بوش يؤكد أن معلومات المخابرات بررت شن الحرب على العراق والمعارضة البريطانية تطالب بلير بالاستقالة

TT

فيما تعرض رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الى المطالبة من جانب المعارضة بالاستقالة على خلفية معلومات اجهزة المخابرات حول اسلحة العراق المحظورة، اعلن الرئيس الاميركي جورج بوش امس ان قرار خوض الحرب على العراق بررته المعلومات الاستخباراتية التي توفرت في ذلك الوقت، والقى بوش كلمة في شارلستون في ولاية كارولاينا الجنوبية (جنوب شرق) قال فيها «نعلم ان صدام حسين كان ينوي تجهيز بلاده باسلحة دمار شامل». واضاف «استنادا لما كنا نعرفه في تلك الفترة وما نعرفه حاليا تكون اميركا قد اتخذت القرار الجيد».

واوضح ان مجموعة الخبراء الاميركيين والبريطانيين في العراق عثرت على مختبرات وتجهيزات لصنع مثل تلك الاسلحة واتهم الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بانه خبأها، في حين ان قرارات الامم المتحدة كانت ترغمه على كشفها.

وفي لندن، عاد امس «كابوس» حرب العراق ليلاحق رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، بعدما بدا انه نجا من تداعيات الحرب، فقد طالبه زعيم المعارضة المحافظ مايكل هاوارد بالاستقالة لأنه لم يتكبد مشقة السؤال عن نوعية اسلحة الدمار الشامل التي قيل ان العراق يمتلكها قبل الحرب، وما اذا كان في مقدور بغداد اطلاقها على اهداف بعيدة في قبرص مثلا.

وفي هذه الاثناء كان وزير الدفاع جيف هون يجيب على اسئلة اعضاء لجنة الدفاع التابعة لمجلس العموم في لندن. وألح بعض اعضاء اللجنة باستيضاحه عن سبب عدم ابلاغه رئيس الوزراء قبل الحرب حقيقة اقر بأنه كان على علم بها ومفادها ان الاسلحة العراقية المفترضة قصيرة المدى، ولفتوا الى ان ابراز الحكومة فرضية تقول ان بغداد قادرة على نشر بعض اسلحتها الكيماوية والبيولوجية خلال 45 دقيقة ادى الى تضليل وسائل الاعلام ودفع بعض الصحف لابراز مانشيتات عن احتمال ضرب بغداد القواعد البريطانية في قبرص بأسلحة كيماوية وبيولوجية. وتخللت الجلسة الصاخبة التي استغرقت اكثر من ساعتين وربع الساعة اتهامات لرئيس اللجنة، النائب العمالي بروس جورج، بالعمل على حماية هون من اسئلة صعبة اراد طرحها عليه نائبان معارضان.

وجدير بالذكر ان بلير اعترف مساء اول من امس في مجلس العموم بأنه لم يكن على علم عشية الحرب بنوعية اسلحة صدام حسين المفترضة وما اذا كانت بعيدة المدى او تستعمل في ميدان القتال فقط.

وفي رد على سؤال للنائب المحافظ ريتشارد اوتاواي، قال رئيس الوزراء انه كان يجهل حقيقة الاسلحة التي تستطيع بغداد نشرها خلال 45 دقيقة، وذلك حين ناشد مجلس العموم في 18 مارس (آذار) الفائت تأييد قرار بالاشتراك في الحرب. وفي الجلسة ذاتها اوضح هون انه سأل «من باب الفضول» كبار موظفي وزارته قبل الحرب بأشهر عن نوعية الاسلحة المزعومة وطمأنوه الى انها قصيرة المدى، بيد انه لم يناقش ذلك مع بلير.

غير ان وزير الخارجية السابق روبن كوك الذي استقال احتجاجا على الحرب اعتبر ان نفي بلير لمعرفته بهذه الحقيقة غير مقنع. وقال «في خطاب الاستقالة الذي ألقيته (في مجلس العموم) اوضحت هذه النقطة بالذات بأننا نواجه اسلحة تستعمل في ميدان القتال ومن المرجح انه ليس لدى صدام اسلحة دمار شامل حقيقية». واضاف «اجد من الصعب تحقيق انسجام بين ما عرفته وبين ما انا متأكد ان رئيس الوزراء عرفه في وقت الاقتراع (على مشروع الذهاب الى الحرب)».

الى ذلك، اتهم هاوارد في مقابلة اجراها ظهر امس مع «راديو فور» التابع لـ«بي. بي. سي» بلير بـ«اهمال واجبه». وقال «اتضح امس (الاربعاء) ان رئيس الوزراء اخذنا الى الحرب من دون تكبد عناء طرح سؤال بسيط وواضح». واضاف «السؤال هو ما اذا كانت الاسلحة الكيماوية والبيولوجية التي اعتقد ان العراق امتلكها، يمكن ان تستعمل فقط في ميدان المعركة، ام يمكن وضعها على رأس صاروخ لاطلاقه على القوات البريطانية في قبرص». وزاد «لو كنت رئيسا للوزراء، واخفقت في طرح هذا السؤال الاساسي، لأعدت النظر جديا بموقعي».

وفي وقت سابق نفى الناطق الرسمي باسم بلير بشدة ارتكاب رئيس الوزراء للخطأ الذي اتهم بارتكابه في اعقاب اعترافه الآنف الذكر في مجلس العموم. ويشار الى ان نوابا، وتقارير صحافية، اعتبرت ان عدم ايضاح الحكومة لحقيقة الاسلحة التي قيل ان بوسع صدام نشرها خلال 45 دقيقة، جعلت الجميع يستنتجون ان بوسع صدام مهاجمة اهداف بعيدة في قبرص ومصر بأسلحة بيولوجية وكيماوية، غير ان الناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء رأى ان هذه الاتهامات تستند الى تضخيم مبالغ فيه لمعلومة الـ45 دقيقة. وعلق على تقارير ابرزتها صحف امس بانها محاولة «لاعادة كتابة التاريخ»، من خلال اعطاء اهمية اكثر بكثير مما ينبغي بمعلومة الـ45 دقيقة. واضاف ان رئاسة الحكومة «لم تقل على الاطلاق ان بوسع العراق اطلاق صواريخ كيماوية او بيولوجية بعيدة المدى».

الا ان بعض الحضور لفتوا انتباهه الى ان معلومة الـ45 دقيقة قد استعملت اربع مرات في الملف الذي اصدرته الحكومة حول الاسلحة العراقية في سبتمبر (ايلول) 2002، كما ان رئيس الوزراء ابرز المعلومة اياها في تقديمه للملف. ومعروف ان صحف «صن» و«ايفننغ ستناندارد» فضلا عن صحف محلية عدة، حملت في اليوم التالي على صدور الملف عناوين بارزة تشير الى ان صدام قادر على ضرب اهداف بريطانية في قبرص ومصر خلال 45 دقيقة.

غير ان هون قال في اطار نفيه تهمتي «التضليل» و«التقصير» في ابلاغ رئيس الوزراء بحقيقة اسلحة صدام، انه لم يطلع على هذه التقارير الصحافية. وأوضح اثناء مثوله امام لجنة الدفاع البرلمانية «لم ار هذه التقارير حينذاك (اواخر سبتمبر)»، مؤكدا انه لم يعرف مدى الاهتمام الاعلامي بمعلومة الـ45 دقيقة الا بعد الحرب بأسابيع. واضاف «لقد تحققت من مفكرتي، وتذكرت انني كنت خارج البلاد بين التاسعة من صباح 24 سبتمبر وحتى الخامسة من مساء 25 سبتمبر، في زيارتين لوارسو واوكرانيا».

وقال «بعد طبع الملف بوقت قصير سألت في وزارة الدفاع عن نوعية الاسلحة وقيل لي ان التقييم الاستخباراتي يفيد ان مداها يصل لـ40كم، وهذا ليس قصيرا جدا». وكرر امام إلحاح اعضاء اللجنة انه لا يحاول «تضليل» احد. وسئل عن سبب عدم اطلاعه على التقارير بعد عودته او اثناء الرحلة، فأجاب «ان التقارير لم ترسل إلي بواسطة جهاز الفاكس، كما اني لم اطلب ذلك لأن تركيزي كله كان منصبا على تنفيذ مهمة صعبة اشتملت على لقاء بالرئيس الاوكراني».

الا ان عضو اللجنة المحافظ كريسبين بلانت، وهو ضابط سابق، قال ان اقوال الوزير تفتقر الى الدقة. ودعاه الى فتح تحقيق بأسباب «تقصير» المكتب الاعلامي عن ايصال التقارير الصحافية له بانتظام، فوعد هون بالاستجابة الى ذلك.

وجاء الشطر الآخر من اجوبة عن سر عدم ابلاغ بلير بالحجم المحدود للخطر العراقي المزعوم، منسجما مع الردود التي قدمها الناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء في وقت سابق. فقد شدد وزير الدفاع بدوره على القيمة الضئيلة لمعلومة الـ45. وقال «لقد قدمت لرئيس الوزراء تقارير منتظمة (حول الازمة العراقية) بصورة منتظمة، بيد ان هذه (المعلومة) لم ترد في مناقشاتنا لأنها لم تكن مهمة». واعتبر ان المعلومة لم تصبح موضع نقاش واسع الا بعد بث تقرير الـ«بي. بي. سي» المثير للجدل في 29 مايو (ايار) الماضي، الذي قال ان الحكومة ضخمت معلومات استخباراتية عن العراق وابرزت معلومة الـ45 دقيقة، بهدف تسويغ الحرب. وفي محاولة لاثبات عدم اهمية المعلومة، اشار الى ان رئيس الوزراء «لم يذكر الـ45 دقيقة مباشرة قبل اتخاذ القرار (بالذهاب الى الحرب) من قبل البرلمان لأنها لم تكن قضية كبيرة.