باكستان لم تقرر بعد محاكمة خان بعد اعترافه ببيع أسرار نووية إلى إيران وليبيا

العالم النووي كشف أنه استعان بوسطاء من ألمانيا وهولندا والإمارات وأعطى علماء إيرانيين وليبيين محاضرات خاصة في المغرب وتركيا

TT

اعلن مسؤولون باكستانيون امس ان السلطات لم تقرر بعد ما اذا كان العالم النووي الباكستاني البارز عبد القدير خان الذي اعترف ببيع اسرار نووية لايران وليبيا وكوريا الشمالية سيخضع للمحاكمة، مشيرين الى ان الرئيس الباكستاني برويز مشرف سيلقي كلمة على الباكستانيين بعد غد يوضح فيها تفاصيل اعترافات خان ومسار التحقيقات وقراره حول محاكمة «ابو القنبلة النووية الباكستانية».

وكشف مسؤولون باكستانيون امس مزيدا من تفاصيل اعترافات خان ببيع أسرار نووية لايران وليبيا وكوريا الشمالية في الفترة من 1989 الى 1999. وذكر المسؤولون ان خان قال في اعترافاته المكتوبة في نحو 12 صفحة انه سرب وباع معدات ومواد وتصميمات نووية لايران وليبيا بسبب رغبته في امتلاك عدد اكبر من الدول الاسلامية للتكنولوجيا النووية. كما كشف انه اعتمد على شبكة من الوسطاء الدوليين من المانيا وماليزيا وهولندا والامارات العربية المتحدة لبيع وتسريب التكنولوجيا النووية، واستخدم طائرات شارتر مصممة بشكل خاص لنقل هذه المواد والمعدات. وبينما اكد المسؤولون ان الادلة كافية لتوجيه اتهامات رسمية الى خان وادانته، شككوا في ان السلطات الباكستانية قد تلجأ لهذا الخيار بسبب تهديدات الاحزاب الاسلامية المؤيدة لخان بتنظيم تظاهرات ضخمة في الشوارع بعد غد، وترددت انباء عن ان ابنة خان هربت للخارج وثائق سرية تثبت تورط الجيش في مخالفات متعلقة بالتسريبات النووية.

واوضح مسؤول بارز وثلاثة صحافيين حضروا مؤتمرا صحافيا عقد بعد اجتماع عالي المستوى للحكومة والجيش اول من امس، ان خان اعترف بتسريبه تكنولوجيا نووية. واشاروا الى ان المؤتمر الصحافي الذي استمر ساعتين ونصف الساعة خصص لكشف تفاصيل اعترافات خان.

واوضحوا انه طبقا لما جاء في المؤتمر الصحافي، فان خان اكد في اعتراف مكتوب بعث به الى الحكومة منذ عدة ايام انه سرب تكنولوجيا نووية الى البلدان الثلاثة المعنية. واضافوا ان «ابو القنبلة النووية الباكستانية» قال انه باع معدات وتصميمات تستخدم في تصنيع الوقود النووي.

كما قال انه سرب التكنولوجيا النووية الى ايران وليبيا ليس اساسا للدوافع المادية، بل بسبب رغبته في «مساعدة» الدول الاسلامية في امتلاك قدرات نووية، وان بيعه مواد نووية الى طرابلس توقف فقط خلال الاشهر الاربعة الاخيرة. اما تزويده كوريا الشمالية بمعدات وتكنولوجيا نووية فكان سببه رغبته في تحويل انتباه المجتمع الدولي عن البرنامج النووي الباكستاني.

كما ذكر خان في اعترافه انه سعى لنقل معدات نووية من باكستان الى ايران برا بالاستعانة برجل اعمال من كراتشي، كما التقى علماء من البرنامج النووي الايراني في مدينة كراتشي بجنوب باكستان، غير انه لم ترد تفاصيل عن متى التقوا ولا الموضوعات المحددة التي تم بحثها. وقال خان ايضا انه اعطى محاضرات لعلماء نوويين من ايران وليبيا وكوريا الشمالية حول مسائل تتعلق بتخصيب اليورانيوم في اماكن عديدة من العالم، من بينها الدار البيضاء واسطنبول وماليزيا. وكشف ان من بين الوسطاء الذين عملوا معه شخصا من ماليزيا يدعى طاهر اعتقلته السلطات في جاكرتا مؤخرا على خلفية قضية المواد النووية التي تم اكتشافها في طريقها الى ليبيا على متن سفينة ايطالية. وثلاثة المان ذكر فقط اسماءهم الاولى وهم برومير وهاينز وليخ. وشخصا من هولندا يدعى هانكس. ويشتبه في ان هؤلاء الاشخاص عملوا من قبل مع خان عندما كان يقوم بشراء او سرقة تكنولوجيا نووية من اوروبا خلال السبعينات لبناء البرنامج النووي الباكستاني. واضاف خان في اعترافاته انه كان يقوم بتهريب المعدات والمواد والتصميمات النووية على متن طائرات شارتر مصممة بشكل خاص يمكنها حمل معدات تنقية اليورانيوم الضرورية من اجل تصنيع قنبلة نووية. ويدل تسريب السلطات لمحتوى اعتراف خان في هذا الوقت بالذات على رغبة الحكومة في استباق ردود الفعل الغاضبة على قرارها قبل ايام اقالته من منصبه كمستشار للرئيس الباكستاني للشؤون العلمية. واوضح مسؤول باكستاني ان التحقيقات التي تجريها السلطات منذ نحو شهرين في موضوع التسريبات النووية قد انتهت تقريبا ونتائجها اصبحت معروفة، غير انه شدد على ان الخطوات التي تلي التحقيق ومن بينها توجيه اتهامات رسمية الى خان وستة اخرين من العلماء الباكستانيين مرهونة بقرار الرئاسة الباكستانية.

وقالت مصادر من الاستخبارات الباكستانية ان الادلة التي تدين خان قوية بما يكفي لتوجيه اتهام رسمي له من بينها اعتراف وسيط رئيسي في دبي بالامارات العربية المتحدة ساهم في نقل التكنولوجيا النووية من باكستان الى ايران وليبيا. غير ان هذه الخطوة يمكن ان تتأثر بالانباء التي وردت حول اشتباه مسؤولي الاستخبارات ان ابنة خان ربما تكون قد سافرت الى الخارج حاملة مواد من شأنها توريط الجيش. ويقيم خان الان في منزله باسلام اباد وسط حراسة امنية مشددة وليس من المسموح له مغادرة العاصمة او السفر للخارج لحين انتهاء التحقيقات. وكشف مسؤول حكومي ان مسؤولين كبيرين بالجيش سيتم استجوابهما حول الاعترافات التي ادلى بها خان والعلماء الستة الاخرون المشتبه فيهم في القضية، واضاف ان المسؤولين وهما الجنرال ميرزا اسلام بيج والجنرال جيهانجير كرمات، وكلاهما شغل سابقا منصب قائد الجيش الباكستاني سيتم استجوابهما «للتحقق من اعترفات» خان وغيره من العلماء النوويين. غير ان مصادر مسؤولة اكدت ان الجنرالين ليسا موضع اشتباه، وانهما نفيا ان يكونا قد سمحا بتسريب تكنولوجيا نووية للخارج. وفي تحد للحكومة اعلنت احزاب المعارضة الباكستانية دعمها الكامل لخان وباقي العلماء، واكد ائتلاف الاحزاب الاسلامية المتشدد انه سوف ينظم مظاهرة كبيرة بعد غد احتجاجا على اقالة خان وتشويه سمعته.

وفي واشنطن التي لم تعلق رسميا على تطورات التحقيق في باكستان، اعرب مسؤول اميركي رفيع عن ترحيب بلاده بالاختراق الذي حدث في التحقيقات، وقال ان هذا التطور يساعد واشنطن كثيرا على الحد من التسريبات النووية وانتشار اسلحة الدمار الشامل. غير ان المسؤول اعرب عن دهشته لعدم ذكر التحقيقات اي شيء حول الجيش او الاستخبارات الباكستانية، واضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته ان المعلومات الاميركية تشير الى ان المعدات النووية التي سربت الى كوريا الشمالية مثلا تم تهريبها على متن طائرات شحن تابعة للحكومة، وهو الامر الذي لا يمكن ان يتم من دون علم وتواطئ الجيش او الحكومة او الاستخبارات. وتلقي قضية التسريبات النووية بمجملها بظلال من الشكوك حول اجراءات الامن في المعامل النووية الباكستانية والحدود والموانئ او المطارات التي استخدمت في تهريب هذه المعدات والمواد والوثائق الحساسة. الا ان تحقيقات لم تفتح لمعرفة الجهات المتورطة في هذه المخالفات.

ويقول المحللون ان الكثير من الاسئلة تبقى بلا اجابات ومن بينها كيف للعلماء الباكستانيين التورط في تهريب مثل هذه المعدات والوثائق الحساسة الى الخارج من دون علم كبار جنرالات الجيش الذين يشرفون على البرنامج النووي الباكستاني، ومن غير المتصور ان تحدث عمليات تسريب بهذه الضخامة من دون معرفة الجنرالات. وعزل خان من منصب مستشار رئيس الوزراء يوم السبت الماضي ويعد المشتبه فيه الاول في قضية التسريبات، غير ان محاكمته أمر حساس للغاية في باكستان اذ يحظى باحترام كبير باعتباره بطلا قوميا و«ابو القنبلة الذرية» ليس فقط في باكستان بل في العالم الاسلامي.