شارون يعرض نصف مليون دولار وأرضا مضاعفة لإقناع المستوطنين بمشروع إخلاء المستوطنات من غزة

أولمرت: يؤكد أن الانسحاب سيتم في يونيو أو يوليو المقبلين وحزب العمل يطالب بقرن الأقوال بالأفعال

TT

احتل مشروع رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون للانسحاب من قطاع غزة وازالة المستوطنات فيه، عناوين وسائل الاعلام، وازاح جانبا قضية «الفساد» المتورط فيها هو وعائلته. فاستحوذ المشروع على اهتمام الرأي العام والحلبة السياسية. فبدأ البعض باجراء حسابات حول قيمة التعويضات للمستوطنين، واذا بها تصل الى حوالي نصف مليون دولار لكل عائلة وقطعة ارض تبلغ مساحتها ضعف مساحة الارض التي يقوم عليها بيتها الحالي في المستوطنات. وبدأ الحديث ايضا عن انسحاب احزاب اليمين المتطرف من الحكومة، ودخول حزب العمل مكانها.

وخرج القائم باعمال شارون في رئاسة الحكومة، ايهود اولمرت، بتصريح امس اشاد فيه برئيسه وقال ان مشروعه فذ وشجاع ولا احد من القادة الاسرائيليين يستطيع مثله قيادة مبادرة كهذه. واكد ان الانسحاب من قطاع غزة بات وشيكا وسينفذ اما في يونيو (حزيران) او يوليو (تموز) المقبلين.

وحسب ما عرف من خطة شارون، التي ما زالت في طور الاعداد، انها جزء من «خطة الفصل» الكبرى عن الفلسطينيين. وتطرح، فقط بعد عدة اشهر، «عندما يتوصل الاميركيون الى ما توصل اليه شارون» من قناعة بان القيادة الفلسطينية، وبضمنها حكومة أحمد قريع (أبوعلاء)، لن تعمل شيئا لتطبيق المرحلة الاولى من خطة «خريطة الطريق» الاميركية القاضية بمكافحة الارهاب بشكل جذري. حينئذ، تتخذ اسرائيل اجراءات كبيرة وعميقة لفرض تسوية جزئية مؤقتة تقوم على اساس الانسحاب من معظم المناطق في قطاع غزة (90% منه حسب بعض المصادر)، بما في ذلك ازالة 17 مستوطنة من مجموع 21. والانسحاب من نصف الضفة الغربية (52% حسب تلك المصادر)، ويضمن ذلك ازالة 12 مستوطنة نائية و100 بؤرة استيطانية عشوائية اخرى. وتصبح الاراضي الفلسطينية المحررة دولة فلسطينية محاطة بالجدار العازل من كل جانب.

وسيتم الانتهاء من اعداد هذا المشروع في نهاية فبراير (شباط) الحالي، في اطار الطاقم السياسي ـ العسكري الذي يقوده شارون نفسه بالتعاون مع الجنرال غيورا آيلاند، رئيس مجلس الامن القومي حاليا الذي كان حتى ما قبل شهر رئيس دائرة التخطيط الاستراتيجي في قيادة اركان الجيش الاسرائيلي. وسيحمل شارون المشروع الى البيت الابيض، ليطرحه رسميا على الرئيس الاميركي جورج بوش، في مطلع مارس (اذار) المقبل. وهو على قناعة تامة بأنه سيحظى بتأييد بوش، خصوصا وان تطبيقه سيتم بعد عدة اشهر، «يتاح خلالها للفلسطينيين ان يغيروا موقفهم وسياستهم».

وقالت مصادر مقربة من شارون انه لن يحمل معه خرائط تفصيلية للمشروع الى واشنطن. وسيكتفي ببحث المبادئ، علما بان اتصالات اميركية ـ اسرائيلية بدأت منذ فترة حول الموضوع. وستستمر خلال هذا الشهر على مستويات مختلفة. واعربت الادارة الاميركية عن تأييدها لخطة شارون شريطة ان لا تتعارض مع خريطة الطريق. وقال سكوت مكليي الناطق باسم البيت الابيض الليلة قبل الماضية «انه لامر مشجع ان نسمع ان اسرائيل تدرس اتخاذ خطوات جريئة من اجل تحفيف حدة التوتر بين الاسرائيليين والفلسطينيين.

وتواصلت ردود الفعل على هذا المشروع، امس ايضا، وتميزت بثلاثة اشكال: > اليمين الاسرائيلي: رفض معظم قادة اليمين المشروع رفضا قاطعا. ورأوا فيه بداية لانسحاب إلى حدود 1967. ووصف احدهم شارون بالجنون ووصفه آخر بالخرف. وهدد قادة احزاب اليمين المتطرف بالانسحاب من الائتلاف الحكومي اذا حمل شارون المشروع الى واشنطن. وقال قادة المستوطنين ان شارون يخون المبادئ التي نماها بنفسه في صفوف اليهود. واكدوا ان دافعه الاساسي لهذا المشروع هو تورطه في قضايا الفساد وقرار الشرطة التحقيق معه حول احداها غدا. ولم يقتصر الرفض على احزاب اليمين المتطرف، بل تغلغل الى صفوف حزب شارون نفسه، الليكود. اذ اعلن لوبي من 12 نائبا بينهم وزيران (من مجموع 40 نائبا في الكنيست) انه سيعمل على اسقاط شارون من قيادة الليكود وهدد بعضهم بالانسحاب من الحزب واقامة «حزب يمين حقيقي». ولكي يبرهنوا على جدية تهديدهم تغيب عدد منهم عن جلسة الكنيست التي بحثت في اقتراحات لنزع الثقة عن الحكومة. ولهذا جاء نتيجة التصويت بفارق صوت واحد (42 ضد 41) لصالح الحكومة. ومع ان نزع الثقة عن الحكومة يحتاج الى تأييد 61 نائبا، وهذا غير ممكن في تركيبة الكنيست الحالية حول موضوع سلامي، فان عبور الحكومة امتحان الثقة بهذه النسبة الهزيلة كان بمثابة إنذار.

وهدد شارون بأن يلجأ لاقامة حكومة اخرى، في هذه الدورة البرلمانية، اذا اقدم اليمين على مغامرة كهذه.

> اليسار: ساد الاجماع بان شارون يلعب لعبة اخرى في السياسة الدولية. واكدوا، يساندهم في ذلك عدد غير قليل من المعلقين، ان شارون لم يقدم ولن يقدم على اجراء فعلي. والدليل على ذلك ان اليمين المتطرف، الذي سمع عن المشروع بالتفصيل، لم يستقل بعد من الحكومة. وقال يوسي بيلين، الذي ينافس حاليا على قيادة حزب «ياحد» (تحالف حزب «ميرتس» القائم وحزب «شاحر» الجديد)، وهو احد اهم اقطاب مبادرة جنيف، ان مشروع شارون كاذب وخطير: «فهو فقط قبل 6 اشهر اعلن ان مستوطنات غزة مثل تل أبيب لا يجوز الانسحاب منها. فما الذي حدث خلال هذه الفترة ودفع به الى تغيير رأيه». واضاف «في الواقع انه انسان ارتجالي. فهو في ضائقة. ولم يتفتق ذهنه عن مخرج سوى بقذف هذه الفكرة، التي ستضاف الى عدة افكار ومبادرات فارغة سمعناها منه ووضعت على الرف».

وتابع بيلين القول «حتى لو كان شارون صادقا في مشروعه، فان ذلك سيؤدي الى تقوية «حماس» و«الجهاد الاسلامي» وغيرهما من التنظيمات الارهابية الفلسطينية. والرسالة الاساسية فيه: انا انسحب فقط امام القوة والارهاب». وتساءل: لماذا ينسحب شارون من طرف واحد؟ لماذا لا يجلس مع (ياسر) عرفات و(احمد قريع) ابو العلاء ويتفاوض معهما حول هذا الانسحاب؟ لماذا يمتنع شارون عن التعاطي مع القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني ومع قوى السلام الفلسطينية؟ واختتم: كل هذا يجعلني ارى ان مشروع شارون خطير. ومن شأنه ان يعود بالدمار على الشعبين.

> انصار المشروع: وهؤلاء موجودون داخل الليكود وايضا داخل حزب العمل المعارض. فمع ان رئيس العمل شيمعون بيريس، شكك في هذا المشروع وقال انه «كلام من دون فعل»، اول من امس، قال امس انه يراه ايجابيا. واعلن ان حزبه سيقيم شبكة امان حول حكومة شارون ويمنع اسقاطها في حالة طرح المشروع على الكنيست. وذكر بيريس انه هو الذي كان قد طرح لاول مرة فكرة الانسحاب من قطاع غزة بالكامل. ولمح الى ان حزبه قد ينضم الى حكومة شارون في حالة ثبوت جديته في المشروع وانسحاب احزاب اليمين المتطرف من الحكومة.

وقال ميخائيل ايتان، احد نواب الليكود، ان هناك امكانية لاسكات المعارضة لهذا المشروع في حالة طرحه على استفتاء شعبي.

اما شارون نفسه فقد عاد واكد مشروعه امس من جديد. وقال لدى افتتاحه مشروعا لتحلية مياه البحر قرب عسقلان (على بعد 10 كيلومتيرات شمال غزة) انه سينفذ هذا المشروع: «فاذا كان هناك من يتألم لازالة مستوطنات في غزة او غيرها، فانا اكثر من يتألم. لكن مسؤوليتي تجاه أمن اسرائيل والاسرائيليين وتجاه الوضع الاقتصادي، تحتم علي القيام بمبادرات للخروج من الازمة الحالية التي علقت بها المنطقة. فلا يجوز لنا ان ننتظر حتى تفرض علينا حلول».