مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» : أنان لا يريد أن يكون أداة بيد واشنطن في العراق والإبراهيمي يقاوم بحجة أنه غير خبير كفاية... وباريس لا ترغب في هزيمة أميركية

TT

بعد اسبوع على إعلان كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة من باريس عن إرسال بعثة دولية الى العراق للبحث عن مخارج محتملة لأزمة إجراء الانتخابات التي يشتد الجدل بشأنها، ما زال أنان يتردد في تحديد موعد لتوجه هذه البعثة الى بغداد.

وكشفت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» أن أنان الذي قبل النزول عند طلب واشنطن ومجلس الحكم العراقي للعب دور الوسيط في العراق «يحرص على ألا يكون أداة في يد واشنطن، كما انه يحرص على عدم زج الأمم المتحدة في وضع تبدو فيه على أنها جزء من الاحتلال» الأميركي ـ البريطاني في العراق.

وافادت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن الإدارة الأميركية طلبت من باريس المساهمة في إقناع أنان بقبول أن تلعب الأمم المتحدة دورا في العراق في المرحلة الحالية. وبحسب هذه المصادر فإن الاتصالات التي أجراها مسؤولون فرنسيون في الفترة الأخيرة مع نظرائهم الأميركيين اظهرت أنهم «يفتقرون لأفكار محددة حول كيفية الخروج من مأزق الانتخابات». وأكدت هذه المصادر أن الأميركيين اعترفوا بأنهم «لم يحسبوا كفاية حساب آية الله علي السيستاني» الذي عرقلت معارضته خطة نقل السلطة كما تصورها الأميركيون في اتفاق 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وتؤكد المصادر الفرنسية أن إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش «ما زالت مصرة على تعيين الأخضر الإبراهيمي مبعوثا خاصا لأنان الى العراق لعله يفلح في استنباط فكرة ما تساعد على إخراج الأميركيين من مأزقهم». ويعود الإلحاح الأميركي «لكون الإبراهيمي مسلما مما يجعله أكثر قبولا لدى الحوزة الشيعية في العراق»، وحتى الآن، ما زال الإبراهيمي «يقاوم» وحجته أنه «غير خبير كفاية» ولكنه «يريد تقديم المساعدة». ووفق المصادر الفرنسية فإن الإدارة الأميركية «منقسمة على نفسها» حول مسار سياسة واشنطن في العراق. وقالت «باختصار شديد، ثمة خطان رئيسيان، الأول يقول إنه يجب التخلص من العبء العراقي بأسرع وقت، فيما يؤكد الثاني أن الولايات المتحدة دفعت الكثير واستثمرت الكثير في العراق والخروج منه سيعتبر هزيمة وبالتالي يجب ان تبقى هناك مهما كان الثمن». وتؤكد المصادر الفرنسية أن الرئيس بوش «يراهن على إمكانية توفير مرحلة انتقالية هادئة تستطيع معها واشنطن أن تقدم حصيلة إيجابية لتدخلها في العراق». وتسعى الإدارة الى عملية نقل للسيادة الى العراقيين، بموجب اتفاق 15 نوفمبر الماضي يؤدي الى قيام حكومة «شرعية» تحظى باعتراف دولي وبمباركة الأمم المتحدة ولكن «مع احتفاظ التحالف بالسلطة الحقيقية في العراق».

وبموازاة ذلك، تستطيع واشنطن عندها أن تطلب إرسال قوة متعددة الجنسيات الى العراق أو أن تدعو لحف شمال الأطلسي الى لعب دور رئيسي في هذا البلد، مع إيكال الشؤون الأمنية، أكثر فأكثر الى القوات الأمنية العراقية بحيث تتضاءل الخسائر البشرية الأميركية ميدانيا وتسهل إمكانية سحب جزء غير يسير من القوات الأميركية المرابطة في العراق وتوقيع اتفاقيات أمنية أو دفاعية طويلة المدى مما يوفر لواشنطن حضورا شرعيا في العراق.

وترى المصادر الفرنسية أن بوش الذي يخوض الآن منافسة انتخابية غير مضمونة يمكنه عندها أن يخوض الانتخابات وان يقول إنه تخلص من صدام وأقام حكومة شرعية في العراق وادخل إليه الديمقراطية وجعل منه نموذجا للشرق الأوسط وأعاد الجزء الأكبر من القوات الأميركية الى بلادها فيما الأمم المتحدة والمجموعة الدولية تساهم بقوة في توفير الاستقرار والأمن فيه.

وبموجب هذا السيناريو، فإن العراق لن يكون عبئا على بوش ولن يقضي على أمله بالبقاء في البيت الأبيض.

ولكن هل سيتحقق هذا السيناريو؟ المصادر الفرنسية لا تبدو كثيرة التفاؤل إزاء ذلك. لكن باريس، كما تقول هذه المصادر «لا تريد طعن واشنطن في الظهر كما لا تريد سكب الزيت على النار». وتؤكد هذه المصادر أن فرنسا رغم معارضتها الشديدة للحرب ولتجاوز دور الأمم المتحدة، لا تتمنى هزيمة واشنطن لأن ذلك سيفسر على أنه هزيمة للغرب أمام «الإسلام الراديكالي» مما سيكون بمثابة كارثة عليه وعلى الجميع. ولهذه الأسباب، فإن باريس ما زالت ملتزمة موقفا «حذرا».

وتربط فرنسا مساهمتها المستقبلية في العراق بعاملين رئيسيين; الأول هو الوضع الميداني والثاني يتناول كيفية إدارة المرحلة الانتقالية ونوعية الحكومة التي سوف تنبثق من العملية الانتخابية أو أية وسيلة سوف تعتمد لظهور جمعية وطنية مرحلية وحكومة مؤقتة.

وحتى الآن، علقت باريس مساهمتها بما سوف تطلبه الحكومة الشرعية المستقبلية من مساعدة في إطار الأمم المتحدة. وجل ما التزمت به باريس هو المساهمة مع الألمان واليابانيين في تأهيل القوات المسلحة العراقية والشرطة والدرك وهو ما يمكن تسميته مساهمة «الحد الأدنى». وترفض المصادر الفرنسية الخوض في إمكانية إرسال قوات الى العراق باعتباره «أمرا غير مطروح في الوقت الحاضر». لكن المصادر الفرنسية ابلغت «الشرق الأوسط» أن باريس «لن ترسل إطلاقا قوات الى العراق من أجل أن تقتل» مما يعني أن إرسال هذه القوات مرهون بتطور الوضع الميداني وباعتبارها قوات حفظ سلام وليس قوات قتالية. يبقى أن هناك عاملا ليس اقل أهمية ولكن السلطات الفرنسية ترفض بطبيعة الحال الخوض فيه ويتناول وضع الرئيس بوش في السباق الانتخابي. وفي هذا الإطار تقول مصادر فرنسية سياسية غير رسمية إن الرئيس شيراك «لن يهب الى نجدة بوش إذا كانت حظوظه الانتخابية ضعيفة». أما إذا تبين في شهر يوليو (تموز) مثلا، أن بوش يمكن أن يربح السباق الانتخابي والبقاء في البيت الأبيض، فإن «الواقعية السياسية ستحفز شيراك الى اعتماد سياسة أقل ابتعادا عن واشنطن» لأنه سيكون عليه التعايش مع رئيس أميركي أكثر قوة بفضل الشرعية الجديدة التي قد يكون حازها عبر صناديق الانتخاب وبالتالي لن يكون من مصلحة فرنسا السياسية والاقتصادية الانقطاع عن واشنطن.