سعودي ينقل جدة القديمة «برواشينها» و«أزقتها» إلى المطار القديم

حراس الليل بلباسهم التقليدي و«السقا» الذي لم يمت بعد في مهرجان جدة القديمة

TT

كان السعودي فهد الجابري غارقاً في حديث مطول مع مجموعة من العمال والمساعدين، اعتقدت معها للوهلة الأولى أن هذا الحديث ربما وراءه خلاف مادي أو أمر له علاقة بذلك، ففضلت الانتظار ريثما ينتهي الجدل المحموم وينكشف الأمر الذي طال أمده كثيراً، أو هكذا تخيلته.

ولكن الرجل الذي تنبه لوجودي أنهى الاجتماع، شارحاً أسباب الاجتماع المطول قائلاً انه كان يتعلق بمهام توزيع المسؤوليات وما ينبغي عمله في الغد، بعد أسبوع كامل من العمل الدؤوب الذي تزامن مع إجازة عيد الأضحى وتدفق آلاف الزوار لقضاء أمسيات ممتعة بين ذكريات الماضي البعيد والقريب الماثل في محيط القرية بما يحمله من حداثة وجنون.

المكان هو أرض المطار القديم الذي اختير كموقع لمهرجان جدة القديم أو القرية التي يطمح القائمون عليها في نقل «جدة القديمة» بما تحمله من «رواشين» و«أزقة» ضيقة و«حواري» و«سقائين» وحراس يحملون العصي من موقعها القديم المغلق إلى الساحات الواسعة المفتوحة التي كانت فيما كانت في السابق مهبطاً للطائرات أي منطقة المطار القديم الذي تحول إلى قطع شاسعة ومتنزهات يلجأ إليها أهالي جدة بعد انتقال المطار إلى موقعه الحالي شمال جدة.

ويبدو المشروع للمتتبع للحركة السياحية في المدينة أنه ليس المشروع الطموح الأول قطعاً ولن يكون الأخير، فهناك محاولات كثيرة مشابهة وهناك أمثلة كثيرة، ولكن صاحب مشروعنا هذا يحمل أفكاراً مبتكرة وطموحات كبيرة، فقد سبق أن نفذ مهرجاناً لأكبر «كبسة في العالم» كما شارك في تقديم تصميم مبتكر خاص بسلعة استهلاكية لصالح إحدى شركات الإعلان استخدم في تصوير إعلان تلفزيوني، وينوي في المستقبل القريب تنفيذ مشاريع أخرى مبتكرة منها تنفيذ أكبر شاشة عرض في العالم في مدينة جدة بتكلفة 32 مليون ريال.

ويقول فهد بكر باجابر، أن فكرة إنشاء مهرجان جدة القديمة كانت ضمن عدة أفكار تقدمت بها أمانة مدينة جدة من أجل الترفيه على زوار وسكان المدينة خلال عيد الأضحى المبارك، وقد تم اختيار المكان في منطقة المطار القديم، القريبة من عدد من الأحياء السكنية التي يقطنها في الغالب أصحاب الدخل المحدود، خلاف المناطق السياحية التي تتشكل في معظمها في شمال المدينة وعلى طول الكورنيش الممتد على مسافة أربعين كيلو متراً نحو الشمال إضافة إلى القرى السياحية البعيدة نسبياً عن وسط المدينة. وتقع القرية على مساحة 100 ألف متر مربع، وهي أرض ممنوحة كدعم من الدولة لتنشيط مجال السياحة الداخلية، وتحتوي على أسواق شعبية وملاهٍ حديثة إلى جانب القديم منها ومسرح للأطفال وموقع للفنون التشكيلية، وقد دعمت بديكور فكرته مستوحاة من واجهات المنازل في جدة القديمة لتذكير النشء بشكل ونوع الحياة قديماً في جدة كيف كانت وأين أصبحت، وأيضاً لاعطاء انطباع عن شكل العيد أيام زمان والآن وبما يساعد الصغار للتعرف على طريقة وسبل الحياة في ما مضى، وهو ما يؤكده باجابر بقوله «هذه الأمور لا يدركها الصغار عموماً ولا بد من التعرف عليها وملامستها عن قرب».

ويتابع «لهذه الأسباب كنا حريصين على توفر هذه الأشياء في القرية، فهي تحتوي على «السقا» الذي كان يجوب شوارع المدينة قديماً لتزويد المنازل بالمياه، وهو عنصر مهم في النسيج الذي كان يشكل واقع مجتمع المدينة وقتذاك، وأيضا حارس الحي بلباسه التقليدي الذي كان يمسك بالعصا في يد والسافرة في يد أخرى ويجوب الأحياء المكلف بحراستها ليلاً ويختلف في شكله وهيئته عن حراس اليوم.

ويضيف «لم تقتصر القرية على القديم فقط بل وفرت مدينة الملاهي التي تحتوي على شتى وسائل الترفيه الحديثة إلى جانب القديم بالطبع، حيث خصصنا قسما خاصا لألعاب زمان مثل المراجيح التقليدية والأحصنة وغيرها بمشاركة كبار السن من الأشخاص الذين عاصروا تلك الحقبة من تاريخ المدينة، هذا إلى جانب الحديث من وسائل الترفيه لأن الطفل بطبعه يرغب في التعرف على القديم في الوقت الذي يحبذ فيه ممارسة اللعب على الحديثة من وسائل الترفيه باعتبارها أكثر تطوراً وتلبي حاجتهم بسهولة».

وللرجل طموحات أكبر حيال القرية التي يضع لبناتها منذ أربعة أشهر، وهنا يقول «أرغب في تطوير الفكرة إن شاء الله، من كونها قرية تحاكي قصة حياة مدينة جدة القديمة إلى الذهاب أبعد من ذلك أي بتحويلها إلى قرية عالمية تضم الكثير من تراث وعادات الدول الأخرى، وذلك بخصخصة أجنحة خاصة لكل دولة مثل إنشاء جناح خاص باسم «خان الخليلي المعروف في مصر، وأجنحة أخرى تمثل سورية ولبنان وباكستان وغيرها من الدول، خاصة أن مساحة القرية تسمح بذلك».

ويضيف «القرية تحوي الآن ثلاث واجهات كبيرة تحاكي واجهات المنازل القديمة في جدة، وإن كل واجهة تزيد مساحتها قليلاً على 200 متر مربع، وتوجد في خلفية كل واجهة معارض وأسواق وهي عبارة عن خيم مصنوعة من الألومنيوم وأنواع من النسيج الصناعي (الطربال) المقاوم للحريق وهي ألمانية الصنع، وسنخصص هذه الخيم في حالة تنفيذنا للقرية العالمية للأسواق السعودية، ومن ثم سنشرع في ترتيب الخيم الأخرى التي ستمثل الدول الأخرى وهو ما نطمح إليه، خاصة أن هذا كان هدفنا الرئيسي عندما نفذنا مشروع جدة القديمة حيث اعتمدنا التدرج في الأمور من مرحلة إلى أخرى وصولاً إلى القرية العالمية وهذا ما سنعمل من أجله علماً أن دراسات الجدوى الخاصة جاهزة تقريباً».

وعن تكلفة المشروع قال إنه من المشاريع المدعومة، بعد أن ساهمت الدولة ممثلة في إمارة منطقة مكة المكرمة وأمانة جدة بالأرض التي أقيم عليها المشروع وذلك في سعيها المستمر لتنشيط قطاع السياحة الداخلية المنظم، وإن تكلفة المنشآت بلغت حتى الآن نحو 4 ملايين ريال، وأضاف «هذا المبلغ يعد متواضعا جداً لولا مساهمة الدولة بأرض المشروع، لكان تضاعفت التكلفة عشرات الأضعاف».

وحول عدد الأشخاص الذين زاروا القرية في فترة عيد الأضحى، قال «عدد الزوار بلغ ما بين 25 و30 ألف زائر يومياً خلال أيام عطلة العيد وهو عدد كبير بكل المقاييس». ولكنه استدرك بالقول «إن عودة الطلاب إلى المدارس مع انتهاء إجازة العيد أثرت بشكل كبير على الإقبال بحيث أصبح المكان خاويا»، ولكننا نتوقع حضورا مميزا يومي الأربعاء والخميس من كل أسبوع، خاصة أن فترة المهرجان حددت بشهر كامل، وان الإقبال كان على «جلسات زمان» الشعبية إضافة الى عروض الفرق الشعبية، وأيضاً على أطباق الأسماك التي لا تختلف كثيراً عن منطقة «ذهبان» الشهيرة بأطباق السمك في جدة.