مشرف يعفو عن خان ويعلن أنه لن يسمح بإشراف دولي على البرنامج النووي الباكستاني

محمد البرادعي: اعترافات العالم الذري انتزعت منه لتغطية قضية أكبر بكثير مما يبدوا الآن وهي فقط « «قمة جبل الجليد» وثمة دول وأشخاص ساعدوه

TT

أعلن الرئيس الباكستاني برويز مشرف العفو عن العالم النووي عبد القدير خان «استجابة لتوصية مجلس الوزراء الباكستاني» بعدما اعترف خان بمسؤوليته منفردا عن بيع تكنولوجيا نووية لجهات خارجية وطلبه العفو من مشرف والصفح من الأمة. وقال الرئيس الباكستاني في مؤتمر صحافي امس: «لقد عفوت عنه».

غير ان المدير العام لوكالة الطاقة الذرية، محمد البرادعي، شكك في صحة اعترافات خان، وقال انه «مجرد قمة جبل الجليد». وأشار الى ان القضية «تمت تغطيتها» وان الوكالة «تعتريها الشكوك في ان تكون شبكة التسريبات الدولية اوسع كثيرا مما اعترف به خان»، وان «اشخاصا ودولا كثيرة تقف وراءه». ولوحت مصادر مطلعة ومراقبون الى ان العالم البارز «اجبر على الاعتراف لتغطية قضية اكبر بكثير مما يبدو الان».

وقال مشرف في مؤتمر صحافي ان باكستان «لن تسمح باشراف دولي على برنامجها النووي». واضاف: «هناك التماس مكتوب من جانبه يطلب فيه العفو وهناك عفو مكتوب من جانبي». ومضى مشرف يقول ان باكستان «لن تسلم أي وثائق الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولن تخضع لتحقيق مستقل ولن تسمح للامم المتحدة بالاشراف على برنامجها النووي».

وجاء عفو مشرف بعدما افادت شبكة «بي تي في» التلفزيونية الباكستانية ان مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الوزراء ظفر الله جمالي: «اوصى الرئيس بالعفو عن الدكتور عبد القدير خان»، بدون ان تضيف مزيدا من التفاصيل. وكانت الحكومة قد اجتمعت بطلب من سلطة «القيادة الوطنية العليا»، الهيئة المكلفة مراقبة النشاطات العسكرية النووية بعد اعترافات خان بأنه قام ببيع تكنولوجيا نووية لايران وكوريا الشمالية وليبيا، وانه تصرف منفردا من دون معرفة اي من قيادات الجيش. والتمس الصفح عنه نظرا للخدمات التي قدمها للامن القومي الباكستاني. واثارت اعترافات خان قلقا من أن السوق النووية السوداء التي باع خان من خلالها تكنولوجيا لايران وليبيا وكوريا الشمالية ربما كانت أكبر كثيرا مما كان متصورا في البداية. وقال محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية امس ان خان «لم يكن يعمل بمفرده عند تشكيل شبكة غير مشروعة لبيع التكنولوجيا النووية بل كان يحظى بدعم كبير وكان يلقى مساعدة من أناس في دول كثيرة». وتابع: «الدكتور خان هو قمة جبل جليد بالنسبة لنا».

واضاف البرادعي انه حتى غير متأكد مما اذا كان خان هو المسؤول عن انشاء سوق سوداء في المجال النووي لتجنب العقوبات وبيع تكنولوجيا حساسة لدول يفرض عليها حظر. وأضاف: «لا أعلم ان كان هو المدير لهذه السوق لكن من الواضح أنه كان يمثل جزءا مهما».

واوضح: «مازلنا في مرحلة التحقق بشأن شبكة الامدادات هذه بأكملها ولذا لا نرى الصورة كاملة. أعتقد أن هذا فعلا هو أولويتنا الاولى». وقال ان باكستان «أبدت تعاونا كبيرا في تزويد الوكالة بالمعلومات المطلوبة للقضاء على السوق النووية السوداء». لكنه أكد أنه يريد مزيدا من المعلومات من اسلام اباد.

ومن ناحيتها، قالت مليسا فليمنغ المتحدثة باسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية: «تتمثل أولويتنا الكبرى في اكتشاف ما ان كانت هناك أي دول أخرى ربما استفادت من هذه الشبكة النووية». وقال دبلوماسيون غربيون انه من غير المستبعد أن تكون شبكة الوسطاء النوويين التي كونها خان قد شملت دولا أخرى.

وقال أحد اولئك الدبلوماسيين: «هذا ما يقلقنا جميعا». لكنه أحجم عن تحديد الدول الاخرى التي ربما ابتاعت أسرارا نووية من خان. وقال دبلوماسيون آخرون ان الدلائل تشير الى أنها سوق كبيرة كانت مفتوحة للدول الواقعة تحت الحظر. واوضح دبلوماسي غربي طلب حجب هويته: «من الواضح من المعلومات الواردة من ليبيا أن الامر أكبر بكثير مما كان متصورا».

وأضاف: «يجب عدم التهوين من حجم السوق النووية السوداء. الوسطاء الذين ساعدوا دولا مثل ايران وكوريا الشمالية وليبيا على الحصول على تكنولوجيا حساسة عملوا في ألمانيا وهولندا وماليزيا والامارات وربما دول أخرى». وكانت ليبيا قد قدمت في ديسمبر (كانون الاول) للوكالة الدولية للطاقة الذرية أدلة مهمة على تورط خان في مشترياتها غير المشروعة لمعدات تخصيب اليورانيوم.

ومن ناحيته، كشف قازي حسين احمد زعيم ائتلاف الاحزاب الاسلامية بالبرلمان الباكستاني ان خان اتصل به ليلة الثلاثاء الماضي من هاتف عمومي واكد له انه لم يعترف في التحقيقات الحكومية بمسؤوليته عن التسريبات. وقال انه اوضح للمحققين ان بيع الاسرار النووية «تم بمعرفة جنرالات الجيش ومن بينهم مشرف». وبعد ذلك بساعات قليلة ظهر خان ليعترف بجرمه ويسأل الصفح بعدما قابل مشرف.

وبحسب بيان حكومي صدر اول من امس فان خان اتصل بمشرف وطلب مقابلته، وانه خلال لقاء الرجلين في منزل مشرف الرئاسي باسلام اباد اعترف خان بتفاصيل التسريبات وخرج بعد ذلك ليعترف بتحمل المسؤولية وحده.

وتتناقض التطورات الاخيرة كليا مع تأكيدات احد العلماء النوويين الباكستانيين من اصحاب الصلة الوثيقة بخان وصحافي حضر جلسات استجوابه ان ابا القنبلة النووية الباكستانية قال خلال التحقيق معه: «ايا كان ما فعلته، كان بمعرفة رؤسائي». وأوضح ان «مشرف وقائدين سابقين للجيش ورئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو كانوا جميعا ضالعين وعلى معرفة بالتسريبات النووية لايران وكوريا الشمالية». ويشير المراقبون الى عقد صفقة بين الرئيس مشرف وخان اللذين تربطهما علاقات وثيقة يتم بمقتضاها تحميل خان منفردا مسؤولية التسريبات مقابل العفو عنه، كي يحمي الجيش ومشرف من حرج دولي كبير اذا ثبت ضلوعهما فى التسريبات. ويقول محللون ان اجراء محاكمة علنية لخان الذي يعتبر بطلا قوميا لدوره في تطوير قنبلة نووية قد يرفع النقاب عن أدلة محرجة على اشتراك الجيش الذي يقوده مشرف في تسريب الاسرار النووية، كما انه قد يثير غضبا داخليا كبيرا نظرا للشعبية التي يحظى بها خان. وانصب اهتمام تعليقات الصحف المحلية على الغموض الذي اكتنف كيفية تسريب خان لاسرار ذرية بدون علم الحكومة أو الجيش. ووصف المعلقون اعترافه التلفزيوني بأنه غطاء لجانب من صفقة ربما أوسع نطاقا لاعفاء الجيش من مساءلة غير مرغوب فيها في أي محاكمة وتمكين مشرف من تجاوز ضغوط الاسلاميين والقوميين.

وقالت صحيفة «ديلي تايمز» الباكستانية في مقالها الافتتاحي: «مشكلة الرئيس مشرف لم تعد متصلة بالسياسة الخارجية بقدر اتصالها بالسياسة الداخلية». ومضت تقول: «ما من أحد يصدق أن بامكان العلماء تهريب معدات نووية ثقيلة للخارج من دون علم الجيش الباكستاني المسؤول عن البرنامج النووي». لكن الصحيفة قالت ان الامر «يجب أن ينتهي بقبول العفو الذي نشده خان وتعهده بعدم تكرار مثل أنشطة التسريب هذه».

وقال متحدث باسم وزارة الداخلية الباكستانية امس ان مذكرات اعتقال صدرت بحق عدد من علماء ومسؤولي مركز الابحاث النووية الرئيسي في باكستان «معمل خان للابحاث» متورطين في انشطة لنقل تكنولوجيا نووية. وقال المتحدث رؤوف شودري «ان خمسة مسؤولين على الاقل» من مركز الابحاث النووية الباكستاني صدرت بحقهم مذكرات توقيف.

وتأمر المذكرات بالاعتقال لمدة ثلاثة اشهر في الاصل بموجب قانون عام 1952 الخاص بالامن والمتعلق بالجنح «التي تمس الدفاع والشؤون الخارجية والامن». والمسؤولون المعنيون بهذه المذكرات هم العالمان فاروق محمد ونظير احمد اضافة الى ثلاثة عسكريين من المتقاعدين وهم الجنرالان مالك سجوال وتاجوال خان والميجور اسلام الحق.

وقد صدرت مذكرات الاعتقال بعد تحقيق فتحته السلطات الباكستانية قبل اكثر من شهرين استجوبت خلاله نحو12 مسؤولا عن البرنامج الذري اثر معلومات نقلتها الحكومة الايرانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول نقل تكنولوجيا. ويقول المراقبون ان اعتقال هؤلاء العلماء على الاغلب محاولة من السلطات لتحميل احد المسؤولية عن موضوع التسريبات، بعد ضغوط اميركية واوروبية متزايدة. وقد استبعد خبراء ان يكون تنظيم «القاعدة» بزعامة اسامة بن لادن قد اقترب من امتلاك تكنولوجيا اسلحة نووية. قال أندرو تان خبير الامن بمعهد سنغافورة للدراسات العسكرية والاستراتيجية: «لا يمكن الا التكهن بسبب غياب ادلة قوية، ولكن طبقا لمعلوماتنا فان مثل هذه الخطط النووية تسلم فقط لدول».

ويقول الخبراء انه لا توجد أدلة على ان خان او ايا من العاملين في معمل خان للابحاث الذي يديره او في لجنة الطاقة الذرية الباكستانية قد قام بتسليم اسرار نووية للقاعدة. وقال تان: «حتى لو فعلوا هذا فليس مؤكدا أن القاعدة تمتلك البنية التحتية لتطوير أسلحة نووية بناء على معلومات وتكنولوجيا تسلمتها».

ويشتبه في أن القاعدة مهتمة بالحصول على اسلحة دمار شامل سواء أكانت نووية أو كيماوية أو بيولوجية ولكن لم يتم العثور على شواهد عن برنامج في عمليات تفتيش معاقل القاعدة بعد سقوط نظام طالبان في افغانستان.

واعتقل في أكتوبر (تشرين الاول) 2001 عالمان باكستانيان في برنامج بالغ السرية لتخصيب اليورانيوم للاشتباه في انهما يقتسمان المعلومات مع بن لادن ولكن افرج عنهما بعد شهرين. ويقال انهما التقيا مع بن لادن وزعيم طالبان الملا عمر اثناء زيارات لافغانستان عندما كانا يعملان في منظمة «تعمير الامة الخيرية» التي طورت طواحين للدقيق ومشروعات زراعية في افغانستان.