إعلاميون مغاربة وإسبان يحذرون من تنامي الضغوط على استقلالية الصحافة

TT

دافع صحافيون وكتاب مغاربة وإسبان في ملتقى مشترك عقد بمنتجع ايفران (وسط المغرب) عن حرية الصحافة واستقلاليتها وشفافية تدبير المؤسسات الإعلامية، باعتبارها عنصرا أساسيا في العملية الديمقراطية والتنمية الاقتصادية.

وانتقد الإعلاميون المغاربة والإسبان، خلال لقاء سنوي تعقده النقابة المغربية للصحافة وجمعية الصحافة الإسبانية في منطقة الجزيرة الخضراء (جنوب اسبانيا)، اختتم مساء اول من أمس، ما وصفوه بمظاهر التأثيرات والضغوط التي يتعرض لها الصحافيون في البلدين، جراء تدخل جماعات الضغط المالية والسياسية ناهيك عن ضغوط أرباب المؤساست الاعلامية على الصحافيين.

واقترح المشاركون في الملتقى إحداث هيئات للرقابة على طرق تمويل المؤسسات الإعلامية بهدف فرض نظام شفاف على مواردها المالية وطرق حصولها على الاعلانات ولا سيما التي يكون مصدرها مؤسسات تابعة للقطاع العام.

وحذر المشاركون من مخاطر الممارسات المخلة باخلاقيات مهنة الصحافة مثل الرشوة والابتزاز والقرصنة واستعمال الوسائل غير الشريفة من ضغط وإكراه وغيرها.

ومن جهته قال جمال المحافظ، عضو المجلس الوطني للنقابة الوطنية للصحافة المغربية ان العقد الأخير شهد تطورا في أوضاع الصحافة بالمغرب، بعد الانتقال من مرحلة التركيز على قضايا حرية الصحافة والتعبير الى الاهتمام بقضايا اخلاقيات المهنة، وذلك بعد ملاحظة تنامي ظاهرة صحف الإثارة وارتفاع عدد الشكاوى من الصحافيين والمواطنين ورصد الممارسات التي تمس بأخلاقيات المهنة.

ومن جانبها قالت الصحافية الإسبانية ماريا خيسوف عضو هيئة جمعية الصحافة الإسبانية، ان ممارسة مهنة الصحافة في بلادها تواجهها أيضا صعوبات وفي مقدمتها غياب قانون منظم لمهنة الصحافي، التي يقتصر تنظيمها على الفصل 20 من الدستور الإسباني الذي أقر سنة 1978 إثر سقوط نظام الجنرال فرانكو وقيام الديمقراطية في إسبانيا. ولاحظت الصحافية الاسبانية ان اشكالية السر المهني تطرح بحدة في الحقل الإعلامي بإسبانيا لأن القانون لا يعترف بقاعدة احترام السر المهني.

ولاحظت الإعلامية الإسبانية ان تزايد اعتماد المؤسسات الإعلامية على متدربين وطلاب ومتعاونين، أصبح يشكل مخاطر على الصحافيين المتعاقدين مع تلك المؤسسات، ويعرضهم لمتاعب قانونية واجتماعية، وأشارت الى ان الصحافيين الاسبان يعدون حاليا مشروع قانون يتضمن كل البنود الضرورية لتقنين الحقل الصحافي في اسبانيا.

وقال يونس مجاهد أمين عام النقابة المغربية للصحافة لـ«الشرق الأوسط»، ان المتاعب والضغوط التي تواجهها مهنة الصحافة ليست لها حدود، وهي مطروحة بصيغة أو بأخرى سواء بالمغرب أو بإسبانيا، موضحا ان استغلال الصحافة لأهداف سياسية أو تجارية من قبل جماعات ضغط سياسية أو مالية، تعد ظاهرة خطيرة ويظهر من خلالها نوع من التواطؤ بين أصحاب المؤسسات الإعلامية وجماعات الضغط، بكيفية تؤدي الى تأثيرات سلبية على طريقة تقديم الأخبار وسلامتها من الناحية المهنية، مما يحول الصحافي الى أداة تسخر ضمن أهداف فئوية أو سياسية أو مالية تتعارض مع قواعد الموضوعية والنزاهة والاستقلالية التي تقتضيها مهنته.

وقال يونس مجاهد ان الاشتباه في طرق توزيع الإعلانات من قبل عدد من المؤسسات العمومية سواء في المغرب أو إسبانيا، وغياب معايير موضوعية ، يطرح ضرورة اعتماد وسائل رقابية لفرض قواعد الشفافية.

واعتبر مجاهد ان الضغوط على استقلالية الصحافة هي بمثابة ناقوس خطر على مصير الديمقراطية، معتبرا ان تحقيق الاستقلالية يتم عبر تنظيم فعاليات الصحافيين واحترام مواثيق شرف المهنة وقواعد الضمير المهني ومعايير عالمية متعارف عليها، أما اذا تم اخضاع الصحافي لعوامل وضغوط مخلة بهذه المعايير فإن الصحافة تصبح غير قادرة على خدمة المجتمع وتطلعاته في بناء الديمقراطية وتحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي.

وحول رأيه في اشكالية التزام الصحافيين ببعض الثوابت أو المقدسات، وتأثيرها على المسار الديمقراطي وخصوصا بالنسبة لبلد مثل المغرب الذي يجتاز مرحلة انتقال ديمقراطي ، اعتبر مجاهد ان الإشكالية في العمق لا تكمن في «المقدس» بقدر ما تطرح حول كيفية ممارسة حرية الصحافة، مبرزا ان المقدس هو حرية الصحافة والتعبير وان تتم ممارسة المهنة بمنآى عن الضغوط وما يسمى بـ«الخطوط الحمراء»، وبالمقابل فإن الصحافيين ملزمون بالاحترام الواجب للأشخاص والأعراض وشرف الناس وكرامة الأشخاص واحترام المؤسسات، لأنه لا يمكن تبرير التحامل على مؤسسة أوشخص معين لمجرد كونه يتولى مسؤولية عامة.

وتساءل مجاهد حول الوضعية الحالية لعلاقة الصحافة بالمؤسسات في المغرب، وهل يكمن حل الإشكاليات المطروحة عبر اللجوء لمتابعة الصحافيين قضائيا ومضايقتهم واستغلال مقتضيات قوانين الجنايات ومكافحة الإرهاب، أم يتطلب تنظيم المهنة لنفسها وهو الجواب الأصوب، لأن الصحافة مثل مختلف المهن بحاجة الى اعادة هيكلة وتقويم ورفع مستوى أدائها.

ومن جهتها قالت كارمن ايغليسياس المسؤولة بجمعية الصحافة الإسبانية لـ«الشرق الأوسط» ان التطورات المتسارعة في ميادين الإعلام والاتصال والمال أصبحت تفرض تعقيدات جديدة على قواعد اخلاقيات مهنة الصحافة، مبرزة ان مصير الديمقراطية رهين احترام اخلاقيات الصحافة واستقلاليتها.

ولاحظت كارمن ايغليسياس ان الصحافة الإسبانية تواجه بدورها ضغوطا بسبب الصعوبات التي تحف قواعد واخلاقيات المهنة لأسباب قانونية وسياسية ومالية، تساهم فيها غياب قواعد قانونية واضحة وتداخلات الضغوط السياسية والحزبية والمالية وأدوار الناشرين وأصحاب المؤسسات الإعلامية على الصحافيين.