قراءة في الوثائق البريطانية 1973 ـ مداولات بريطانية حول زيارة مستشار السادات إلى لندن قبل حرب أكتوبر بأشهر

القاهرة شنت حملة دبلوماسية لإقناع واشنطن بالتعامل مع قضية الشرق الأوسط بشيء من الحيادية * السادات رفض الحلول الجزئية والمؤقتة

TT

في اوائل 1973 شن المصريون حملة دبلوماسية واسعة بهدف اقناع واشنطن بالتعامل مع قضية الشرق الاوسط بشيء من النزاهة والحيادية حتى يصبح من الممكن تجنب حرب اخذ ضجيج طبولها يعلو قبل ان يصم الاذان في اكتوبر (تشرين الاول). وتدل وثائق الخارجية البريطانية السرية في تلك الفترة، على ان التحرك المصري انطلق من موقف ثابت يتمثل في رفض الحلول الجزئية والاصرار على انسحاب اسرائيلي كامل من الاراضي العربية المحتلة. كما توضح ان سعي القاهرة الى التقارب مع واشنطن جاء بعد طرد مصر للخبراء السوفيات وعلى خلفية خروج اميركا من مأزقها الفيتنامي.

وكانت زيارة حافظ اسماعيل، مستشار الرئيس الراحل انور السادات لشؤون الامن القومي، الى لندن محطة بارزة في الحملة المصرية. وبسبب اهمية بريطانيا اوروبياً وعلاقتها القوية تاريخيا مع الولايات المتحدة، حرصت القاهرة على ترتيب اجتماع لاسماعيل مع رئيس الوزراء ادوارد هيث رغم التمنع البريطاني. وقد اوضح الموظف في الخارجية البريطانية باتريك غراتان برسالة (فبراير) الى مارك فوريستر الذي عمل في مكتب رئيس الحكومة ان «تحذير سفاراتنا (في القاهرة) بان برنامج السيد هيث سيكون مليئا في هذا الوقت «لم يثن المصريين عن رغبتهم هذه وقال ان «زيارة 15 دقيقة ستفي بالحاجة» رغم ان «برنامج رئيس الوزراء مزدحم» متمنيا تلبية الطلب المصري خصوصا ان اسماعيل هو «على الارجح ثاني اقوى رجل في مصر» وانه يحمل رسالة من السادات.

وقبل اجتماعه بهيث في 20 فبراير (شباط) بيوم واحد عقد اسماعيل لقاء مطولا مع وزير الخارجية البريطاني ألك دوغلاس هيوم جاء مخيبا لامال البريطانيين. فقد كتب غراتان نفسه في رسالة وجهها في 19 فبراير (شباط) الى اللورد توم بريدجيز سكرتير هيث الخاص لاطلاعه على مباحثات اسماعيل وهيوم «خلافا لتوقعاتنا، لم يأت الجنرال بأي افكار جديدة حول سبل تحقيق تقدم باتجاه تسوية نزاع الشرق الاوسط». وذكر ان الانطباع الذي خرج به البريطانيون من تلك المباحثات يدل على ان المصريين يعرفون ان اميركا لن تعدل موقفها العسكري والسياسي من اسرائيل «بين ليلة وضحاها» وكل ما يأملون فيه هو بدء عملية التعديل هذه في العام الحالي.

واشار الى ان «مصر على اية حال لن ترضى بأقل من انسحاب اسرائيلي كامل» من الاراضي العربية المحتلة، مبينا انها لا توافق على دخول «مفاوضات تقاربية» (غير مباشرة) يكون فيها الاميركيون اعضاء في الوفد الاسرائيلي.

* اوضح غراتان في تقريره لرئيس الوزراء هيث عن مباحثات الضيف المصري مع وزير الخارجية ان الاخير طمأن اسماعيل الى ان لندن لا تزال متمسكة بالموقف الذي اعرب عنه في خطاب شهير قبل حوالي 3 اعوام، حول ضرورة «انسحاب الاسرائيليين الى حدودهم في 1967 مع بعض التعديلات الطفيفة». غير ان الك دوغلاس هيوم اعتذر عن عدم تقديم تعهدات بخصوص التأثير على واشنطن مبينا انه ليس في وسع لندن «المبالغة في وصف مدى تأثيرنا على السياسة الاميركية». ومعروف ان العلاقات الاميركية ـ البريطانية كانت اقل متانة في ظل هيث منها في ايام اي رئيس وزراء بريطاني اخر. ولفت الدبلوماسي في تقريره ذاته الى ان اسماعيل لم يوضح كيف سيعالج المصريون نقطة تنطوي برأي البريطانيين على تناقض صارخ. وتساءل «كيف يعتزم المصريون التوفيق بين استراتيجيتهم الهادفة الى احداث تغيير في المواقف الاميركية وهو امر يستغرق وقتا طويلا كما يقرون وبين رأيهم بأن الوضع في الشرق الاوسط متدهور وان الزمن ليس في صالح السلام»؟

واذ نبهت الخارجية هيث في مذكرة سرية لتهيئة للاجتماع مع اسماعيل، الى ان اميركا لا تقرن القول بالفعل لجهة اهتمامها بحل ازمة الشرق الاوسط، فهو اكد لضيفه خلال لقائهما بان الرئيس ريتشارد نيكسون اخذ يبدي حرصا على معالجة النزاع العربي ـ الاسرائيلي.

غادر اسماعيل لندن بعد ارساله سجادة هدية لرئيس الوزراء عبر السفارة المصرية في العاصمة البريطانية، لكن الحركة التي بدأت قبل اسابيع في كواليس وزارة الخارجية استعدادا لزيارته لم تهدأ، وفي رسالة وجهها غراتان للورد بريدجيز في 26 فبراير، كان رد رئيس الوزراء على رسالة السادات هو الموضوع الذي شغلهما وقتذاك. وتوضح الرسالة التحفظ البريطاني المبدئي على تمتع الشعب الفلسطيني بـ«حق مشروع لتقرير المصير»، وذلك لان هذا «ينطوي عمليا على اختفاء دولة اسرائيل». غير ان غراتان لفت الى استعداد لندن قبول ان «طموحاتهم المشروعة يجب ان تؤخذ في الاعتبار في اطار اي تسوية نهائية لنزاع الشرق الاوسط». واقترح ان يتجاهل رئيس الوزراء في رسالته الجوابية «اشارة السادات الاشكالية الى تأييد الولايات المتحدة لاسرائيل» او «الحق المشروع بتقرير المصير» لشعوب المنطقة لان هذه اشارة واضحة للفلسطينيين.

وفيما يلي محضر الاجتماع بين هيث واسماعيل والرسالتان اللتان تبادلهما الزعيمان المصري والبريطاني اضافة الى المذكرة السرية التي اعدت قبل الاجتماع ورسالة شكر وجهها رئيس الوزراء البريطاني لاسماعيل على هديته السخية. جدير بالذكر ان هذه الوثائق السرية والافاً غيرها قد اودعت في «الارشيف الوطني» بلندن مطلع العام الحالي لمرور 30 عاما على تاريخها.

* سري

* محضر جلسة المحادثات بين رئيس الوزراء وحافظ اسماعيل الساعة 5.15 من يوم الثلاثاء 20 فبراير (شباط) في 10 داوننغ ستريت

* الحضور:

الجنرال حافظ اسماعيل ـ رئيس الوزراء السيد ام. سمير احمد ـ لورد بريدجيز قال الجنرال حافظ اسماعيل ان برنامج زيارته قد تغير بعد ان وضع ترتيباتها الاولى. والمتوقع منه الان ان يتابع الرحلة الى واشنطن لاجراء محادثات هناك. قال رئيس الوزراء انه تحدث مع الرئيس نيكسون والدكتور كيسنجر عن اجتماعات الجنرال اسماعيل مع مسؤولين اميركيين بارزين: وقد فكر الدكتور كيسنجر في احد الاوقات بالمجيء الى لندن للاجتماع به هنا.

سلم الجنرال حافظ اسماعيل رسالة الرئيس السادات لرئيس الوزراء، ونرفق نسخة منها بهذا المحضر. قرأ رئيس الوزراء الرسالة وقال انه سيوجه ردا للرئيس بعد انتهاء محادثات الجنرال اسماعيل هنا.

قال الجنرال حافظ اسماعيل ان الشرق الاوسط يقترب من مرحلة صعبة وخطيرة. وهناك احساس عميق لدى مصر والدول العربية الاخرى التي تربطها بها علاقة وثيقة، بأثر الاحتلال الاسرائيلي الطويل. المصريون لا يتحملون مسؤولية غياب السلام عن الشرق الاوسط «لقد اتبعوا كل نهج خطر ببالهم وخلصوا الى ان اسرائيل لا تريد السلام. فالاسرائيليون يعتبرون ان فلسطين ملكهم ويرون العرب الفلسطينيين غرباء». وبسبب هذا الموقف الذي لا يقبل المساومة، فان من الضروري ان تكون الجهود الرامية للسلام مستندة الى تعاريف واضحة لاهداف الدول العربية اضافة الى فهم دقيق لجذور الصراع. واصل هذا (الصراع) يكمن في حقيقة انه كان هناك في فلسطين مجموعات لم تعرف كيف تعيش مع بعضها بسلام. وفي الحقيقة ايضا فان اسرائيل قد فُرضت على المنطقة من قبل القوى العظمى الاربع والامم المتحدة، ولذا فان من واجب الاخيرة تحديد شروط السلام. وفي طليعة الاحتياجات تحقيق فض اشتباك مما سيمكن مصر من استعادة السيطرة على اراضيها. وان الاجراءات الامنية، والالتزامات المحددة في اطار تسوية سلمية، اضافة الى الضمانات الدولية الضرورية، يجب ان توضع كلها بهدف الوصول الى هذه الغاية الاساسية. ومن الضروري انجاز هذا العمل على وجه السرعة، كي يصبح من الممكن تجنب وصول المفاوضات الى طريق مسدود.

وفي الوقت الراهن، لا تتحدث اسرائيل عن السلام لان الاسرائيليين في وضع يسمح لهم بالتشبث بالاراضي التي احتلوها، وثمة ضرورة جوهرية لتغيير هذا الوضع، الذي تتحمل الولايات المتحدة مسؤوليته لانها تقدم السلاح (لاسرائيل) وتروج افكارا عن تسوية (كالاتفاق المؤقت المقترح) غير مقبولة نهائيا لدى مصر. وان اسرائيل تملك من الاسلحة اكثر بكثير مما تحتاجه للدفاع عن نفسها، وهي ستبقى في وضع يسمح لها بشن هجوم على مصر حتى بعد تراجعها لمئات الكيلومترات عن المواقع العسكرية الحالية. ومصر على علم ايضا بالابحاث الجارية في اسرائيل حول صواريخ ارض ـ ارض وحول قضايا نووية.

اما بشأن اتفاق مؤقت، فان المصريين ليسوا مهمتين بـ «خطوات في الظلام»، وكما قال الجنرال ديان نفسه فان الاجراءات المؤقتة هي التي تدوم لفترة اطول من غيرها. كما ان مصر ليست مهتمة باعادة فتح القناة، كاجراء جزئي.

ولاحظ الجنرال اسماعيل ان الساحة العالمية شهدت تبدلات مهمة اخيرا لم يعكسها حتى الان الموقف الاميركي من القضايا الشرق اوسطية: وساق مثالين على ذلك هما نهاية الوجود العسكري السوفياتي في مصر، والاتفاقيات الفيتنامية. وعدم الانسجام هذا هو الذي يفسر سبب مهمته الى واشنطن. وما لم تبد حكومة الولايات المتحدة استعدادا لتغيير موقفها، ولتبني وجهة نظر اكثر توازنا، لن يكون من الممكن خلق الظروف المواتية لتسوية منطقية. ومصر حريصة على تجنب تكرار تجربة 1971 المرة وعدم المشاركة في مناقشات لا نهاية لها مع انها غير مرضية. وذا لم يبد الاميركيون اشارات مبكرة على تجاوبهم، فان مصر ستنسحب من المناقشات مع الولايات المتحدة. وبالطبع فان ذلك سيكون امرا خطيرا وسيؤدي الى خسارة المصريين احد الخيارات المتاحة لهم.

وفي ختام ملاحظاته التمهيدية، قال الجنرال اسماعيل ان مسؤولية تجنب خطر النزاع المسلح تقع على عاتق القوى العظمى. واعرب ايضا عن اعتقاده ان لبريطانيا دورا خاصا (في الحل) وذلك بسبب علاقاتها الجيدة مع طرفي النزاع ومع الولايات المتحدة.

وقال رئيس الوزراء ان الموقف البريطاني كان متماسكا خلال السنوات الاخيرة، واستند الى المبادئ التي شرحها وزير الخارجية في الكلمة التي القاها في مدينة هاروغيت (بشمال انجلترا). ورأى السيد هيث ان عضوية (بلاده) للسوق الاوروبية سيهيئ ايضا لبريطانيا ممارسة تأثيرها بطريقة مفيدة.

وقال رئيس الوزراء، ان التحليل الذي قدمه الجنرال اسماعيل قبل قليل، يدل على ان مصر ترى ان الاسرائيليين يريدون اكثر مما يعطيهم موقعهم الراهن في الشرق الاوسط. لكن هناك وجهة نظر اخرى حول الاهداف الاسرائيلية. وحسب احد التحليلات، فإن حاجة اسرائيل الرئيسية هي الامن. حتى ان البعض رأوا في نقاشاتهم ان اسرائيل لن تبقى على قيد الحياة ما لم تتعرض لتهديدات خارجية. وقال رئيس الوزراء انه شخصيا يعتقد ان اسرائيل راغبة فعلا في العيش بسلام وان حالة الجاهزية العسكرية الدائمة تشكل عبئا على امكانيات اسرائيل التي تضطر ايضا الى دفع ثمن سياسي لقاء حصولها على السلاح ممن تعتمد عليهم في ذلك. ولهذه الاسباب فهو يميل الى الرأي القائل ان اسرائيل راغبة بالتوصل الى تسوية سلمية.

واشار الى الملاحظات التي قدمها الجنرال اسماعيل حول تسوية مؤقتة، بيد انه ابدى اعتقاده بأن الرئيس السادات كان مستعدا في الاصل للتفكير بتسوية من هذا النوع.

قال الجنرال اسماعيل ان ملاحظات الرئيس قد تعرضت للتشويه على يد اخرين، وشرح اسلوب الرئيس السادات في الحديث اساسا عن هذا الاقتراح.

ثم علق رئيس الوزراء على ملاحظة الجنرال اسماعيل التي ذكر فيها ان القوى العظمى قد فرضت اسرائيل على الشرق الاوسط. وهو اعترف بالتأكيد ان بريطانيا تتحمل مسؤولية سياسية نتيجة لما قامت به في المنطقة من اعمال تعود على الاقل الى وعد بلفور غير انه اذا كان محقا في التفكير بأن الرئيس السادات والملك حسين مستعدان في الوقت الراهن الى الاعتراف في اطار تسوية سلمية بوجود اسرائيل (وقد اكد الجنرال اسماعيل صحة ذلك)، فان السيد هيث اعرب عن اعتقاده بان هذا يمثل تقدما كبيرا بالمقارنة مع الموقف السائد قبل اربعة اعوام. وهو يرى انه في وضع تطالب فيه اسرائيل بمفاوضات مباشرة مع المصريين، وهؤلاء لا يعتقدون ان اسرائيل ستنسحب على الاطلاق من الاراضي المحتلة، فان مصر لن تخسر شيئا اذا استجابت للدعوة الاسرائيلية. واذا كانت مصر مستعدة للمشاركة في مفاوضات بشأن الانسحاب، سيتوجب على الاسرائيليين ان يوافقوا على الانسحاب والا فسيكون من الممكن الاثبات للعالم كله انهم غير مستعدين للقيام بذلك. وخطوط الحل النهائي لن تتطابق تماما مع الوضع على الارض قبل حرب 1967، لكن ينبغي ان يكون من الممكن مع ذلك الوصول الى حل ينسجم مع امن مصر. وفي هذا السياق، اشار رئيس الوزراء الى مشاكل مماثلة الى حد ما تواجهها الحكومات الاوروبية بسبب تقسيم المانيا. وفيما سعى اسلاف (المستشار الالماني) براندت الى تحقيق اعادة توحيد المانيا عن طريق التوتر، فان براندت نفسه رأى ان ذلك لن يحقق النتائج المرجوة ابدا، واتبع بنجاح النهج البديل المتمثل في انهاء حالة التوتر.

وقال رئيس الوزراء انه لا يفهم اطلاقا بصورة كافية سر عدم استعداد مصر للاستجابة لدعوة اسرائيل بهدف استكشاف نواياها بالطريقة التي ذكرها انفا. وابدى اعتقاده بان الضغوط على اسرائيل في مفاوضات من النوع الذي وصفه، ستكون عظيمة جدا.

قال الجنرال حافظ اسماعيل ان المقارنة (التي عقدها هيث بين تقسيم المانيا ونزاع الشرق الاوسط) توضح الفرق بين العقل الاوروبي والشرق اوسطي. المانيا مقسمة، لكن الالماني (في احد الشطرين) يستطيع مع ذلك التحدث الى الالماني (في الشطر الاخر). والاسرائيلي قد يتحدث الى نظيره الفلسطيني، ولكن لا يتحدث الى المصري.

ثم اشار رئيس الوزراء الى ملاحظة الجنرال اسماعيل بان الانسحاب من المحادثات مع الاميركيين سيحرم مصر احد الخيارات المتاحة لها. وذكر انه يشعر ان الضعف في موقف مصر الراهن يكمن في انها لا تملك خيارات اخرى. واذا كانت مصر تنوي خرق وقف اطلاق النار، فان هذا العمل المحتمل يفتقر في رأيه الى المصداقية. ولذلك فانه يؤيد بقوة العمل بهدف العثور على حل سلمي. وهو يعتقد ان الجنرال سيكتشف لدى وصوله الى واشنطن ان الرئيس نيكسون بدأ يفكر اكثر مما مضى بقضايا الشرق الاوسط. ولم يبد ان الجنرال اسماعيل موافق على هذه الخلاصة. وقال ان اصدقاء اميركا في الشرق الاوسط يشعرون بقلق متفاقم حيال الموقف الاميركي ويعربون عن انتقادات متزايدة له.

وبعدما تمنى رئيس الوزراء على الجنرال اسماعيل ان ينقل تحياته للرئيس السادات، اختتم الاجتماع في 5.55 مساء.

20 فبراير 1973

* سري 26 فبراير 1973

* عزيزي السيد اسماعيل

* اكتب للاعراب عن شكري العميق لهديتك السخية للغاية التي سلمتها سفارتكم بعد مغادرتك لندن بوقت قصير.

ان السجادة التي انتقيتها جميلة، وبودي ان ابلغك امتناني الصادق على لطافتك.

وزير الخارجية والكومنولث وانا كنا سعيدين جدا لرؤيتك في لندن ولاجرائنا تلك المحادثات المفيدة بشأن المستقبل.

مع تمنياتي الطيبة شخصيا

* المخلص لكم

* ادوارد هيث (الى سعادة السيد محمد حافظ اسماعيل)

* 10 داوننغ ستريت وايت هول 28 فبراير 1973

* رسالة شخصية من رئيس الوزراء عزيزي السيد الرئيس

* انا ممتن لكم على رسالتكم المؤرخة في 17 فبراير والتي سلمها لنا السيد حافظ اسماعيل في 20 فبراير. رحبت للغاية بالفرصة التي اتاحتها زيارته لتبادل وجهات النظر حول الوضع الراهن في الشرق الاوسط. واعرف ان السير الك دوغلاس ـ هيوم اجرى مناقشات طويلة ومفيدة معه ايضا.

واوافقك تماما الرأي حول خطورة الوضع الراهن في الشرق الاوسط. وهذا هو سبب احتفاظ الحكومة البريطانية بموقفها المتمثل بضرورة التوصل الى حل سلمي للنزاع العربي ـ الاسرائيلي في اقرب فرصة ممكنة. ونحن في هذه البلاد لن نتردد في المساهمة منفردين او بالتعاون مع شركائنا الاوروبيين، في البحث عن السلام. ولهذه الغاية، سنواصل التمسك بالمبادئ التي شرحها السير الك دوغلاس ـ هيوم في خطابه بهاروغيت في اكتوبر (تشرين الاول) .1970 وسنواصل الحوار مع الولايات المتحدة حول هذه القضية. وكما ابلغت السيد اسماعيل فانني مقتنع بان الرئيس نيكسون بدأ الان يوجه انتباهه للشرق الاوسط بعد تطبيق وقف اطلاق النار في فيتنام. وآمل ان ايا من الطرفين لن يرفض اي فرصة سانحة للتقدم باتجاه تسوية سلمية.

واود ان انتهز هذه الفرصة للاعراب عن تعازي الحارة فضلا عن تعازي السير الك دوغلاس ـ هيوم، بالارواح المصرية التي زهقت في الكارثة الرهيبة فوق سيناء في 21 فبراير (شباط)، وهذا الحادث المريع يوضح بقوة الاخطار الكامنة في الوضع الراهن والحاجة الى الوصول لتسوية عادلة ودائمة. واذا كان بوسعنا ان نساعد بأي طريقة على بلوغ هذه الغاية، فاننا لن نتردد في ذلك.

* المخلص لكم

* التوقيع: ادوارد هيث

* الى فخامة الرئيس انور السادات (سري)

* زيارة مستشار الرئيس السادات للامن القومي الى بريطانيا الشرق الاوسط

* خلفية 1 ـ يعقد رئيس الوزراء اجتماعه مع الجنرال حافظ اسماعيل في وقت تبدو فيه افاق حل قريب للنزاع العربي ـ الاسرائيلي اكثر شحوبا من اي وقت مضى. وعلى رغم الانسحاب الروسي من مصر، فاننا نشعر بالكآبة ازاء مجريات الاحداث في الاشهر القليلة الماضية. واظهرت المناقشة المتعلقة بالشرق الاوسط في الجمعية العامة عزلة اسرائيل المتفاقمة في المجموعة الدولية (القرار 2949 بادانة اسرائيل اقر باغلبية 86 دولة بينها بريطانيا ـ 17 ـ 31). بيد ان الطريق لا يزال مسدودا، وافاق انجاز الدكتور يارنغ اي شيء معدومة، ومحادثات القوى الاربع او الخمس لم تتمخض عن تقديم شيء.

2 ـ على رغم ان الاسرائيليين اوضحوا استعدادهم للمشاركة في «مفاوضات تقاربية مع المصريين بهدف التوصل الى ترتيبات مؤقتة (اي اتفاق تفتح بموجبه قناة السويس لقاء انسحاب اسرائيلي جزئي باتجاه سيناء)، فلا تتوفر اي اشارة تدل الى استعداد مواز من جانب المصريين. موقف الرئيس السادات ضعيف وقد رفض مرات كثيرة بصورة علنية فكرة الترتيبات المؤقتة مما يجعله غير قادر على القيام باي تحرك نحو الاسرائيليين (او الاميركيين) ما لم يكن لديه مكسب ما، مثلا تحرك جديد من قبل الاميركيين او دليل واضح على موقف اسرائيلي اشد مرونة يسمح بعبور الجنود المصريين للقناة واقامة صلة بين الترتيبات المؤقتة والتسوية الشاملة.

3 ـ لكن يبدو حتى الان ان الموقف الاسرائيلي خال تماما من المرونة، واعلنت السيدة مائير انها لن تحمل افكارا جديدة الى واشنطن في اوائل مارس (اذار) باعتبار ان الافكار القديمة جيدة بما فيه الكفاية. وفي الوقت نفسه، مع ان الرئيس نيكسون قال ان الشرق الاوسط سيحتل «اولوية كبيرة جدا» فليس لدى الاميركيين خطط للبدء بأي مبادرات جديدة في الوقت الراهن. ولا يزال الاميركيون على موقفهم ذاته بان السبيل الوحيد لاحراز تقدم هو دخول الطرفين في عملية مفاوضات، لكن لا يبدو ان لدى الاميركيين فكرة واضحة عن كيفية تحقيق ذلك.

4 ـ العاهل الاردني الملك حسين هو على الارجح مستعد لعقد سلام منفرد مع اسرائيل، بيد انه لا يستطيع القيام بذلك حتى يشهد القطاع المصري ـ الاسرائيلي بعض التحرك الذي يوفر له ستارا ممكنا. ومع انه كان يأمل بان زيارته لواشنطن ستتمخض عن صيغة جديدة، فان الاميركيين ابلغونا بانهم لم يعرضوا عليه اي اقتراحات جديدة كما انه لم يقدم لهم شيئا من هذا القبيل.

والسوريون، الذين كانت بينهم وبين الاسرائيليين مناوشات عديدة في الاشهر القليلة الماضية، هم على الاغلب معارضون لدخول مصر او الاردن هذه المفاوضات.

5 ـ لا يبدو ان لدى الروس اي افكار جديدة. ويبدو ان هاجسهم الرئيسي هو تجنب مجازفة المواجهة بين القوتين العظميين في الشرق الاوسط. والمأزق الحالي يناسبهم بصورة لا بأس بها. وحتى اذا تمت المحافظة على «عدم اطلاق النار» على طول القناة، فان هذا لن يتسبب بحد ذاته في تقليص فرص الروس بتوسيع نفوذهم في الشرق الاوسط، خصوصا في سورية والعراق، كما قد تميل بعض الدول العربية بشكل متزايد الى تحميل الغرب مسؤولية شعورها بالاحباط والى تهديد المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الغربية في المنطقة. ولذلك فان تحقيق تسوية يتم التوصل اليها عن طريق المفاوضات، يبقى اهتماما غربيا ساميا.

6 ـ ليس لدينا اي رغبة في تثبيط الجهود الاميركية المروجة لترتيبات مؤقتة، شرط ان تفضي هذه الترتيبات الى تسوية شاملة. ويتمثل موقفنا في اننا لن نقوم بأي عمل من شأنه ان يتعارض مع الجهود الرامية الى اجراء مفاوضات، اذا كان لهذه الجهود التي يقوم بها آخرون اي حظ من النجاح.

لكن اذا لم يتمكن الاخرون من الخروج من المأزق التفاوضي، فانه قد يتوجب علينا النظر في امكان التدخل بأنفسنا، وربما بالتعاون مع شركائنا الاوروبيين، والذين يثير المأزق الحالي في اوساطهم قلقا متفاقما.