مع الأميركيين لا يقدم أي ضمانة لحمايتهم. كذلك فإن هذا التفجير سيؤثر على الحكومتين المحليتين التابعتين للاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، خصوصا أنه كان هناك عدد من المسؤولين المحليين في موقعي الانفجارين احتفالا بمناسبة حلول عيد الأضحى. وهناك احتمال قوي في أن يجعل الحادث الأكراد أكثر تشددا في المطالبة بحكم ذاتي أكبر لمنطقتهم بحيث يكونون قادرين على فرض إجراءات أمنية أكثر تشددا وفرض رقابة على الحدود لمنع تسرب المهاجمين. وهذا الرد سيكون له نتائج جيو ـ سياسية غير قليلة الاهمية، إذ انه قد يدفع إلى تدخل تركيا الحليف الآخر للولايات المتحدة، فتركيا التي يوجد اكراد فيها تظهر الكثير من القلق بسبب الحكم الذاتي الذي يتمتع به أكراد العراق حاليا. وطالما ظلت حكومة غير منتخبة في بغداد فإن المتمردين يستطيعون أن يلعبوا على شكوك العراقيين حول مستقبلهم وعدم حبهم للمحتلين الأميركيين. وقال دودج: «كلما ساءت الأوضاع ازداد الانتقاد الموجَّه للأميركيين ومجلس الحكم الانتقالي. والطريق للخروج من هذه الحلقة المفرغة هو عن طريق إجراء انتخابات لأن الانتخابات ستؤول إلى تحشيد سياسي، والانتخابات ستجبر على تشكل أواصر بين الأطراف والعاصمة بغداد. وهذا الشيء مفقود منذ انتهاء الحرب».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»