فضيحة جوبيه.. شيراك يقف وراء رئيس وزرائه السابق

TT

انضم الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمس الى طابور المشيدين بـ«رجل الدولة» آلان جوبيه الذي حكم عليه يوم الجمعة الماضي بالسجن 18 شهرا مع وقف التنفيذ وحرمانه لمدة عشر سنوات من حقه في ان ينتخب لأي منصب محلي نيابي أو رئاسي.

وخلال وجوده في مدينة مرسيليا المتوسطية، كال شيراك المديح لرئيس وزرائه السابق جوبيه، واصفا إياه بأنه «رجل سياسي من نوعية استثنائية لجهة كفاءته وانسانيته ونزاهته». وأضاف أن فرنسا «بحاجة الى أمثاله».

وإذا كان رئيس الجمهورية الذي كان جوبيه مساعده الأقرب في بلدية باريس أثناء ترؤس شيراك لها لم يعلق على الحكم الصادر عن محكمة نانتير بحق جوبيه باعتباره حامي القضاء والمؤسسات، فإن بعض المقربين منه لم يترددوا في التنديد بحكم «له طابع سياسي وغير عادل ويتصف بالصرامة الشديدة». ومنذ صدور الحكم بحقه، التزم جوبيه الصمت المطبق بانتظار أن يكشف اليوم الثلاثاء، في لقاء يعقد في مقر حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الذي يرأسه عن خططه للمستقبل علما أنه اكد، أواسط الشهر الماضي، أنه في حال صدور حكم بشأنه يحرمه من أن ينتخب فسيهجر السياسة وسيهتم بأمور أخرى. وهذا بالذات ما يخيف اليمين الداعم للرئيس والحكومة. كما يفسر إسراع اليمين الى دعوته لـ«الصمود والبقاء في حلبة التنافس السياسي لأن الوطن بحاجة إليه». الى ما هنالك من المعزوفة المعروفة.

وجاءت اقوال رئيسة المحكمة كاترين بيرس، التي كشفت فيها انه ومساعديها قد تعرضوا لحملة تخويف وتهديدات كما انهم وضعوا تحت الرقابة وتم التنصت على هواتفهم الشخصية والمهنية و«زيارة» اجهزة الكومبيوتر التي كانوا يستخدمونها في محكمة نانتير ومحاولة اقتحام مكاتبهم، لتضفي على القضية بعدا جديدا لم يتردد وزير سابق من اليسار هو روجيه جيرار شوارتزبيرغ في مقارنته بفضيحة ووتر غيت التي أطاحت الرئيس الجمهوري الأميركي ريتشارد نيكسون في الثمانينات وفتحت الباب أما جيمي كارتر الديمقراطي للوصول الى البيت الأبيض.

ولأن تحييد جوبيه وإخراجه من الساحة السياسية، وهو الذي يحتل موقعا بارزا على الخريطة السياسية الفرنسية باعتباره رئيس حزب الأكثرية والرجل الأقرب من الرئيس شيراك ومرشحه المفضل لخلافته في قصر الإليزيه، يحدث خللا وفراغا وينسف السيناريو الذي نسجه شيراك، فإن هذا الأخير لا يمكن ان يبقى، رغم موقعه الرئاسي، ساكنا من غير حركة فالرئيس الحالي يتحكم فيه هاجس رئيسي هو منع وزير الداخلية الراهن نيكولا سركوزي، أكثر الوزراء شعبية وطموحا من الوصول الى رئاسة الجمهورية. وكان يراهن على جوبيه لهذا الغرض. ومن هنا، يمكن ان يفهم طلب رئيس الجمهورية من رئيس الوزراء جان بيار رافاران تشكيل لجنة تحقيق إدارية مستقلة وعالية المستوى للنظر في حقيقة الضغوط والتهديدات التي تزعم رئيسة محكمة نانتير أنها كانت ضحيتها، أول رد فعل من الإليزيه. وحتى تاريخه، لم يعرف أي شيء عن مصدر التهديدات التي إذا ثبتت صحتها، فستفضي الى فضيحة اكبر من الحكم على جوبيه نفسه.

وترى أوساط قضائية في باريس أن الغرض المقصود من طلب تشكيل هذه اللجنة هو السعي الى رمي الشكوك حول مصداقية القضاة الذين أصدروا الحكم على جوبيه والآخرين، ومنهم أمناء سابقون للمال في الحزب الديغولي والمدير السابق لمكتب جوبيه باتريك ستيفانيني الذي طالب بتطبيق المادة السادسة من الوثيقة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي المادة التي تنص على «حق كل فرد في محاكمة عادلة»، مما يعني ان محاكمة جوبيه ورفاقه لم تكن منصفة او عادلة. وبموازاة طلب شيراك، اقترح رئيس الجمعية الوطنية جان لوي دوبريه تشكيل لجنة تحقيق قضائية للنظر في الاتهامات نفسها، بينما كان وزير العدل دومينيك بيربن قد أكد فتح تحقيق قضائي للتحري عن الأمور نفسها. وإزاء تزايد لجان التحقيق، اعربت نقابة القضاة عن تشكيكها في الغرض المطلوب تحقيقه خصوصا من اللجنة الإدارية العليا التي طلب شيراك تشكيلها والتي طلب منها أن تقدم له ولرئيس الوزراء خلاصة عملها قبل نهاية الشهر الجاري.

وهكذا، فإن قضية جوبيه مرشحة للتطور في القريب العاجل. فإما أن تثبت التحقيقات حقيقة الضغوط والتهديدات التي تعرضت لها رئيسة المحكمة ومساعدوها والجهة التي تقف خلفها، مما يبشر بفضيحة أكثر خطورة وإما أن تصل التحقيقات الى خلاصة، مفادها ان الضغوط والتهديدات غير حقيقية ومُختلقة.

وفي هذه الحالة، فإن مصداقية رئيسة المحكمة والحكم الذي أصدرته بحق جوبيه واصدقائه سيكون موضع تشكيك، وهو ما سيفتح الباب أمام إخراج رئيس الوزراء السابق من الورطة القضائية التي وقع فيها عبر محكمة الاستئناف التي ينتظر أن تنكب على ملفه نهاية العام الجاري أو بداية العام القادم. ويبقى أن نعرف قرار جوبيه الشخصي الذي سيكشف عنه اليوم.