عبد ربه لـ«الشرق الاوسط» : خريطة الطريق تطير بجناح واحد ووثيقة جنيف جناحها الثاني

TT

أكد ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومهندس وثيقة جنيف أن خطة «خريطة الطريق» لا تقدم حلا نهائيا للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وانها تطير بجناح واحد وأن جناحها الثاني هو وثيقة جنيف التي لم تسقط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، على حد قوله.

وقال عبد ربه الذي قاد مع وزير القضاء الاسرائيلي الأسبق يوسي بلين عملية اعداد الوثيقة في حديث لـ«الشرق الأوسط»: ان هذه الوثيقة قابلة للحياة وهي تعد المشروع الوحيد الذي يمكن أن يحقق تسوية عادلة ومتوازنة للقضية الفلسطينية، وان العقبة الرئيسية التي تواجهها هي سياسة رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون التي تشكل خطراً على مستقبل الشعبين. وأوضح عبد ربه أن وثيقة جنيف تعرضت الى عملية تشويه من اليمين الاسرائيلي المتطرف ومن قوى فلسطينية ترتدي عباءة الرفض حفاظا على مصالحها.

وانتقد عبد ربه اصحاب مقولة المحافظة على الوضع الحالي كما هو وترك القضية للأجيال المقبلة وقال انه كان يستطيع ان يستمر «في مضغ وترديد الشعارات الرفضوية السابقة» التي لا تؤدي الى حل للصراع.

وفيما يلي نص الحديث:

* هل هناك الآن توجه لإيجاد آلية تنفيذ لوثيقة جنيف؟

ـ وثيقة جنيف قابلة للحياة لأنها تشكل المشروع الوحيد الذي يمكن أن يحقق تسوية فلسطينية ـ اسرائيلية تضمن الحقوق الوطنية الفلسطينية خاصة إقامة الدولة المستقلة في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كما تضمن حلاً عادلاً ومتفقاً عليه لقضية اللاجئين استناداً الى مبادرة السلام العربية ومشروع الرئيس كلينتون الذي وافقت عليه السلطة الفلسطينية وحكومة اسرائيل في وقتها.

لكن العقبة الرئيسية أمام أي تقدم نحو بدء المفاوضات الآن بين الطرفين هي سياسة حكومة شارون خاصة مخطط جدار الفصل العنصري.

نحن نرى أن القضية الجوهرية التي نلتقي عليها مع قوى السلام داخل إسرائيل هي قضية مواجهة ما يسمى بمشروع الفصل الأحادي الجانب وهو مشروع تأسيس لنظام الأبارتيد العنصري في نطاق نصف أراضي الضفة الغربية بما يمنع تحقيق قيام دولة فلسطينية مستقلة. وهذا ليس خطرا على الشعب الفلسطيني ومستقبله بل هو أيضا خطر على الاسرائيليين الذين لا يريدون أن تتحول اسرائيل رسميا الى نظام عنصري تقوم فيه أقلية بالسيطرة على أغلبية وبسجنها في اطار اقفاص ومعازل.

وعندما يتم كسر هذه السياسة العنصرية الاسرائيلية، وهذا هو الجهد التي نبذله الآن، سوف يفتح الباب بطبيعة الحال أمام المفاوضات والحلول الايجابية. لكن المهم في هذه اللحظة أننا لا نستطيع ان نوحد قوى السلام في اسرائيل معنا وحتى قوى واسعة على نطاق العالم من الذين يرغبون في رؤية سلام عادل إلا من خلال طرح البديل عن مشروع الفصل الأحادي الجانب وجدار الفصل العنصري وهذا البديل هو الخطة الإيجابية التي تقدمنا بها.

نحن من خلال وثيقة جنيف أعدنا القضية الى جوهرها الحقيقي وهو أن الموضوع هو انهاء الاحتلال، وذلك قضية صراع بين جيشين متكافئين أو صراع بين إسرائيل الضحية وبين قوى الإرهاب الفلسطيني ولكن الصراع بين الشعب الفلسطيني الذي يريد حلاً سلمياً يضمن له الحرية والاستقلال وبين الاحتلال الاسرائيلي الذي يريد ان يطور وسائله من احتلال عسكري واستيطاني الى نظام فصل عنصري ثابت ودائم على الأرض الفلسطينية.

* لكن ألا تفي «خريطة الطريق» بالحاجة؟

ـ خريطة الطريق لا تقدم حلاً نهائياً، ومشكلتها أنها تريد أن تطير بجناح واحد. تطرح حلولا أمنية تفصيلية وحلولا انتقالية في المرحلة الثانية ولكنها لا تطرح حلا واضحا ومفصلا للوضع النهائي، أي انها تبدو وكأن هدفها هو فقط احتواء الوضع الحالي وتخفيف التوتر، وليس انهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه رغم أن هذه الخريطة تتضمن رؤية الرئيس الأميركي جورج بوش، لاقامة الدولة الفلسطينية في عام 2005. لذا نحن قلنا اذا أرادت خريطة الطريق ان تطير فيجب ان يكون جناحها الآخر هو وثيقة جنيف التي تحتوي على حل مفصّل ومتوازن.

* كيف تفسر ردة الفعل الغاضبة للشارع الفلسطيني على الوثيقة؟

ـ أنا لا أعتقد انها كانت ردة فعل غاضبة. هناك بعض القوى السياسية التي وقفت دائماً ضد أي حل سياسي، وكان هذا موقفا تقليديا لها.

وللمفارقة فإن هذه القوى الآن لا تشدد على خطر جدار الفصل العنصري لأنها تعتقد أن هذا الجدار سيؤدي الى تعقيد التسوية وهذا بالنسبة لها أمر غير ضار، بينما تحارب وثيقة جنيف لأنها تعتقد بأنها ربما تحمل بوادر في المستقبل للبدء بمفاوضات وتسوية فعلية.

هناك قوى أخرى من الذين لا يريدون معالجة الأمور بنظرة واقعية، آخذين في الاعتبار كل ما حدث من تطورات على المستويين الديمغرافي والسياسي، وهم لا يريدون ان يواجهوا الحقيقة في أننا عندما طرحنا شعار دولتين كحل لم نكن نقصد بذلك دولتين فلسطينيتين وانما دولة فلسطينية واخرى اسرائيلية.

من الغرائب التي نشهدها أن بعض المؤسسات والفعاليات الفلسطينية التي تشكلت على مدى عقود من السنين أتمت خلالها مصالحها بشكل اصبحت فيه مرتبطة باستمرار هذا الصراع وصارت تتخوف من أن حل هذا الصراع يمكن أن يمس مصالحها.

* هذا كلام خطير؟

ـ أنا أعتقد أن بعض مؤسسات البحث والدراسات وكذلك التي تختص بمجال الدفاع عن الحقوق لها دور وهمي تماماً وشكلي، وهي غير موجودة على أرض الواقع، ولكنها برزت في هذا الظرف لتدافع ليس فقط عن الحقوق بقدر ما هي تدافع عن وجودها الذي لا يبرره سوى استمرار هذه الحقوق معلقة بدون حل.

طبعا لا أعني هنا من يعارض وثيقة جنيف انطلاقا من نهجه واسلوبه الخاص في النظر الى الحقوق الفلسطينية من منظار واحد وهو منظار القرارات الدولية، وهذه القرارات هي بطبيعة الحال تشكل سلاحا بيدنا ويجب ان نظل نستخدمها وندافع عنها الى أقصى حد، وفي نفس الوقت هذه القرارات هي سلاح لنا وليس علينا.

* هناك من يعيب على وثيقة جنيف بأنها أسقطت حق العودة؟

ـ لا يوجد اي ذكر لهذا الموضوع اطلاقا في وثيقة جنيف. هناك حملة من اليمين الاسرائيلي على وثيقة جنيف بسبب المعالجة التي تحتويها هذه الوثيقة لقضية اللاجئين وبسبب احتوائها على قرار 194 كمبدأ وكقاعدة للحل، لأن القرار 194 يقر بأن اللاجئين قد طردوا من وطنهم وأن لديهم حق الاختيار.

* هل جاء مشروع ايهود أولمرت ليسحب البساط من تحت وثيقة جنيف؟

ـ أولمرت قال بكل صراحة: لا يوجد خيار أمام الاسرائيليين سوى مشروعه أو وثيقة جنيف.. هو قال ذلك بعبارات واضحة، أي أنه أراد ان يعطل مفعول وثيقة جنيف لدى الرأي العام الاسرائيلي.

هذا المشروع وغيره يحاول ان يتحايل على الواقع وأن يلتف على وثيقة جنيف ولا يريد أن يعترف بأن انهاء الصراع لا يكون من خلال حلول جزئية أو انتقالية على غرار أوسلو غير القابلة للتكرار، ولها حلول عنصرية تثبت الاحتلال.

ان انهاء هذا الصراع يجب ان يكون من خلال حل واقعي ينسجم مع الشرعية الدولية ويتمثل في اقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود عام 1967.

* وثيقة جنيف لا يمكن ان تنجح إلا بوجود دعم اميركي رسمي كامل لها. هل حصلتم على هذا الدعم خلال لقائكم كولن باول وزير الخارجية الأميركي؟

ـ الدعم الأميركي الرسمي الكامل هو لخطة شارون ولسياسة حكومته.

يجب ان نواجه هذه الحقيقة، وهناك قوى متطرفة داخل الولايات المتحدة تجد أن حليفها الرسمي والحقيقي هو التطرف الاسرائيلي، وهذه القوى تعطي لتحالفها ليس فقط بعدا استراتيجيا ويتعلق بالمصالح الأميركية وانما أيضا بعدا آيديولوجيا ذا أبعاد خطرة لأنها في هذه الحالة تدفع الوضع نحو صراع الأديان والحضارات أكثر فأكثر.

نحن في المقابل تلقينا دعما جديا وايجابيا من أوساط مهمة في داخل الادارة تعارض النهج المتطرف الذي يسود، كما اننا تلقينا دعماً من أوساط واسعة في المجتمع الاميركي بما فيه التجمع اليهودي. فكل القوى والمؤسسات اليهودية التي تمثل الوسط والتيار الليبرالي من دون استثناء عبرت عن تأييدها لوثيقة جنيف.

كان لابد من طرح وثيقة جنيف لأنها تقود إلى فرز على مستوى الرأي العام في اسرائيل وكذلك على مستوى الجاليات اليهودية في العالم بين من يريد السلام ولم يكن يجد مشروعا للسلام الجدي وبين من يريد الحل الاحتلالي الذي يتطور الآن نحو مشروع حل عنصري. هذا الفرز هو الذي يتشكل الآن، وأحد العناصر المهمة ولا أقول العنصر الوحيد الذي يساعد على تحقيق هذا الفرز هو وثيقة جنيف.

* كيف تقيم الموقف الأوروبي؟

ـ الموقف الأوروبي هو بالاجماع يؤيد وثيقة جنيف.

نحن كنا في ألمانيا والتقينا المستشار غيرهارد شرودر ووزير خارجيته يوشكا فيشر والأحزاب الأخرى والبرلمان الذي سيصدر قرارا يؤيد الوثيقة ويدعو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى تبنيها رسميا. هذا الموقف أيضا لمسناه في فرنسا وستكون لنا لقاءات مهمة في بريطانيا خلال الاسبوعين المقبلين ومع رئاسة الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية. وسنواصل اللقاءات داخل اميركا وهدفنا في ذلك أن يكون هناك تيار عالمي يضم تجمعات من الجاليات اليهودية والعربية وكل الفئات التي تريد حلا عادلا ومتوازنا.

نحن نقدم لها الآن هذه الوثيقة كخشبة خلاص وكإطار لتحقيق مثل هذا الحل.

وأنا أقدر موقف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والقيادة الفلسطينية التي دعمت جهودنا ولا تزال تدعمها بكل طاقتها خصوصا أن وثيقة جنيف تشكل في اللحظة الراهنة كما قال فيشر بارقة الأمل الوحيدة في ظل الظلام الذي يسود نتيجة للسياسات الاحتلالية والعنصرية.

* بعد التوقيع على اتفاقية جنيف، كيف يشعر الآن عبد ربه.. هل يشعر براحة نفسية؟ هل ينتابه احساس بالذنب؟ هل تلقيتم تهديدات بالقتل؟

ـ كان من السهل بالنسبة لي أن أجلس وأواصل مضغ الشعارات وأن أظهر على الفضائيات بين حين وآخر لأكرر ذات الشعارات السابقة.

بالنسبة لي هذا جزء من المسؤولية الوطنية. أنا واحد من الذين قدموا معظم سنوات عمرهم في سبيل حلم الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني، وقررت ألا أضيع أي فرصة أو أي امكانية تجعلني أساهم ولو بشكل محدود وجزئي في تقريب يوم الحرية والاستقلال لشعبي.

هذا هو الهدف الذي انطلقنا من أجله، وهذا هو الهدف الذي نريد الوصول اليه وأقول بدون أي حرج على الاطلاق لا تهمنا كل الحملات ذات الطابع الشخصي ولا كل ألوان الابتزاز السياسي أو الشخصي ولا أعيرها أية قيمة وهي تعطينا دائماً قوة دفع اضافية.. فأنا أنتمي الى سلالة عنيدة الرأس، فأصولي خليلية ومن المشهور عن الخلايلة كما يسمون، العناد الى حد ركوب الرأس كما يقال، وأنا فخور بأن هذا الدم موجود في عروقي ويدفعني لمزيد من التحدي لكل الصعوبات التي أواجهها.

* بوثيقة جنيف هل احرجت ياسر عرفات أم دعمته؟

ـ الذي يفهم أصول السياسة أو أولوياتها يستطيع أن يتوصل الى جواب لهذا السؤال الخبيث ببساطة شديدة.